» رأي
كانوا مفقودين وأصبحوا معارضين!
مقالات أخرى - 2011-06-10 - 7:57 ص
بدر منير*
يختطفونهم إلى مكان غير معلوم، في وقت غير معلوم، فيصبح مصيرهم غير معلوم!
إنها تراجيديا المفقودون. هم كثيرون، أصحاب المصير المجهول كثيرون، بعدما اختطفوا من قبل الوحوش البشرية التابعة للسلطات الأمنية البحرينية، التي تجول القرى متغلغلة في شرايين البيوت المرعوبة، علها تظفر بصيد يروي ظمأ الجلادين المدمنين على تعذيب الآدميين. شغفاً بسماع سموفنية الألم.
أمنيات الأمهات، الزوجات، الأبناء، العوائل المنكوبة، إلى عنان السماء ترتفع، تلامس الغيمات، تحوم حول القمر، علها تتحسس آلام المغيبين في المجهول. معانات حقيقية وكارثة إنسانية ترتكب في جزيرة صغيرة لا يسعها تحمل كل هذا الظلم، الذي صار فاتورة باهظة يدفعها المواطنين لأنهم أرادوا الحرية والكرامة، شأنهم شأن من يعيشون في المجتمعات المتحضرة.
المعلومات المتواردة أن العشرات من البحرينيين مفقودين، اختفوا دون أن يعرف مصيرهم أقرب المقربين لهم. غالبيتهم لا يحملون أي أنشطة سياسية تدينهم، لكنهم على الأرجح، اقتيدوا إلى السجون المتفرقة في البلاد، ليكونوا ضحايا الحملة الأمنية التي تقودها السلطات البحرينية ضد مواطنيها المنتمين إلى الطائفة الشيعية المستهدفة.
لقد تحولت الهوية الشيعية في البحرين إلى جريمة، في غمرة جنون الحكم، الذي فقد عقله وعقاله في محاولات يائسة لإخماد ثورة الشعب المطالبة بالمزيد من الحريات، إلا أن هذا النظام لا يعلم أن تعامله غير الأخلاقي، سينقلب عليه طال الزمن أو قصر، فالمنطق هنا يقول إن زرع مشاعر الترهيب والخوف في قلوب الناس، يزرع أيضا مشاعر النقمة والكراهية، وهذه الأخيرة من شأنها تعزيز الرغبة في مواصلة الاحتجاج حتى تحقيق المطالب وعدم رفع الراية البيضاء أمام الهمجية القمعية، ليس للسير وفق مبدأ محدد فحسب، وإنما لعدم تكرار تجربة قاسية تداس فيها كرامة الإنسان بالأحذية العسكرية.
لعل ذلك يتضح من خلال عودة عدد من المغيبين إلى منازلهم، بعدما عاشوا أياما سوداء داخل السجون التي تضج بصراخ المعذبين. معنويات الخارجين من الغرف المظلمة مفاجئة لم يتوقعها أحد، بما فيها الجلادون أنفسهم، فقد بدت سحنات من أطلق سراحهم مؤخراً مشحونة بالدهشة، وكأن الغطاء كشف لهم ليتعرفوا على ظلم هذا النظام، الذي اختطفهم من أحضان عائلاتهم وعاقبهم على ذنباً لم يرتكبوه.
يقول أحد المفقودين العائدين من السجون: "ألقي القبض علي من قبل مقنعين يرتدون لباس مدني، كنت في طريقي لحضور مناسبة دينية في المنامة، ومنذ ذلك اليوم لم يعرف عني أحد خبر. والدي سأل عني في كل مراكز الشرطة، لكنه لم يحصل على إجابة وهو ما جعل من عائلتي في وضع نفسي سيء لأنهم لم يعرفوا إنني في المعتقل إلا بعد أسبوعين من اختفائي وذلك عبر أحد المعتقلين الذين التقيت بهم وأطلق سراحه لاحقاً".
يتابع حديثه: "مسألة التعذيب واقع على كل من يقع تحت قبضة المرتزقة، لكن أكثر شيء تدركه وأنت وراء القضبان أن كل ما يقع عليك من ظلم ما هو إلا زيادة لرقم من أرقام المعارضين لسياسة السلطة". ويضيف بابتسامة واثقة: "لم أمارس نشاط سياسي يستحق الاعتقال، كل جرمي أنني أنتمي الى الطائفة الشيعة، ولكنني الآن أصبحت سياسي من الدرجة الأولى".
أما الاستجواب الذي تعرض له فكان شبيهاً بخطاب الرئيس الليبي معمر القذافي. لا يفهم من حديثه الحماسي شيئاً يذكر: "من أنتم، جرذان، عصابة، إرهابيين، خونة، عملاء، من يقودكم؟!".
قطعاً لا يمكن الإجابة على أسئلة عبثية كهذه، لكن الواقع يفضي إلى أن سياسة القمع لم تحرك المشتغلين في مجال حقوق الإنسان المنتهكة من قبل الحكم في البحرين فحسب، فقد حركت أيضا العاطلين عن هذا المجال. ولعل المفقودين، أكثر شريحة أصبحت نشطة اليوم، لأننا نتحدث هنا عن عوائل كانت تنام وتصحو دون معرفة مصير أبنائها، لتكتشف بطريقة أو بأخرى بعد طول انتظار أنهم مختطفون من قبل وحوش السلطات الأمنية، ولكن هل هذه الشريحة فقط أصبحت ناقمة على الحكم، ماذا عن عوائل الشهداء، المعتقلين، المهجرين، المسرحين من أعمالهم، المهانين في الشوارع، المكتوين بنار الطائفية؟
*كاتب بحريني
اقرأ أيضا
- 2024-11-12عباس المرشد : رواتب وعلاوات عائلة الحكم في البحرين هل تقود إلى حرب داخلية بين القصور
- 2024-11-05عباس المرشد : نهايات التطبيع في البحرين حصان العائلة الأعرج
- 2024-10-10علي صالح: رسالة إلى راشد بن عبد الله آل خليفة... وزير داخلية البحرين
- 2024-10-04بوكشمة: حتى أنت يا دويري!
- 2024-09-13د.علي أحمد الديري: الشهيد جعفر محمد سلطان.. جاء قرة عين ورحل حرّة قلب