حصاد فساد 2013: ألبا وأخواتها .. فضائح آل خليفة
2014-01-14 - 11:56 م
"الفساد لا يكون فسادًا إذا كان جميع أعضاء العائلة الحاكمة على علم به"
جستين غينغلر
مرآة البحرين (حصاد الساحات): استطاع ملكُ البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، أن يجعل من الفساد أحدَ الأعراف التقليديّة التي تتبعها قبيلته في إدارة شؤون البلاد. ويُعتبر العرف مصدراً احتياطيّاً للقانون (إذا تعارف العملُ به في مجتمع معين وزمان معين)، لكن الفساد العرفي لم يتّبعه إلا عائلة آل خليفة التي جعلته قانوناً لها.
وقد أشارت منظمات ومحلّلون إلى أن بقاء آل خليفة بالحكم، وفي ظلّ انعدام وسائل الرّقابة؛ سيجعل من الفساد موضوعاً رئيساً في البحرين، ما دام الملك يرعى أقرباءه المفسدين ويحول دون مساءلتهم عن السرقات والتجاوزات المالية التي يستفيدون منها.
رجل الأعمال البريطاني، فيكتور دحدلة، المتورّط بدفع رشا بـ 67 ملايين دولار لرئيس مجلس إدارة ألبا السابق، عيسى بن علي آل خليفة، (وهو مستشار خليفة بن سلمان للشؤون الاقتصادية)؛ استفادَ أمام محكمةٍ بريطانية من "القانون غير المكتوب" للعائلة الحاكمة.
وقد انهارت قضية دحدلة - التي طرحها المكتب البريطاني لمكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة - بشكل سريع. فرغم أنه اعترف بتسديد الرّشا؛ إلا أنه دافع عن براءته، مستشهدًا "بموافقة المسؤول الرئيسي"، وهو دفاعٌ مُتاح في إطار قانون الوقاية من الفساد البريطاني 1906، حسبما نقل استيل شيربون من وكالة رويترز للأنباء.
شيرتون أوضح الأمر وقال "وفي الجوهر، كانت حجّته هي أن المدفوعات كانت معروفة وموافق عليها من قبل أولئك الذين يتولّون مراكز المسؤولية في ألبا والحكومة البحرينية، وأنها كانت جزءًا من العرف والممارسة في البحرين".
الحكومة تعترف: نعلم بالرشاوى
بدأ القضاء البريطاني مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني النّظر في الدّعوى التي قدّمها مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة البريطاني ضد دحدلة، وذلك في أكبر قضايا الفساد خلال السنوات الأخيرة، غير أن تطورات المحاكمة، وبعد نحو شهر، دفعت بانهيار القضية بشكل مفاجئ.
فقد قدّم محامي الدفاع، يوم الاثنين 2 ديسمبر/ كانون الأول، وثائق أمام المحكمة تؤكّد أن رئيس الوزراء كان له تأثير مباشر في شؤون شركة ألمنيوم البحرين "ألبا"، وذلك عندما تمّ عقْد الصّفقة، الأمر الذي أكّده في جلسةٍ لاحقة نائبُ رئيس الوزراء، جواد العريض، في سياق رسالةٍ رفعها للمحكمة.
وبناء على طلبٍ من ألين و أوفري (مكتب محاماة في لندن مُوكل عن دحدلة)، كتبَ العريض يقول "إن مجلس إدارة شركة ألمنيوم البحرين علم ووافق على جميع العقود التي أبرمتها ألبا، بما في ذلك معرفة المدفوعات التي قام بها فيكتور دحدلة، وإقرارها"، وأضاف "كان هذا مطابقاً - على نحو تام - للمُمارسات المُتّبعة في ألبا".
وليس هذا هو السبب الوحيد لانهيار القضية، فقد قام كلّ من رئيس مجلس إدارة ألبا، محمود الكوهجي، والرئيس التنفيذي السابق، بروس هول، بتغيير إفادتيهما أمام المحكمة بعد ضغوط من خليفة بن سلمان. وقد أكّد رئيس كتلة الوفاق النيابية المستقيل، عبدالجليل خليل، أن محمود الكوهجي قدّم شهادة متناقضة وناقصة في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني، وفيها نفى استلام مسؤولين حكوميين لرشاوي من دحدلة.
أحد المحامين قال لـ "رويترز" أن السبب الرئيسي الآخر لقرار مكتب مكافحة الفساد هو أن بروس هول، الرئيس التنفيذي السابق لألبا، والذي كان قد أقرّ بذنبه في مؤامرة الفساد مع دحدلة؛ قد غيّر بشكل ملحوظ شهادته في المحكمة مقارنةً مع ما قاله في شهادته لمكتب مكافحة الفساد.
ألبا- ألكوا: التسوية الرخيصة
رغم أن تكلفة الرشا التي دفعها رجل الأعمال البريطاني بلغت 67 مليون دولار، إلا أن خسائر ألبا من الصّفقة التي تمّ بموجبها توريد مادة الأمونيا بأسعار كبيرة تتجاوز سعر السوق؛ بلغت نحو مليار دولار، وهو قيمة التّعويض التي كانت شركة ألبا تطالب به الشركة المورّدة (ألكوا الأميركية(
وبعد أن رفعت ألبا دعوى قضائية ضدّ الشّركة الأميركية أمام القضاء الأميركي لمطالبتها بمبلغ التعويض؛ قام الكوهجي بسحب الدّعوى القضائيّة، ووقّع صفقةً سريّةً مع ألكوا مقابل 85 مليون دولار فقط، بنسبة لا تتعدى 8.5% من المبالغ التي خسرتها الشركة.
بتلكو بعد التأمينات الاجتماعية
أقدمت شركة البحرين للاتصالات "بتلكو" في 27 مايو/ أيار على إقالة رئيسها التنفيذي، محمد بن عيسى آل خليفة، بعد شبهات حول إتمام صفقة تُقدّر قيمتها بـ 680 مليون دولار. وبرّرت القرار بـ «انتهاء العقد مع الشيخ محمد».
وجاءت إقالته من الشّركة - التي تملك الحكومة الحصّة الأكبر فيها - بعد «شبهة فساد» في صفقة الاستحواذ التي أبرمها محمد بن عيسى مع «موناكو للاتصالات»، في حين لم يتم مقاضاة الرجل المُحصّن ملكيّاً من المساءلة بطبيعة الحال.
ولم تكن الشّبهة الوحيدة في تورط محمد بن عيسى في عمليات فساد، فقد واجه الرجل شبهات فساد كبيرة خلال رئاسته لصندوق التقاعد أيضاً، قبل أن تتمّ إقالته في 2011، وكان من بينها قروضا اُعتبرت لاحقاً ديوناً شبه معدومة لبنك آركبيتا.
طيران الخليج... صفقات عائلية سياسية
أدّى الفساد المتراكم في طيران الخليج إلى تسجيل الشركة، ولعدة سنوات، خسائرَ متراكمة، بلغت مطلع 2013 نحو 240 مليون دينار. ورغم أن مسؤولين في الشركة ادّعوا أن الخسائر ستنخفض إلى النصف تقريباً مع نهاية العام؛ إلا أنّ الشركة تتحفّظ على الكشف عن بياناتها الماليّة.
وتضاربت بياناتٌ قدّمها رئيس مجلس إدارة الشركة، خالد بن عبدالله آل خليفة، مع بياناتٍ أخرى قدّمها وزيرُ المواصلات في ظلّ عدم الشّفافية التي تنتهجها الشركة. ففي حين توقّع فيه الأخيرُ، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، أن خسائر الشركة ستقلّ عن 90 مليون دينار؛ أعلن خالد بن عبدالله بعد أسبوعين أنها انخفضت لـ 76 مليونا فقط.
ومن الضّروري الإشارة هنا إلى توظيف آل خليفة الأموالَ العامة لمصالح حكمهم، فقد أشارت وثيقة نشرها موقع ويكيلكس إلى أن الملك وولي عهده ألغيا صفقةً مُقرّرة لطيران الخليج مع شركة ايرباص الأوروبية لصالح شركة بوينغ الأميركية.
وفي التفاصيل، قال السفير الأميركي آدم إيرلي نهاية ديسمبر 2007 "بعد أشهر من الضغط الشديد من قبل السفير؛ رفض ولي العهد والملك اقتراح شركة طيران الخليج بشراء طائرات ايرباص، ووجّها الشركة لعقد صفقة مع بوينغ".
وبيّن السفير أن شركة طيران الخليج وقّعت على اتفاق بقيمة 6 مليارات دولار مع شركة بوينغ في 13 يناير، في وقتٍ يتزامن مع زيارة الرئيس بوش، رغم التكلفة المنخفضة لشراء ايرباص –بحسب ما أفاد به السفير-.
رئيس الوزراء يدفن النسخة الرسمية المعتمدة من الفساد
كشف التّحليل المالي للأرقام والتي أوردها تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2013؛ أن قيمة الفساد الذي تورّطت فيه حكومة رئيس الوزراء خليفة بن سلمان بلغت 395 مليون دينار بحريني، بزيادة تصل إلى 180% مقارنة بالتقرير السابق.
ورغم أن التقرير، الذي يكشف جزءا من الفساد لكونه يصدر عن هيئةٍ نظامية، بلغ نسخته العاشرة إلا أن خليفة بن سلمان لا زال يترأس الحكومة منذ 43 عاما، ولم يتم مساءلته عن هذا الكم الهائل من السرقات، بل تجاوز ذلك إلى حدّ تقديم نفسه صائناً للمال العام!
في هذا الإطار، جمعَ رئيس الوزراء ما يُسمّى بـ "الكتل النيابية"، ليؤكد أن "لا مكان للمتلاعبين بالمال العام"، فأكّدت تلك الكتل "ثقتها بأنّ الحكومة لديها الأدوات التي تجعلها قادرة على وقف أي تجاوز ومعالجته، ولن تسمح أبداً بأن يصل إلى مرحلة الفساد، فلا مكان لفاسد في حكومة يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة"
المطر يكشف سوءة رجل التنمية
عرّت الأمطار الغزيرة التي سقطت لوقت محدود فوق البحرين (19 نوفمبر/ تشرين الثاني) كلّ مقولات وكذبات مدّاحي النظام البحريني وحكومة خليفة بن سلمان، الذي ينسب إليه مواليه كلّ حسنةٍ في البحرين، وتشتهر بينهم مقولات مثل "رجل التنمية".
صباحاً، كانت البحرين تغرق في أنهار من الأمطار. كانت السّيارات تبحر في الشّوارع، وليست القديمة منها فحسب، بل حتى الشوارع الحديثة التي يُفترض أن وزارة الأشغال أعدّتها بموجب مواصفات عالمية، كما زعمت الحكومة قبل يوم واحد.
عددٌ من المدارس تحوّلت إلى برك سباحة. صور ومقاطع فيديو أظهرت كيف يحمل الآباء أطفالهم داخل المدارس، وهم يُشمّرون عن ثيابهم حتى منتصف أرجلهم، فيما كان المعلمون يبحرون وسط البرك للوصول إلى صفوفهم.
كانت المياه تغمرُ غرف نوم المواطنين في بيوتٍ آيلة للسقوط، رغم احتفال خليفة بن سلمان السنوي بحصوله على جوائز عالمية في التنمية الحضرية.
بادر نجل الملك، ناصر بن حمد آل خليفة، لتعويض المتضررين، ولكن من أموال المتضررين أنفسهم، فبينما يلعب هو وأبيه وكل أفراد العائلة من خلفهم بخزينة الدّولة؛ أعلن عن تشكيل لجنة وطنية تجمع الأموال من الناس لتعويض المتضررين!
العائلة الفاسدة: شهادات دولية
حلّت البحرين في المركز 57 على مؤشر مدركات الفساد للعام 2013، والذي أصدرته منظمة "الشفافية الدولية" في ديسمبر/كانون الأول، وهبطت البحرين إلى المركز 57 بعدما كانت في العام 2012 في المركز 53.
المنظمة اعتبرت البحرين من الدّول صاحبة أعلى الدّرجات في كون أنها ما زالت تواجه مشكلات تتعلّق بالسيطرة على مؤسّسات الدّولة لتحقيق مآرب خاصة، كما أنها من بين الدول المُعرّضة لخطر الفساد "بدرجة عالية جدا".
وأضافت في تقريرها إلى إن "عائلة آل خليفة تهيمن على الحياة السّياسية وصناعة القرار في البحرين. ومع قلة الضّوابط والموازين الرقابية؛ يتزايد خطر الفساد السّياسي"، متهمةً أفراد العائلة الحاكمة بأنها تتمتّع بحصانة ملكية ضد المساءلة والتحقيق.
سمعة العائلة الملطخة
مسؤول المخابرات الأميركية السابق، اميل نخلة، كتب عن انهيار قضية ألبا قائلاً: "مع نجاة عمه ورئيس الوزراء من الإهانة العلنية - على الأقل - في المحاكم البريطانية؛ لا يمكن للملك حمد أن يدّعي أن كل أمور رئيس الوزراء أو بعض وزراء العائلة الذين لطّخت القضيةُ سمعتهم، بأنها على ما يرام".
ورأى أن "الاعتراف الرسمي لأحد نواب رئيس الوزراء -والذي قُدِّم في رسالة للمحكمة البريطانية بأن الدفعات البالغة ملايين الدولارات تمت بعلم آل خليفة وموافقتهم- ستكون له آثار جدية وطويلة الأمد على العائلة الحاكمة".
وخلص في مقالة جاءت تحت عنوان "رئيس الوزراء البحريني تفادى رصاصة الفساد، حتى الآن" إلى القول "في النهاية، أضعفت القضية شرعية حكم آل خليفة خاصةً في هذه المرحلة عندما روّج الملك لـ "فتح" العائلة للجزيرة منذ أكثر من 200 عامًا".
لا يكون فسادا إذا كان بعلم العائلة
أما جستين غينغلر، وهو باحث أول في هيئة المسح الاجتماعي والاقتصادي في معهد البحوث بجامعة قطر، وهو محاضر مساعد في جامعة نورث وسترن في قطر، فقد قال "إن الفساد لا يكون فسادًا إذا كان جميع أعضاء العائلة الحاكمة على علمٍ به".
ونقل عن بروس هول، الرئيس التنفيذي السابق لألبا، قوله أمام المحكمة "إنه يوافق أن هناك توترات في البحرين، حيث "تسيطر العائلة المالكة على كل شيء "وحيث" لا يحدث شيء دون موافقة رئيس الوزراء عليه".
كلّ شيء يحدث بعلم رئيس الوزراء وابن أخيه (الملك) الذي جعل من الأول مساءلا أمامه في الدستور المنحة (دستور 2002)، لكي يضمن بقاءه بعيدا عن أيّة مساءلة قانونية أو رقابية. هو يريد بذلك أن تكون عائلته محميّة، لأنه يعلم أنه ليس بإمكانه وعائلته إلا أن يكونوا فاسدين!
- 2014-02-15الصحافة الأجنبية في 2013: الخوالد في معركة ضخمة للسيطرة على العائلة، المتظاهرون لم يرهبهم الاضطهاد، وأفضل رمز للبحرين هو قنبلة غاز!
- 2014-02-14حصاد النشطاء الحقوقيون في 2013.. بين المعتقل أو الفرار نحو الخارج
- 2014-02-12لسان حال النظام في 2013 للشيخ علي سلمان: بيدي أن أمحوك، لكنني أحتاجك، وأخافك
- 2014-02-032013 تسجّل أكثر مواقف "جميل حميدان" دناءة... حصاد المفصولين: حكومة تجيد صياغة الوعود لكنها لا تنفّذ شيئا!
- 2014-02-01المرتزقة والميلشيات المدنية يملأون ساحات القتل في 2013: وتوصية بسيوني بتوظيف الشيعة في الأمن تطبّق بالمقلوب!