» تقارير
البحرين: فنون المقاومة المدنية يقابل جنون السلطة القبلية
2011-07-27 - 3:24 م
مرآة البحرين (خاص):
أحد الأجانب المقيمين في البحرين مدة طويلة، ويعمل في المجال الفندقي والسياحة، يصوّر الأمور الجارية اليوم في البحرين بأنها "ثورات أسبوعية، وليست ثورة واحدة". ويشير إلى أن السياح الأجانب يبدون اهتماما متزايدا بالسؤال عن "تفصيلات لها علاقة بوسائل الاحتجاج التي انتشرت في البلاد، مثل التكبير من أسطح المنازل ليلا، والنغمات الخاصة التي تردّدها الأبواق". وينقل عن السياح أنهم "يندهشون كثيرا عندما يشاهدون بأم أعينهم أسلوب السلطات في قمع الاحتجاجات" التي يصفونها بأنها "إنسانية وتعبر عن تعطّش كبير وشفاف للحرية".
مراقبون ينوّهون بالموقع "النموذجي" الذي بدأت الثورة في البحرين تناله في سياق الثورات العربية، معبرين عن تحوّل جدير بالانتباه بشأن "المقاومة المدنية" داخل بيئات تقليدية أو دول ذات بنية عائلية وقبلية مثل الخليج. يتحدث كاتب سوري، له نشاطه المعارض في سوريا، بأن "ما يحدث في البحرين يمثل لنا جميعا قدوة ومثلا أعلى"، ويشرح ما يسميه دروس الثورة البحرينية فيشير إلى "النفس الطويل للمحتجين، والنجاح الباهر في الحفاظ على وهج الثورة برغم البطش الإقليمي وبشاعة التدمير واعتماده على القوة الضاربة"، والأهم من ذلك، كما يضيف، هو أن "الثوار استطاعوا الحفاظ على أمرين، وهما وتيرة الاستمرار الاحتجاجي واتساعه، والتمسك بسلمية الأجساد العارية".
من جانبه، يفيد أحد النشطاء الميدانيين بأن "القدرة التعبوية التي يملكها الشباب والشابات أكثر مما يظهر حتى الآن"، ويكشف أن وسائل الاحتجاج سوف "تتطوّر في الأيام القادمة، خاصة في شهر رمضان، مع مراعاة الشباب لطبيعة الأجواء في هذا الشهر الفضيل"، مؤكدا أن الخبرة المتراكمة أثمرت نضوجا في العمل الميداني وقدرة مناسبة "في التعامل مع القمع الوحشي" مشيرا إلى اللجوء أثناء المواجهات إلى "تكتيك استنزاف القوات جسديا من ناحية، وإدخال الهلع النفسي عليها من ناحية أخرى".
الأجساد العارية.. والحوار مع النار
في فعالية تقرير المصير في الدراز، لم يكن المتظاهرون يخرجون عن الدرس الأول للثورة. كانت الأجساد تحمل الأرواح بلا خوف الموت الهائج من الأعيرة النارية. لم تكن المسافة قادرة على إثارة الرعب. وجها لوجه: المتظاهرون يتقدّمون، وحاملو النار يطلقون عليهم عسى أن يصيبوا أرواحهم قبل الجسد. المصير وقتها كان يغلف الجسد، فيبعث فيه إقداما غير معهود. تتقدّم الأجساد العارية متجاوزة الطلقات، فيما حاملو النار يخيبون باليأس. والقصة تتكرّر في سترة، والعكر، ونويدرات.. وبقية المناطق.
تبتكر المقاومة المدنية رمزها المادي، إضافة إلى رموزها الثقافية والروحية. دوار اللؤلؤة ارتبط بحركة الاحتجاج في البحرين، ولكن تدمير السلطة للدوار، وفي مشهد أثار استغراب الجميع، حوّل النصب إلى رمز يستخدمه المتظاهرون للتعبير عن مقاومة التدمير. وزير الخارجية برّر تدمير الدوار بارتباطه بذكريات سيئة، فأراد المحتجون إعادة التذكير بتلك الذكريات الجميلة. في كل قرية، وخلال الاعتصامات، يبرز بين الجمهور نصب اللؤلؤة شامخا، ويستقبله الأهالي بالبكاء والكبرياء. في اعتصام الوفاق بقرى كرانة والدراز وسترة والبلاد ارتفع الدوار عاليا فوق الرؤوس. المتظاهرون حملوا النصب إلى أقرب منطقة من مكانه المُدمّر، ونصبوه والقوات المدججة بالأسلحة على بُعد أمتار قليلة.
يتحاور المتظاهرون مع حاملي النّار، وفي لبّ المواجهات. في قرية المصلى، يدور حوار بين متظاهر وآخر من القوات. المتظاهر يرمي كلماته، ولا يجد رجال الموت غير النار للرد عليه، وينتهي المشهد بإصرار المتظاهر: "سلمية سلمية"، فيما الطلقات النارية توجّه إليه.
وللنساء حواراتهم الخاصة في ساحات المواجهة والاعتصامات. شقيقة الشهيد أحمد الفرحان، وبصحبة اثنتين من نساء سترة، يقفن وجها لوجه مع القوات. يدور "حوار خاص". شقيقة الشهيد تطلق الكلام. والقوات تتحفز لإسكاتها. الجنون يتصاعد في عروق القوات، يحاول بعضهم تهدئة الجنون وإرجاء تفجيره لاحقا. تبتعد النسوة قليلا، ولكن جنون النار لا يستطيع صبرا.
المقاومة التي ارتبطت بثورة فبراير تكاد تتسم بطابع مدني متصاعد. تتراجع صور العنف المضاد التي طبعت التظاهرات في الاحتجاجات السابقة، بما في ذلك حرق الإطارات. تتقدّم القبضات، والأصوات، والشعارات، وهتافات الأسطح، والشموع، والبالونات. أما الميديا والعمل الفني.. فابتكارات مستمرة في الانترنت. الصّورة، والصوت: هي المشهد العام لمقاومة المدنيين السلمية. وحين يضطر المتظاهرون والأهالي لإيقاف عنف القوات وبطشهم، فإنهم يلجؤون لحيل مدنية أخرى: إقامة الحواجز، توزيع تسجيلات صوتية في أماكن متفرقة تنادي بشعارات الثورة – للإيهام بوجود متظاهرين في منطقة والتخفيف على مناطق أخرى. وحين تزايد هوس القوات في دهس المتظاهرين وتعمّد المواجهة عبر مركباتهم، لجأ الأهالي إلى استخدام وسائل معينة لإعطاب إطارات السيارات المندفعة لنشر الرعب والدمار.
المقاومة المدنية تهزم العسكر
المراقبون يؤكدن أن الوتيرة المتصاعدة للاحتجاجات التي ينظمها الأهالي أربكت السلطة التي كانت تنتظر حسما عسكريا يختصر الوقت. تذكر المصادر، أن غرفة العمليات العسكرية وعدت بإنهاء الاحتجاجات في أقل من شهر، وتنقل عن القائد العام لقوة الدفاع أنه قال أمام المجلس العسكري الذي التأم أواخر شهر فبراير "وعدي لكم أن الأوضاع ستعود أكثر هدوءاً من قبل" متحدثا عن "إستراتيجية هدم البؤر" وليس تجفيفها.
غير خاف أن المشير غير قادر على الحركة الآن، فقدماه عالقة في الوحل، وليس مستبعدا ما تنقله مصادر شبه عسكرية بأن قيادة الأركان أبدت خشيتها من "ملاحقة" لجنة بسيوني لها، بسبب الانتهاكات الموثقة التي اشترك فيها الجيش علنا منذ 17 فبراير وحتى إيقاف قانون الطوارئ. وردا على ذلك أكد المشير في اجتماع لهيئة الأركان بأن "مؤسسة الجيش قلعة حصينة، ولم يُخلق بعد منْ يدخلها بدون إذني" في إشارة إلى وعد من أعلى مستوى بأن يكون الجيش بمنأى عن تحقيقات لجنة بسيوني.
في المقابل، فإن خيبة أمل المجلس العسكري "لا توصف" كما يعبر أحد المراقبين، فهو "لم يف بوعده، ودخلت المظاهرات فصلا جديدا منذ شهرين، كما أن صورته الرمزية أخذت بالتراجع بسبب ذلك"، وأكثر ما يؤلم المشير هو أنه بات يوصف بأنه "مشير الوهابية" في البحرين، بالإشارة إلى كونه "رجل السعودية في البحرين، والعسكري الذي يعقد المتشددون الدينيون الأمل عليه".
ملاحق – وصلات يوتيوب:
وجها لوجه مع النار – الدراز
وجها لوجه – النويدرات
حوار بين متظاهر والقوات
حوار شقيقة الشهيد فرحان والقوات
شعار ثوري في البحر
إعطاب إطارات السيارات العسكرية
صمود، فنّك ثورة
نصب دوار اللؤلؤة في السنابس