» حوارات
عبد الغني خنجر الملاحق في الداخل في حوار مع "مرآة البحرين":سنعود قريبا.. مشغول بقضية وطني
2011-08-01 - 8:24 ص
كيف يمكن إجراء حوار في الخفاء؟ في الأشهر الماضية، جرّبت البحرين كل الظروف والحالات غير المسبوقة في تاريخها. لا يقتصر الأمر على الروتين العادي، بل يشمل كل ما له صلة بالحياة.
كتب عبد الغني خنجر ذات مرّة عن قراءته للمفكّر علي شريعتي(1). يمكن التقاط الكثير من مقاله لمعرفة التّكوين الذهني لخنجر. كتب: "أسلحة (شريعتي) في وجه الظلمة والمستكبرين هي: صدقه، وانطلاقه من رحم المحرومين. هكذا وجدتُ كلماته تتسلسل إلى الأعماق".
تجربة الدّراسة في الهند منحته انفتاحا على الثقافات ومعرفة بطرائق الأمور والأشخاص. خياراته كانت معروفة منذ البدء. الحركة الدينية كانت مأواه، كما الفكر الحركي وفق اللون الذي ميّز "شباب المنامة" في الثمانينات. في مسقط رأسه، قرية عراد، تعلّم أصول الحكاية. تاريخ المنطقة كان حافلا في مقاومة "الغزاة"، ولازالت القصص معلّقة على أعمدة النّخيل هناك. من خلال نشاطه في اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب، كوّن خنجر شخصيته الحقوقية، واستطاع نسج علاقات وثيقة مع أبرز المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان(2).
حمل ملف "الضحايا والشهداء" في جنيف ولندن. بلور مع رفاقه السياسة الاحتجاجية الجديدة، وكان يثق دائما أنّ الوضع القائم على "التلفيق السياسي" لن يدوم، وأن الانفجار آت. وقعَ انفجار فبراير وهو في المعتقل(3)، وقد فوجئ – كما زملاؤه – بما حصلَ.
الحوار التّالي ليس كلّ ما قاله خنجر، وليس كلّ ما أراد قوله. هو الآن مطلوب، والظروف المحيطة به شديدة الخطورة كونه مازال داخل البلاد ملاحقا. ليس معلوما أين هو، لكنه لازال حاضرا مع زملائه الناشطين، يمارس دوره الحقوقي، ويُقدّم ما يستطيع من خدمات.
لجنة بسيوني: إيجابية ولكن..
*مرآة البحرين: من خبرتك الحقوقية والتعامل مع المنظمات الدولية، ما نظرتك وملاحظاتك على الأمر الملكي بتشكيل لجنة التحقيق؟
- في الواقع، الحديث عن اللجنة الملكية بقيادة السيد بسيوني يجرنا للحديث عن خلفيات ما قبل تشكيلها، وأعتقد أنها جاءت بعد ضغوط المنظمات الحقوقية الدولية، وخصوصا ضغوط المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بلاي، والأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون. أتت هذه اللجنة حسب تصوري لإرجاء الوفد الأممي الذي تحدث عنه مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، والذي حصل على موافقة مبدئية لزيارة البحرين. هي خطوة فيها إيجابيات، ونظراً لإنعدام الثقة في السلطة، فإنه من المؤكد لو أن الوفد الأممي التابع للموفضية السامية لحقوق الإنسان كان حضورا ولو قُدر ذلك له؛ لكان له زخم أكبر.
تقرير اللجنة قد يكون مجتزأٍ واتمنى العكس
* مرآة البحرين:وما توقعاتك لعملها: الصعوبات التي ستواجهها؟
- الصعوبات المتوقعة هي صعوبات مرتبطة بكونها لجنة من طرف واحد، أنشأها النظام، وبالتحديد الشيخ حمد. وكما نعرف؛ فإن أي اضطرابات في بلدان العالم، عندما يقوم النظام بقتل المتظاهرين، وتحصل فيها انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية؛ فإن المتهم الأول في نظر الجماهير وشعبيا يكون رأس النظام، لذا فإن تشكيل هذه اللجنة من قبل الشيخ حمد ومن طرفه - على الرغم أن أعضاءها معظمهم أصحاب كفاءة - إلا أن التشكيل تشوبه نسبة من عدم الثقة، وهذا تحدٍّ كبير أمام اللجنة. كذلك من الصعوبات المتوقعة، هي الحصانة التي سوف يلف بها ضباط جهاز الأمن الوطني وبعض الشخصيات المتهمة بالجرائم والانتهاكات من قبيل متنفذين في الجيش البحريني ووزارة الداخلية، وقد تواجهها معضلة أخرى وهي تزييف الأدلة من قبل الوزارت المعنية، وتقديم كم هائل من الورق لتزييف الحقائق.
* مرآة البحرين:وما توقعاتك للإطار العام لتقريرها المتوقع؟
- أتوقع أن يكون تقريرها مجتزأً لحالات، وألا يغطي كل الانتهاكات لطبيعة حاجة النظام في سرعة إجراء عملها كما يبدو، ليكون مخرجا يحمي رأس النظام، ويكسب الوقت، ويعطي مجالا للنظام لإعادة القليل من سمعته التي فقدها بعد جرائم القتل والتعذيب وهدم دور العبادة والعنف الدموي. لا أستطيع الحكم على التقرير، أو أتوقع بدقة ما سوف يكون فيها، ولكن أتمنى أن يكون تقريرا حرفيا محايدا، وفي هذه الحال لاشك أن الجرائم سوف تكون كبيرة جدا، والحقائق مروعة، نظرا لما اقترفته السلطات في الجيش وجهاز الأمن الوطني ووزارة الداخلية.
المحكمة لا تعني لي شيئا
* مرآة البحرين:هل يمكن نقل رد فعلك بعد صدور حكمكم غيابيا؟
- في الحقيقة، كنت نائما وقت صدور الحكم! وتلقيته ببرود شديد، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن الحكم لا يعني لي شيئا على الإطلاق، فأنا اليوم مهتم بقضية وطن أكبر من حكم على شخصية هنا أو هناك، كما أنني كنت واثقا من أن الحكم سياسي، والمتهمون واقعون ضمن مثلث من ثلاثة أضلاع هي: المحكمة، والإدعاء العام العسكري، وجهاز الأمن. وكل شي في أيديهم، فالحكم جاهز ومتوقع بالنسبة لي.
الاختباء اضطراري وهو تجربة قاسية
* مرآة البحرين:كونك من الملاحقين المطلوبين، هل يمكنك تقديم وصف عام لأوضاع الملاحقين في الداخل؟
- الهروب أو الاختفاء لم يكن خياري، فهو خيار مؤلم وتصاحبه ظروف عصيبة، بدءاً بالمكان وانتهاء بصعوبة التواصل مع الأهل، وفرقة الأولاد، لكنه بالمقارنة مع التعذيب حتى الموت والقتل على الهوية كان واجبا عليّ. الحديث عن وصف عام للملاحقين يكون غير موضوعي مني، لأن لكل مطلوب ظروفه، ولكن حسب تجربتي هو أمر قاس جدا، وأقسى ما فيه أنك تثقل على شخص يهتم بك ويُعرّض حياته من أجلك للخطر.
* مرآة البحرين: هل لازالت تمارس نشاطك الحقوقي بوصفك رئيس لجنة الشهداء وضحايا التعذيب؟ وهل تجد أن ظهورك العلني سيكون قريبا؟
-أنا متفائل جداً لنهاية حتمية للنضال، وهذه النهاية ترسمها سننُ التاريخ وتحدّثنا عنها، وهي النصر وتحقيق المطالب العادلة والحرية. قريبا سنكون مع أهلنا. بالنسبة لنشاطي الحقوقي، أحاول قدر المستطاع أن أؤدي ما يتوجب علي، وما ممكن من العمل دون أن يكون علنيا، وبما هو متاح من وسائل.
الأمن الوطني عرض عليّ العمل معهم
* مرآة البحرين: من الواضح أنك تركّز على خطورة جهاز الحرس الوطني. من خلال تجربتك في ما يُعرف بخلية أغسطس العام الماضي، ما تركيبة هذا الجهاز؟ وكيف تُدار الأمور فيه؟ وهل له صلة بالملفات السياسية للحكم: ملف التجنيس مثلا؟
- حسب التجربة القاسية مع جهاز الأمن في أغسطس وقبلها في التسعينيات، فإن الجهاز حسب نظرتي وتقييمي للأمور هو المعني بجميع الملفات الحساسة في البحرين، وله يد طولى في جميع الأمور، بل هو "مايسترو" ما يدور، ويشرف على توزيع الأدوار، سواء في الإعلام المرئي أو المقروء. نعم، جهاز الأمن يرأسه أحد أفراد العائلة الحاكمة وهو الشيخ خليفة آل خليفة، وهي شخصية تحضر في اجتماع المجلس العائلي الذي يدير البلد.
في تجربتي، فإن أفراد الجهاز هم خليط، ولا لون مذهبي أو عرقي لأفراد وضباط الجهاز، ولكن المسؤولين في الجهاز هم من عوائل ذات نفوذ.
يعتمد أفراد الجهاز - على الأقل في قضيتنا في أغسطس وما لا حظته من خلال أسئلتهم لي والتحقيق معي - وبشكل كبير على مراقبة الهواتف النقالة، والتدخل في خصوصيات وأسرار الأفراد الشخصية، وذلك من أجل ابتزازهم، وتجنيدهم إنْ أمكن مخبرين من خلالها.
تصوّر أن مسؤولا في جهاز الأمن - لا أرغب في طرح اسمه للعلن - طرح عليّ فكرة التعاون معهم مقابل الإفراج عني في أغسطس، ولكني رفضت رفضا قاطعا، ما أثار حفيظته ضدي.
* مرآة البحرين: أنت مع متهمي خلية أغسطس خرجتم من السجن على وقْع ثورة عارمة انطلقت في 14 فبراير. هل تعتقد أن هذه اللحظة ستتكرر مجددا؟
_ كانت لحظة لا يمكن أن تنسى، خصوصا أننا لم نكن نعلم بأي شي يدور في الخارج، إلا قبيل يوم من الإفراج عنا. كنا نعيش الأمل ونتجرع مرارة الإهانات والتنكيل في عنبر (5) في سجن الحوض الجاف. كنا تحت ظروف قاسية جدا، لذا كانت ليلة الإفراج عنا في منتصف الليل وخروجنا وتوجهنا لدوار اللؤلؤة في نفس الليلة أمر لم نكن لنستوعبه حتى بعد مرور زمن على خروجنا. كنا أغرابا! نلاحظ الناس في دوار اللؤلؤة بنظرات عطف وحب وعنفوان.
نعم، هذا المشهد سيتكرر، ولو بعد حين.
الهوامش:
1. مقال عبد الغني خنجر في صحيفة "الوقت"، حول شريعتي
2. فرونت لاين، خبر اعتقال خنجر، فرونت لاين، قلقة من منع خنجر من السفر
3. قصّة اعتقاله في أغسطس الماضي كما رواها خنجر لصحيفة "الوسط
اقرأ أيضا
- 2018-11-21الفائزة بجائزة منظمة التعليم الدولية جليلة السلمان: سياسات التربية منذ 2011 هي السبب الأكبر وراء تقاعد المعلمين!
- 2018-05-17الموسيقي البحريني محمد جواد يفكّ لغز "القيثارة الدلمونية" وينال براءة اختراعها
- 2017-10-03مترجمات «ما بعد الشيوخ» في حوار مع «مرآة البحرين»: كان الهدف أن نترجم ثقل الكتاب!
- 2017-10-03«مركز أوال للدراسات والتوثيق» في حوار مع «المرآة»: كتاب «ما بعد الشيوخ» طبع 6 مرات رغم تزوير الترجمة من جهات أخرى
- 2017-10-03فؤاد الخوري ليس كأيّ كتاب... مروة حيدر: رسالة "دعوة للضحك" وصلت… أنا مترجمة تبتسم!