حصاد الرّياضة 2013: الملاعب ساحات إقصاء وملاحقة وكراهية

2014-01-15 - 5:57 م

مرآة البحرين (حصاد الساحات): في كلّ زاويةٍ في البحرين ثمّة يدٌ للعبث السّياسي، والسّطوة الأمنيّة. والبدايةُ دوماً تأتي من عام التحوّلات: 2011م. ولم يكن مفاجئاً في ظلّ ذلك أن يصلَ الأمرُ إلى المجال الرّياضي، فتمتدّ إليه القبضةُ المقيتة التي طالت نجوماً دوليين، وعلى صعيد أكثر من لعبةٍ رياضيّة. لقد تمّ إيداع هؤلاء النّجوم في غياهب السّجون، وصُبّت عليهم العذاباتُ وكلّ أشكال المهانة والإذلال. وفي حين أُفرج عن بعضهم، فإنّ كثيراً منهم لازال يقضي عمره خلف القضبان. ومن المعروف بأنّ قسماً كبيراً من الرّياضيين هم في حُكم المطلوبين والمطاردين، وهنالك منْ يمضي مصيره نحو المجهول.

لم تقتصر حكاياتُ الرّياضيين على الاستهداف الأمني والملاحقات، بل إنّ المسألة - بطبيعتها العدوانيّة - تعدّت حدود القيْد والسّجن الجسدي، لتشمل الاستهداف المعنوي والإقصاء عن الاستحقاقات المهنيّة، تماماً كما هو الحال في العديد من قضايا تصفية الحساب التي تنتشرُ في هذه البلاد وفق قاعدة الانتقام، والقتل النّاعم. وفي كلّ ذلك؛ يدفعُ الوطنُ الثمنَ الأكبر، وفي كلّ القطاعات، فضلاً عن انعكاسات ذلك على النّسيج الاجتماعي واهتزاز مقوّمات التّعايش والشّراكة البعيدة عن نزعات الذّات الشخصية للمسيطرين على القرار، ونزعات المذهبيّة، والتّمييز البغيض، وبعيداً عن معايير الكفاءة أيضاً.

خليجي 21 هروب إلى الأمام وطمس نجوم..والناتج "الخيبة"!

لم يتأخّر الموعد. إنّه يوم الخامس من شهر يناير من العام 2013م، يوم انطلاق بطولة كأس الخليج الحادية والعشرين في العاصمة البحرينيّة المنامة، بدلاً من إقامته في العراق حسبما كان مقرّراً لها، وهو الأمرُ الذي أزعجَ السّاسة العراقيين والرّياضيين على حدّ سواء. وفي المقابل، فقد أسعدَ قرارُ نقل البطولة السلطةَ البحرينيّة ومواليها. وليس من المُستعصي معرفة الأسباب الدّاعية لهذا الابتهاج، في سياق الطأفنة المُمنهجة التي تحكم المنطقة، والبحرين على وجه الخصوص.

هذا الحدث الرياضي الكروي يُعتبر الأبرز والأشهر على مستوى الريّاضة الخليجيّة. فالجماهير تحجّ إلى العاصمة التي تحتضنها، وتُسلَّط الأضواءُ على البلد المضيف. لذلك،  كان من صالح النّظام السّياسي البحريني أن يستضيف هذه البطولة، حيث يمكنه بذلك "الهروب  إلى الأمام" والتخلّص من الصّخب الإعلامي الذي يُلاحقه على خلفية ما يجري في البلاد من احتجاجات وانتهاكات.

رياضة

السيد محمّد عدنان: حدث خليجي 21

كانت القصّة الأبرز في هذا الحدث هو استبعاد النّجم المعروف السيد محمد عدنان - المحترف في صفوف فريق "العربي" القطري - عن قائمة المنتخب الذي يُمثّل بلده في البطولة. والمعروف أن عدنان كان ضمن قائمة المغضوب عليهم لدى أجهزة الأمن على خلفية مشاركته في احتجاجات دوار اللؤلؤة عام 2011م. 

وقد بدأت حكاية الاستبعاد على نحوٍ مثير. في البداية، أبْدى رئيسُ الاتحاد البحريني لكرة القدم، علي بن خليفة، حُسن النّية في استدعاء اللاعب ومشاركته المنتخب، وذلك من خلال تصريحٍ شهير قال فيه: "سيد عدنان ولدنا".

وبالفعل، فقد أُستدعي اللاعب عدنان إلى صفوف الفريق، وخاضَ معه معسكراً تدريبيّاً في مصر، بيد أن اللاعب اسْتبعِد بقرارٍ مفاجئ، وجرى تغليف القرار بالشّكل الفني، فقيل بأنّه صدرَ من جانب المُدرّب الأرجنتيني للمنتخب، السيد كالديرون. وكان قد أُشيع في تلك الأثناء عن عريضةٍ جماهيريّةٍ تقدّم بها جمعٌ من الموالاة للمطالبة باستبعاد اللاعب عدنان، لكن الحقيقة تختلف عن ذلك. فما الذي حصل؟

ما حصلَ هو أنّ رغبة علي بن خليفة اصطدمت بنفود وزير الدّولة لشئون الاتصالات، فواز بن محمد آل خليفة، والذي كان أحد المؤزّمين الأساسيين والمتسبّبين في إثارة الانقسام الطائفي وقتما كان في العام 2011 رئيساً لهيئة شئون الاعلام، حيث مارس فواز هوايته في التخلّص مِن مَنْ يعتقد أنّهم خصومه أو من منكري نعمه، إذ ضمّ اثنين من اللاّعبين في المنتخب، أحدهما اللاّعب المغربي الأصل فوزي عايش، ليمارسا الضّغوط على المُدرّب من أجل إبعاد عدنان، وبالاعتماد على ما لهما من ثقلٍ أساسي داخل المنتخب. وبالفعل، نجحَ الاثنان في مهمّتهما، وبجدارة، وأُسْتبعِد اللاعب وسط أجواءٍ صادمة له، وللجماهير العريضة التي تعرف إمكاناته الرياضيّة.

الأمرُ الآخر، هو العمل على تغييب أسماء النّجوم غير المرغوبة لدى السّلطة وبعض مواليها، وذلك خلافاً للعادة المعهودة في المناسبات الرّياضيّة، حيث الاحتفاء بالأسماء الذهبيّة، واستعراض الانجازات التّاريخيّة لها. ولكن السّلطة كان لها رأي آخر، فغاب اسم هدّاف آسيا علاء حبيل، الذي لم يسبق لأيّ لاعبٍ بحريني الحصول على ما حقّقه من انجازات. كما غاب اسم شقيقه محمد حبيل، والحارس علي سعيد، وغيرها من الأسماء. لم يأتِ اسمٌ من هذه الأسماء على لسان أيّ معلّق أو مُحلّل في القنوات التي بثّت المباريات، وتحوّل بعض المذيعين ومقدمي البرامج الخليجيين إلى أبواق في خدمة رغبات المُمّولين، وعلى حساب الأمانة والمهنيّة. 

ولا تفوت الإشارة إلى أن المنتخب الذي مثّل البحرين - وبعد إقصاء البحرينيين - جلبَ خيبة الأمل، للمتنفّذين قبل الجماهير، حيث حقّق نتائج هزيلة، توّجها بخسارةٍ ثقيلة أمام منتخب الكويت في مباراة تحديد المركز الثالث، حيث هُزم بستّة أهداف. وأُسْدِل بذلك السّتار على فصْلٍ آخر من فصول الخيبة، نتيجة التّمييز وغياب العدالة.

المعارضة تستثمر خليجي 21 وتكرم اللاعبين والرياضيين

على الجانب الآخر، لم يفُت الجمعيّات السّياسيّة البحرينيّة المعارضة فرصة التجمّع الرّياضي الخليجي الأشهر الذي عاشته البحرين، في الخامس من يناير وحتى الثامن عشر من ذات الشهر. الجمعيّات المعارضة قامت بتكريم العديد من اللاّعبين والرّياضيين، بالإضافة إلى الصّحافيين الرّياضيين المُبعدين عنوةً من تغطية الحدث، وذلك بعد أن تمّ التخلّص منهم من لدن الصّحف والقنوات التي كانوا يعملون بها على انتقاماً من آرائهم ومواقفهم.

عشية نهائيّات خليجي 21؛ تقدّم كلُّ من النّجم الكروي، علاء حبيل، ونجم كمال الأجسام العالمي، طارق الفرساني، ولاعبا الطاولة أنور مكي وصالح مهدي، وغيرهم من الأسماء الرّياضيّة.. تقدّموا منصّة الحفل بساحة المقشع لينالوا تكريماً معنويا من جانب الجمعيات المعارضة، حيث سلّم - بالنيابة عن الجمعيات - أمينُ عام جمعية الوفاق، الشيخ علي سلمان، باقات الورود والكؤوس التّذكاريّة على المكرّمين.

وسط حضورٍ حاشد وتفاعلٍ شعبي مع النّجوم؛ تطرّقَ سلمان في كلمته إلى تدهور الحركة الرّياضيّة بسبب تسلّط الشّيوخ، وسياسة الإقصاء والتّمييز، إلى جانب سوء التّخطيط، كما  قدّرَ الرّياضيين وشكرهم نظير ما قدّموه من أجل بلدهم طوال مشوارهم الحافل بالعطاء والانجازات.

الاعتداءات الأمنية مستمرة.. حتى في الملاعب

 في الثّاني من مارس من العام 2013م؛ اعتدت قوّات النّظام على أحد ملاعب كرة القدم في منطقة بوري، واستخدمت أسلحتها ضد اللاعبين أثناء ممارستهم هواية اللّعب بكرة القدم.

وطالت الاعتداءات اللاعبين بشكلٍ همجي، وتسبّبت بإصاباتٍ لبعضهم بعد توجيه الأسلحة، وبشكل مباشر، وبالذخيرة الحية.

7

الفورملا واحد.. ماتريده السلطة..لا مايريده الشعب

على عادتها السنويّة، استضافت البحرين الهواية المفضّلة لولي العهد، سلمان بن حمد آل خليفة، والمتمثلة في سباق السيارات العالمي الفورملا واحد، وذلك في التاسع عشر من شهر أبريل من العام 2013م، واستمرت حتى الحادي والعشرين من الشّهر نفسه. لم تختلف الأجواء عمّا كانت عليها في العام 2012، مع العلم أن السّباق غابَ عن البحرين في العام 2011م بسبب القبضة الأمنيّة، إلاّ أن مُلاّك حقوق السّباق فيما بعد لم يعد يُعيرون المسألة الأمنيّة ذلك الاهتمام، وذلك بفضل الجهود المبذولة من جانب شركات العلاقات العامة التّابعة للنظام الخليفي. 

وعلى العادة المعهودة أيضاً؛ حجّ المراسلون والصحفيّون الغربيّون -وغيرهم- إلى حلبة الصخير. ومن اللافت أن عدداً كبيراً من هؤلاء لم "يبخل" في النّزول إلى القرى التي تُمثّل العالم الآخر من البحرين، في قبال ترف الفورملا وبهرجتها. وفي القرى، استنشق ضيوفُ الفورملا ون مسيل الدموع، والتقطوا صوراً تفضح مشاهد القمع، وبادروا بإرسال تقاريرهم إلى صحفهم وقنواتهم. وقد تسبّب ذلك في استجلاب الأذى لهم، حيث عمدت السّلطاتُ البحرينيّة لترحيلهم تحت حجج مخالفة القانون.

على الجانب الآخر، كانت المسيرات الشّعبيّة المطالبة بالحقوق قد أخذت وتيرتها بالتصاعد بشكل مكثّف ومستمر.

وقد نظّمت الجمعياتُ المُعارضة يوم الجمعة الموافق التاسع عشر من شهر أبريل مسيرة على شارع البديع بعنوان "جمعة استمرار الثّورة"، شاركَ فيها جمعٌ غفير من آلاف المحتجين، واختتمت المسيرة ببيانٍ أكّدت فيه أن النظام يسعى لتضليل الرأي العام الدولي بالفعاليات الرّياضية، والتّغطية على حقيقة ما يجري من انتهاكاتٍ واضطهاد، كما دعت وسائلُ الإعلام الدّوليّة الموجودة في البحرين إلى "إيصال واقع الاضطهاد والظّلم والقمع الذي يواجهه شعب البحرين بجميع فئاته إلى الرّأي العام العالمي بكلّ حياديّةٍ وإنصاف"، مشيرةً إلى أن "النّظام يعمل على التّغطية والتّعتيم على الحراك السّلمي الحضاري لشعب البحرين طوال أكثر من عامين، من أجل تشويه صورة هذا الحراك ومنع التّضامن الدّولي معه من قبل شعوب العالم الحرّ". 

سلمان بن إبراهيم يغسل يديه من جرائم الانتهاكات ضد الرياضيين ويتربع على عرش رئاسة الاتحاد الأسيوي لكرة القدم!

إنّ قائمة الانتهاكات الطّويلة، ولجان التّحقيق للرّياضيين - ولاعبو كرة القدم البحرينيين على وجه التّحديد - الذين أُبعدوا من مكانتهم الرياضية، إما بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات أو بسبب آرائهم السياسية؛ كلّ ذلك لم يمنع من وصول الرّئيس السّابق للاتحاد البحريني لكرة القدم إلى كرسي رئاسة الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وذلك ضمن الانتخابات التي خاضها في اليوم الثاني من مايو من العام 2013م.  

يُذكر أن سلمان بن إبراهيم آل خليفة يشغل، منذ أكثر من ثلاث سنوات ولغاية الآن، منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للشباب والرياضة، ويُعتبر من أبرز المتورّطين رسمياً في ارتكاب الانتهاكات ضد الرّياضيين، وبشكلٍ مباشر. فإبّان رئاسته لاتحاد كرة القدم المحلي؛ أقام اتّحاده لجان تحقيق مُوسّعة مع العديد من اللاعبين، وحكّام كرة القدم، وذلك على خلفية مشاركتهم في احتجاجات دوّار اللؤلؤة، وقد تمّ استبعاد الكثير من النّجوم بعد سجنهم، إضافة إلى إيقافات تمّت بالجملة للعديد من اللاعبين والحكّام بعد التّحقيق معهم، وهو أمرٌ كان الاتّحاد البحريني نفسه قد صرّح به على لسان أمينه العام السابق الدكتور عبدالرحمن سيار، ضارباً بعرض الحائط قوانين الاتحاد الدّولي لكرة القدم التي تُجيز للاعبين والحكّام المجاهرة بآرائهم السياسيّة.

ومن المعروف كذلك بأن فوز سلمان بن إبراهيم بمقعد رئاسة الاتحاد الآسيوي لم يكن بسبب كفاءته، حيث لم يُقدّم للرّياضة البحرينيّة "العرجاء" إضافة تستحق الإشارة. لقد حصلَ على هذا المنصب نتيجة التّحالفات القويّة التي رعاها رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي، والرّجل القوي في الرّياضة الآسيوية، الشيخ "الكويتي" أحمد الفهد الصباح. فله الفضل في إيصال ابن إبراهيم إلى عرش الرئاسة.



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus