» رأي
كاتالوج تشغيل نسخة الحوار السعودي
علي داوود - 2011-06-25 - 6:16 ص
علي داوود
الحوار المنفوش بدعة سعودية، جلبها الخوف القادم من نافذة العراق بعد سقوطه بين يدي القوات الأمريكية التي زعمت أنها ستجعل منه وعد الديمقراطية المنتظر في المنطقة، وقتها كانت شمس الصيف تسخن من حرارة السجال حول اتجاه رياح التغيير المقبلة، وعن ما سيطرأ على خارطة البلدان المطلة على الخليج تحديداً.
هناك وجدت الحكومة السعودية في إطلاق حوار وطني أقصى ما يمكن أن تواجه به الأصوات الداعية للإصلاح السياسي في هذا البلد، حوار تزامن مع صعود الملك عبدالله في المشهد السياسي كحاكم فعلي خلال سنوات مرض الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز وبعد وفاته، فكان باعثاً على الأمل في ولادة رجل دولة يؤمن بالتغيير.
غير أن هذه الطاولة التي استدار حولها القوم مرات عدة خلال ثماني سنوات، استطاعت الدولة أن تجعل منها عنواناً تجميلياً في نشرات الأخبار، تقدم من خلالها صورة بهية لدولة مازالت المشاركة السياسية فيها دون الحد الأدنى، دولة لا تعرف الدستور ولا البرلمان ولا فصل السلطات، في حين انتهت أغراض الحوار ذاته إلى مجرد توصيات غير ملزمة يفيض بها الإرشيف، دون أن تجد لها قناة للتنفيذ.
لم يطرق الحوار الذي فرضته ضغوط السياسة أياً من تلك الأبواب التي لها صلة بإشكالات الواقع السياسي السعودي، فقد ابتدأ بجولة رومانسية عن الوحدة الوطنية ثم تبعها بجولات في الشئون الخدمية كالتعليم والصحة والتوظيف، على الرغم من حضور "المشاركة السياسية الشعبية" كعنوان مقترح ضمن قائمة توصيات الدورة الثانية للحوار، ليكون بذلك نسخة كربونية عن نقاشات مجلس الشورى التي تفترض نفس الدور وتفتقد نفس الصلاحيات.
ولأنها استلطفت هذه اللعبة، راحت الحكومة تتغزل جوالات الحوار هنا وهناك، حتى تبنت دعوة للحوار بين الأديان في العالم، في مفارقة مضحكة لبلد لم يعرف بعدُ حسماً لمشاكل التمييز الطائفي فيه، ولا يكف خطباء جوامعه عن الدعاء على كل المخالفين من الديانات والطوائف الأخرى، لكن مغناطيس الدعاية الإعلامية في المحافل الدولية-على ما يبدو- جعلها تركض باتجاه تسويق هذا النوع من الحوار، في فاصل إعلاني مليء بالتملق والكذب.
وكم يشبه حوار التوافق الوطني في البحرين اليوم تلك النسخة السعودية التي أفرغت الحوار من معناه وقيمه وأهدافه، وكأن النظام السعودي الذي اختار لنفسه الوصاية على بلدان الخليج لم ينس هذ المرة وهو يبيع البحرين نظاماً جديداً للتشغيل في حقبة "درع الجزيرة" أن يلحق بها دليل الاستخدام الشامل بما فيه من إجراءات معطلة لأي أفق محتمل للحل.
الذين هندسوا أبعاد القاعة المفترضة لحوار التوافق في البحرين كانوا يعلقون الأمل في تطبيق فعّال لأهم دروس الجار الكبير في مجال تمطيط وتمييع مقاصد الحوار، عبر استقطاب أكبر عدد ممكن للمشاركة في جلسات دردشة مفتوحة، فما كان بالأمس حواراً بين السلطة والمعارضة، بات اليوم مناسبة لالتقاط صور تذكارية لحدث استثنائي يجمع إليه أطيافاً متنوعة من مكونات الوطن، حتى تتمكن الدولة من التقاط أنفاسها في نهاية المطاف أمام كاميرات العالم التي جرى محاصرتها وتغييبها عن مراقبة ما يجري على الأرض في الفترة السابقة.
أمام هذا السخاء الباذخ في توجيه الدعوات للمشاركة في حوار التوافق الوطني المزعم عقده في البحرين، والمدفوع برغبة إشراك الجميع في إقرار مصير البلاد كما تعلن آلة الإعلام الرسمي هناك، لنا أن نتوقع ماراثوناً كلامياً ينطلق من حدود "دوار اللؤلؤة" وصولاً إلى ما يطلبه المشاهدون في رمضان، يكون الرابح الأول فيه هم الباحثون عن مادة جديدة لتلميع صورة النظام بعد أن فشلت كل مساحيق التنظيف في صنع ذلك.