الشيخ ميثم السلمان في حوار مع «مرآة البحرين»:السلطة التي هدمت 38 مسجداً وأصحاب الأجندات الطائفية يسعون لبناء جدار برلين في البحرين (1-2)

ميثم السلمان
ميثم السلمان

2014-02-08 - 10:55 م

مرآة البحرين (خاص):الشيخ الدكتور ميثم السلمان هو مسؤول دائرة الحريات الدينية في مرصد البحرين لحقوق الإنسان، وقبلها، هو أحد المتحدثين الدوليين المهتمين بتقوية العلاقات الإيجابية بين الثقافات والأديان، وعضوٌ في مجموعة من المؤسسات الدولية؛بينها المجلس الدولي للحوار الديني، والهيئة الدولية للحرية الدينية واللجنة الدينية الدولية للتعاون مع الأمم المتحدة "Multi faith international committee for partnering with the UN”، والجمعية العالمية للتسامح الديني.

شارك السلمان في 6 دورات لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وفي منتدى الأمم المتحدة لحقوق الأقليات، وفي ورشة الأمم المتحدة لتفعيل خطة عمل الرباط، ومنتدى الاقتصاد العالمي، والملتقى الدولي للتسامح الديني، والمؤتمر الدولي للدبلوماسية الثقافية، والمؤتمر الدولي للحوار بين الأديان، والمؤتمر الدولي للحوار بين الحضارات، وفي المؤتمر الدولي للوحدة الإسلامية. 

اعتقل إبان فترة السلامة الوطنية، عندما كان عائدًا إلى البحرين من معرض في ألمانيا. انقطعت معلوماته عن أسرته لمدة 3 أشهر، قبل أن يسمح لأسرته بزيارته الأولى. أفرج عنه في سبتمبر 2011.

مرآة البحرين التقت «السلمان» لتحاوره حول المشكلة الطائفية في العالم العربي والإسلامي، وفي الحالة البحرينية: صنّاعها، هواجسها، عراقيلها، وإمكانية تجاوزها.

لنتعلّم من أوروبا

مرآة البحرين: الشيخ ميثم السلمان، شاركتَ في محاضرات وألّفتَ بحوثًا في مجال التقارب بين الأديان، كيف تشخّص المشكلة الطائفية في البلدان الإسلامية بشكل عام؟

ميثم السلمان: تعيش الأمة العربية والإسلامية اليوم حقبة صعبة، بعد أن استشرت فيها الأمراض العصبية والعنصرية والطائفية، لذا يتحتّم دراسة تجارب الأمم الأخرى وتدبرها في علاج هذه الأمراض. مرّت أوروبا بتجربةٍ مماثلةٍ وأكثر قسوة وشراسة، علينا أن نتعلم من تجربتها التي وصلت في النهاية إلى ضرورة صناعة دول مدنية يعيش فيها المواطنون، بصرف النظر عن التلاوين المذهبية والعرقية والأيدلوجية، متساوين في الحقوق المدنية والسياسية.

مُزّقت أوروبا بين عامي 1618 و1648م بفعل حروبٍ طائفيةٍ دامية، وقعت بين البروتستانت والكاثوليك والدول والأحزاب والجماعات المتحالفة معها، كلفت أوروبا ملايين البشر. خسرت ألمانيا 7 مليون، وكلفت الطائفية النمسا ثلث شعبها. لقد حوت هذه الحروب أبشع جرائم القتل والفتك والاغتصاب والإعدام على وقع الهوية، وأُبيدت قرى بأكملها لكونها تنتمي لطائفةٍ ما، وحُرِقت مئات الكنائس، وهُجِّرَتْ العوائل التي تنتمي لطائفةٍ أخرى، وانتشرت لغة التكفير بين أبناء الدين المسيحي الواحد. انتهت بعد معاهدة وستفاليا عام 1648 بقيام مفهوم الدولة الحديثة ذات الحدود الجغرافية المحددة والشعب الذي يحمل هوية وطنية جامعة ليعيش جميع المواطنين، من مختلف الطوائف والأديان، متساوين في الحقوق تحت ظل حكومة وطنية تنبثق شرعيتها من الإرادة الشعبية بعيدًا عن الطائفية والفئوية والتمييز العرقي والإثني. 

هذا بدوره أسس لمرحلةِ شعور الشعوب بالشراكة الفعلية في الحكم، وسيادة الدستور، والعدالة الاجتماعية، وحاكمية القانون، واحترام أنظمة الحكم للتعددية العرفية والإثنية والمذهبية. بانتهاء الحرب الطائفية بدأت أوروبا مرحلة التطور العلمي والمدني والتشريعي والحقوقي والثقافي والسياسي والاقتصادي. هذه البداية الإيجابية كانت، وللأسف الشديد، مصحوبةً بالابتعاد والنفرة عن الدين، كون العقل الأوروبي لم يستوعب الفرق بين الدين والطائفية. 

حريٌ بالعقل العربي والإسلامي أن يتعظ من هذه التجربة، التي حدثت قبل 400 سنة في أوروبا. حريٌّ به ذلك وهو يرى جرائم انتشار الخطابات التكفيرية التي تدعو لإلغاء المختلف من خارطة الوطن السياسية والثقافية والاجتماعية، وهو يرى مشاهد هدم المساجد، وتفجير الأضرحة، والأحزمة الناسفة في الأسواق، والتهجير الجماعي، والقتل على وقع الهوية الطائفية، والتحريض على الاقتتال والعنف الطائفي في العالم العربي والإسلامي، وتشطير المجتمعات وتمزيقها، واستمرار الإعلام في منهجية إذكاء الكراهية الطائفية بين الأفراد والجماعات.

لا أخفي قلقي النسبي من تكرار سيناريو الحروب الطائفية الأوروبية في الدول العربية، وأرى أن المسؤولية الوطنية والدينية والإنسانية تحتم علينا جميعًا إخماد النار الطائفية المشتعلة، وتجنيب أوطاننا شرّها القاتل. لا أريد أن أبدو متشائمًا، فلديّ اطمئنان من جانب آخر أن أكثر النخب الواعية ترفض إدخال أوطانها في حروب طائفية وصراعات مذهبية، وترى الضرورة ماسةً وملحةً لاختصار مسارٍ طويلٍ من الدمار والخراب والآلام؛ من خلال الانتقال إلى قيام الدول المدنية الحديثة، التي تنبثق من الإرادة الشعبية. بحيث تصبح المواطنةُ وعاءً جامعًا لكافة أبناء الوطن، وممتصًا للانتماءات الطائفية والعرقية والإثنية، في هوية جامعة تمنح المواطنين الحقوق المدنية والسياسية دون تمييز.

الدولة الحديثة هي دولة الجميع

المرآة: إذن فهل ترى أن الانتقال إلى الدولة المدنية سيسهم في اختصار الطريق الذي يؤدي لمعالجة المشكلة الطائفية في البحرين؟

السلمان: قيام "الدولة الحديثة" سيسهم بصورة تلقائية في تفكيك المراسي العصبية والفئوية والطائفية لأنظمة الحكم، ليصبح الجميع ممثلاً للوطن، دون اختصار الوطن في فردٍ، أو فئةٍ، أو طائفةٍ، أو عشيرةٍ، أو قبيلة. ما يشعر به بعض مواطني الدول الخليجية ـ البحرين تحديدًا ـ هو أن السلطة تتكئ على قاعدةٍ اجتماعيةٍ محددة، وتمارس الإلغاء والتهميش لبقية الفئات الاجتماعية، فحكومة البحرين في عين شعبها حاضنةٌ للبعض ورافضةٌ ونابذةٌ لبقية التعبيرات والمكونات الوطنية، وفي مثل هذا المناخ تتضاعف أمراض التمييز، ويصعب علاج ممارسات التمييز الطائفي والعرقي والمناطقي والسياسي من دون ملامسة المسببات الحقيقية لجنس الأزمة لا لنوعها فقط.

الحل الحقيقي يكمن في إحداث انتقال نوعي في الفهم والتطبيق من الحكومة البدوية إلى الدولة المدنية الحديثة، لتصبح البحرين حاضنةً لجميع أبنائها، ويصبح الجميع متساوين تحت مظلة القانون وفي دائرة الحقوق المدنية والسياسية وفي دائرة التمثيل السياسي. علّمنا التاريخ أن الدول   الناجحة في صناعة الاستقرار والوئام السياسي والاجتماعي، هي تلك التي تحتضن التعدديات والتنوعات الدينية والمذهبية والعرقية في أطرٍ مدنية، وتتبنى ثقافة الاستيعاب والمرونة السياسية، وتعزّز التمثيل السياسي العادل.

سلطة تهدم 38 مسجدًا شيعيًا متلبسة بالطائفية

المرآة: هل تعتقد أن الطائفية سلوكٌ رسمي ممنهج، وكيف ترى مستقبل التعايش في البحرين؟

السلمان: سطوة الطائفية على منهجية عمل بعض الجهات الرسمية هي أخطر ما يهدد أمن البحرين ومستقبلها، وما لم يعالج هذا المرض القاتل فقد ينتشر في كل أجزاء الوطن، كما تنتشر الغرغرينا في جسد المريض في مدةٍ زمنيةٍ قياسية، لتقتله إن لم يبتر الجزء المصاب بالمرض. الوطن بحاجةٍ ماسة لتكاتف الجهود الوطنية المخلصة في هذه المرحلة الحرجة لعلاج أمراضه المشخصة سلفًا، على المستوى المحلي والدولي، وأخطرها مرض الطائفية الفتاك؛ فلولا تفشي مرض الطائفية في السلطة لما هدمت 38 مسجدًا، ولما استخدمت لغة مهينة تفوح منها رائحة الازدراء الديني والاضطهاد الثقافي تجاه مكون وطني أصيل في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، ولولا انتشار الطائفية، لما تم الفصل والسجن والتعذيب والقتل على أساس الهوية الطائفية. 

إنكار انتشار مرض الطائفية في الأجهزة الرسمية لا يخدم السلطة ولا المواطنين، فالشعب والمجتمع الدولي قد شخصّا المرض، وذلك بعد أن رُصِدت ووثقت تجاوزاتٌ متكررةٌ وانتهاكاتٌ فاضحةٌ لا يمكن أن تصدر إلا من أجهزةٍ موبوءة بالطائفية. لا أحتاج أنا شخصيًا أن أؤكد اكتساب الطائفية بنيةً مؤسساتية في الدوائر الرسمية، فعشرات التقارير الدولية أكدت وجود أنماط سلوكية في الأجهزة الرسمية في البحرين لا يمكن وصفها إلا بالطائفية. إن هدم المساجد المسجلة رسميًا في الأوقاف الجعفرية هو نتيجة لسطوة المنهج الطائفي، ودلالة واضحة على غياب مفهوم المواطنة المتساوية في الفهم والتطبيق، ولكن النخب الوطنية والقيادات المجتمعية ـ رغم الجراح والصعوبات والعراقيل ـ ستبقى مصرة على التمحور حول الوحدة الوطنية وتجاوز الطائفية، وستسعى بكل إخلاصٍ لصناعة البيئة التي تضمن الأمن والعدل للجميع، بصرف النظر عن التلاوين الأيديولوجية والمذهبية والعرقية والمناطقية.

لدينا ثقة بالله على قدرة البحرينيين ـ على اختلاف توجهاتهم وانتمائاتهم ـ في الوصول إلى ما يحفظ البلاد من الأوباء الطائفية، وذلك في ظل إصرار القيادات المجتمعية ومؤسسات المجتمع المدني (المستقلة) على نبذ الكراهية الطائفية، والعنف، وإشاعة لغة احترام الآخر، وتعزيز الإخاء الوطني، وترسيخ أسس المواطنة الديموقراطية كبديلٍ ضروري للطائفية المسيسة والتمييز الطائفي والطبقي والفئوي، عن طريق الانتقال إلى الدولة المدنية التي تعزز قيمة المواطنة المتساوية، والعدالة الاجتماعية. ولكي تشرق البحرين بوجهها المتسامح من جديد، لا بدّ من علاج الجذور النفسية والعقلية التي دفعت السلطة إلى هدم 38 مسجدًا شيعيًا في فترة السلامة الوطنية.

التخلف الطائفي إلى زوال رغم العراقيل 

مرآة البحرين: هل تتوقع تراجع الطائفية عن منطقتنا وعن البحرين تحديدًا؟

السلمان: التخلف الطائفي والرجعية في إدارة التلاوين المذهبية محكومٌ عليه بالزوال والفشل مثلما زالت الطائفية الأوروبية وفشلت كل محاولات الرجعيين للمضي إلى الوراء، لكن الطائفية، بحسب المعطيات الواقعية، ربما تبقى كابوسًا مخيمًا على واقعنا العربي والإسلامي لبعض الوقت، وذلك للأسباب التالية: 

أولًا: وجود مجاميع متطرفة متشددة وتكفيرية، مدعومة بالمال والقوة، تدعو إلى إلغاء الآخر بتكفيره عقديًا، أو تخوينه سياسيًا، بسبب انتمائه المذهبي، أو موقفه السياسي. هذه المجاميع لا تكتفي بالتنظير؛ بل تمارس عمليًا مهامَ التحريض على الكراهية بين المجتمعات، وتبث سمومها عبر الإعلام الخاص والرسمي في الكثير من الدول العربية. والخطير في الأمر أن بعض هذه المجاميع ترى أن بث التفرقة الطائفية، والقتل، والسجن، والتهجير، والتجويع، والإيذاء للمختلف معهم مذهبيا، هو تكليف شرعي وواجب عيني يحرزون به مرضاة الله. 

ثانيًا: استثمار الورقة الطائفية من قبل الأنظمة السياسية الرجعية، لخلق مجاميع موالية لها تعزز نفوذها الاجتماعي، حتى يتسنى لها الأخذ بالشرعية الاجتماعية في القمع والتنكيل بالمعارضة ـ بغض النظر عن مذهبها ـ وعمليًا فذلك يعني التعبئة الإعلامية والاجتماعية عند قمع أبناء مذهب آخر وهلمّ جرّا. 

ثالثًا: استمرار الماكنة الإعلامية في تعزيز الفرز الطائفي للمجتمعات، بل في إثارة الشكوك والظنون الطائفية التي تؤدي إلى انتشار محفزات الكراهية الطائفية. 

رابعًا: غيب الحركات الفكرية والثقافية والمدنية المتحررة من الطائفية والداعية للانصهار في الهوية الوطنية الجامعة؛ وربما يكون ذلك ناتجًا عن القمع والخشية من طرفين هما: السلطة السياسية الحاكمة، والسلطة الاجتماعية الضاغطة باتجاه إبقاء التوتر الطائفي قائمًا.

أما على مستوى البحرين، فهناك مجاميع تقتات من التمييز الطائفي، ومن إثارة الكراهية بين المكونات، ولذلك ترى في انتهاء الأزمة ومنع الخطاب الطائفي انقطاعًا لنفوذها وتهديدًا لمصالحها، ومن المتوقع أن تجتهد ليلاً نهارًا لبثّ السموم الطائفية بين أبناء المجتمع كلما رأت الشعب يقترب من بعضه البعض. خصوم الديمقراطية في البحرين يرون استمرار التشنج الطائفي ضمانةً لبقاء الوضع السياسي والاجتماعي المتخلف الذي يضمن نفوذهم، وهذا ما يفسر رفضهم لكل مبادرات الحوار المتكافئ الذي يلّبي تطلعات جميع البحرينيين.

فماذا يعني رفض مبدأ صوت لكل مواطن؟ ألا يعني رفضَ تطوير النظام السياسي المتخلف، وتعزيزَ العدالة الاجتماعية، والتعاطي مع كافة المواطنين في دائرة التمثيل السياسي والحقوقي على قدر المساواة؟ ألا يعني رفض مبدأِ صوتٍ لكل مواطن بحريني الإصرارَ على بقاء التمييز الطائفي متحكمًا في مفاصل الواقع السياسي والاجتماعي ؟!

إن أولئك الذين يرفضون تعزيز المواطنة المتساوية، بعيدًا عن الفرز الطائفي والقبلي والمناطقي لن ينجحوا في مهمتهم في نهاية المطاف؛ لأن الشعب يملك من التحضر والوعي ما يجعله مؤمنًا ومصرًا على صناعة الواقع المدني للوطن الذي يُنظر فيه إلى المواطن بالمنظار الوطني الجامع، لا المنظار الطائفي والمناطقي والفئوي. لكن ليكن واضحًا أن أصحاب الأجندات الطائفية يسعون لبناء جدار برلين بين الشيعة والسنة، ولكنهم سيفشلون حتما في ذلك؛ فالنخب الواعية من أبناء هذا الشعب تعتبر الممارسات الطائفية والقبائلية دلالة تخلف ورجعية لا تناسب نضج أبناء البحرين وتحضرهم.    

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus