» تقارير
التّاريخ غير السار
2011-06-28 - 5:41 م
مرآة البحرين (خاص): في السياسة، لا تبدو الأمور في البحرين غير أنها آيلة دوماً نحو التعقيد، وباتجاه المزيد من "الأفق المسدود"، كما عبّر حسن نصر الله أمين عام حزب الله في خطابه الأخير. من المفارقة أن البحرين تُقبِل "آلياً" على تأزيم نفسها مع نهاية كلّ عقْد. أصبحت الصّورة هذه شبيهة بالقارورة الأسطوريّة التي تُخبّيء جديداً محيّرا، لا أحد يعرف ما هو، وإلى أين ينتهي بالبلاد والعباد. يُشبّه بعضهم الأمر بتحلّل التاريخ وتشظّيه.
في العموم السياسي، تمّ التعارف على اعتبار هذا الملمح "العبثي" تعبيرا عن محاولات فاشلة باستمرار في الوصول إلى حلول توافقية بين الناس والحكم. البعض يجزم أنّ المسألة لها علاقة بالخلل "البنيوي" الذي تشكّل مع هوية الأرض وتاريخها المتعاقب. منذ البدء، لم تهدأ الصراعات في تاريخ البحرين، ولم يُغيّر "سلميّة" الانطباع في التاريخ الإسلامي، من حجم تلك الصّراعات وارتفاع كلفتها المادية والبشرية. العنوان الأبرز لتاريخ البحرين لا يخلو من: الاجتياح، الغزو، الرّدة، الاقتلاع، الاستلحاق، الاستبداد، السّخرة..
من الصعوبة فهْم الأمور في البحرين بعيدا عن زاوية الصراع السياسي والرغبة في الامتداد والسيطرة وانتزاع الشرعية والتمثيل الأصلي. لكن هذا المدخل لا يلغي ضرورة البحث عن مداخل أخرى أسهمت بدورها في تشكيل الوجهة المتعرّجة لهذه البلاد. التفاصيل المتناثرة التي تنتشر هذه الأيام يمكنها إيصالنا إلى مفاتيح جديدة لهذا المنعرج التاريخي.
قبل أيّام، كتب عبيدلي العبيدلي – رئيس تحرير الوسط الذي فرضه "تاريخ" الطورائ - ما يفيد أنّ الحوار الذي تتحدّث عنه السّلطة هو "الفرصة التّاريخيّة الأخيرة". في العادة، يأتي زجّ عبارة "الفرصة التاريخية" و"الفرصة الأخيرة" لخلق إيهام نفسي بأنّ ما هو معروضٌ هو أفضل الخيارات، أو الخيار الوحيد المُتاح، وأنّ رفْضه وإعطاءه "الظّهر" يعني الانتحار. هذه الوسيلة اللغوية تُعطي لمقولة "التاريخ" حجما مبالغا فيه لأجل إيقاع التأثير الذهني والعاطفي. إنها حيلة لغويّة، ولها أبعاد ميتا - لغوية. مع قليل من المتابعة، يستطيع المرء اكتشاف أنّ أكثر الاستخدامات التي تلجأ لهذه الحيلة ليست واقعية، ولها وظائف خاصة ووقتيّة، أي لا تاريخيّة وليست مفصليّة بالنّتيجة.
بعد الزّخم الذي تراكم سريعاً، سرعان ما تشكّل محرّكو الاحتجاجات تحت مسميات حافظت كلها على التاريخ الافتتاحي، فكان مسمّى "شباب 14 فبراير" حاضرا في مختلف المجموعات التي توالدت بسرعة بعد الاجتياح السعودي للبحرين. هذه المجموعات أعلنت عن تواريخ مختلفة أيضا لاستئناف الاحتجاجات، وبعضها كان يحمل طابعا افتتاحياً، على النّحو الذي ميّز تاريخ 14 فبراير؛ التّاريخ التأسيسي الذي تحوّل إلى زمن رمزي.
في الضّفة الأخرى، فإنّ السلطة وضعت أكثر من محطّة وتاريخ. الأول من يونيو أعلنته موعدا لرفع قانون الطوارئ. الأول من يوليو القادم سيكون موعدا لانطلاق الحوار المثير للجدل. فيما سنكون في أغسطس على موعد مرتقب لإعلان نتيجة لجنة التحقيق الحكومية، والتي تشكّلت في اليومين التاليين لانطلاق حركة فبراير الاحتجاجيّة.
في مهرجان الوفاق الأخير، أعلن شيخ علي سلمان أن ما بعد 14 فبراير ليس كما بعده، وأنّ الأمور لن تعود إلى الوراء، وهو المعنى الذي شدّد عليه الرمز الدّيني شيخ عيسى قاسم في اليوم نفسه. القوى الموالية نفسها تشدّد في خطابها التعبوي على أنّها لن ترجع إلى الوراء، وأكّد رئيس الوزراء "أننا لن نقول عفا الله عما سلف"، كما حدث سابقا، كما أنّ تجمّع الوحدة الوطنية يقوم على أيديولوجية مركزية مؤدّاها أنّ "يقظة المارد السني" غيّرت مجرى التاريخ، وأنّ الحسابات تغيّرت جذريا منذ 21 فبراير و2 مارس.
أمام زحمة هذه التّواريخ، لا يبدو أنّ هناك إرادة جادة لدى السلطة في الخروج من التّاريخ غير السّار الذي دفعت الجميع إليه. تبدو السلطة مصرّة على تاريخ مُكّرر لما يُعرف بموروث الغزو. تُبدي الأطراف المتطرّفة في السلطة ممانعة غير طبيعية في الدّخول إلى تاريخ التطوّر الطبيعي للبشرية. من المؤلم أنّها تُمانع وتدفع محيطها الحيوي إلى إحداث ممانعة مؤيدة أيضا، وهو أمرٌ يعني تحويل الممانعة التاريخية إلى حال عصيان ضدّ التطوّر والتقدّم الإنساني. في هذا الإطار، يُفهم أنّ مثقفين وكتّابا تابعين للسّلطة يرفضون، دون مواربة، فكرة تداول السلطة، ولا يرون بديلا عن رئيس الوزراء "الأبدي" الشّيخ خليفة بن سلمان، وهو تصرّف لا يمت إلى حركة التاريخ بأية صلة، وهو إنجاز غير تاريخي تحققه السلطة بحقّ تاريخ هذه البلاد.