» رأي
من خصوصية الدشداشة إلى خصوصية الاستبداد
علي داوود - 2011-07-11 - 12:31 م
علي داوود
في البحرين كما في باقي دول الخليج، وباقي دول العرب العاربة، من يجادل على التوقيت، توقيت الثورة والتغيير والإصلاح والتطوير، ويرى بأنه بمثل ما هنالك فارق في التوقيت بين المنامة ولندن، وبين واشنطن والرياض، وبين الأرض والزهرة، يلزم أن يكون هنالك فارق في الوصول إلى محطات التغيير، والصعود إلى عوالم الإصلاح والديمقراطية، وكل ما عدا ذلك فهو ركض في سباق غير عادل، لأن العدل برأيهم أن نبقى عند مرافئ السياسية ننتظر الإشارة من أعلى للعبور.
ستنمو أدبيات السياسة في هذا المجال وهي تصور مخاطر التحول السريع، وانفلات الحرية، وستجادل بأننا أهل خصوصية، وأن الديمقراطية أول الطريق للانشقاق، وأن الزعيم الأوحد خير من آلهة سياسيين متفرقين، وسيتوالد عن هذه الأقوال تقاليد ونخب، وظيفتها حراسة "الوضع القائم" وضمان استمراريته، بحيث كلما اقتربنا من لحظة الاستحقاق وجدنا هنالك طبقة ضامنة للأيديولوجيا السائدة التي شاغلها الدائم الإبقاء على امتيازاتها.
أعباء هذه الخصوصية في الخليج لا تقف عن حدود "الخصوصية الثقافية" و"الخصوصية الاجتماعية" و"الخصوصية الاقتصادية" والتي أخفت ملامحنا خلف الدشداشة والعباءة وبراميل النفط، بل تعدت ذلك إلى تقسيمنا إلى كائنات مختلفة سياسياً، لها معجمها السياسي الخاص الذي تستعيره من إرث البدو في الصحراء واستبداد النواخذة في البحر، على أن ذلك الخليط هو من خصوصية الطين الذي نحن منه، فلا نعرف إلا ملك وأمير وشيخ وراعٍ، إضافة إلى أمة تنتزع هويتها من هوية هذا الحاكم أو ذاك.
هذا ما يجعل بعض ضيوف حوار التوافق في البحرين يحرصون على التعليق يوم أمس بأن المطالبة بحكومة منتخبة "أمر سابق لأوانه"، وهم في ذلك يعاودون التطريز في ثوب قديم يخافون عليه من التمزق، ثوب ستر الكثير من الخطايا عن عيون الناس، وجعل من هذا الوطن عرضة للنهب في وضح النهار، والسبب أن الشيوخ أبخص، وأعرف في اختيار من يحرس أحلام الناس، فيما الناس لا يحسنون إلا منادمة الأحلام، والعيش بين اليقظة والنوم، بانتظار بشت وزير كريم.
بالتأكيد سيكون سابقاً لأوانه إذا كان المطلب أن نقضي قرناً كاملاً تحت التمرين على أول درس في الديمقراطية، وإذا كنا لا نعرف العد ولا الحساب، ولا نستفيد من دروس التاريخ، ولا تحولات الجغرافيا، ولا حتى من تجارب الحياة.سيكون سابقاً لأوانه حتماً إذا كان أوان التغيير الذي يأمله البعض مجرد خطبة مؤجلة لملك أو أمير أو شيخ، على الناس تحريها في كل مرحلة كتحري هلال العيد، أو وصاية من جار كبير لا يؤمن بشيء كما يؤمن بإكراه الناس على الطاعة والولاء.
نعم الديمقراطية في بلد صغير كالبحرين تختلف عن بريطانيا، لكنه اختلاف يمضي لصالح الأول الذي يستطيع بحجمه الصغير أن يحقق ديمقراطية توافقية ناجحة، وهذه ما تثبته التجارب الديمقراطية في الدول الأوروبية الصغيرة، فحتى الانقسمات الداخلية التي نراها اليوم هي صنيعة هذا التأجيل لموعد التغيير والتحول باتجاه ديمقراطية حقيقية، ومخاطر الانقسام التي يجري التهويل لها عبء ناتج عن غياب المساواة والعدالة والمحاسبة، وهي موطن الضعف الحقيقي في بنية السلطة، ولا حل حقيقي إلا بالذهاب مباشرة إلى الصورة الكاملة للديمقراطية، وكف العائلة الحاكمة عن الاستئثار بمراكز القرار، ومصادر الثروة، والكف قبل ذلك عن النظر إلى الناس بوصفهم رعايا، واستخدام معاول الفرز بينهم، فإذا من خصوصية ينبغي الحرص عليها فهي تلك الخصوصية الإنسانية التي صنعت كل هذا التاريخ عبر تأكيدها على أن التغيير سنة الحياة.