افتتاحية مرآة البحرين: روبرت فيسك، عن الصحافة في البحرين
2014-05-04 - 3:38 ص
مرآة البحرين (خاص): في يوم الصحافة العالمي، لا أفضل من الذهاب إلى (روبرت فيسك Robert Fisk، مواليد 1946) هو صحفي بريطاني يعيش حاليا في بيروت، ومراسل خاص لمنطقة الشرق الأوسط لصحيفة الأندبندنت البريطانية، هو صاحب المقولة الشهيرة بعد دخول قوات الجزيرة "ينبغي على جميع الإعلاميين في المستقبل أن يضعوا في صدر أخبارهم هذه العبارة: المنامة – البحرين المحتلة". كتب فيسك الكثير عن البحرين، وجدير أن نقرأ وضع الصحافة البحرينية من خلال مقولات هذا المعلم.
في كتابه "الحرب من أجل الحضارة: السيطرة على الشرق الأوسط" يتحدث عن حوار خاص حول رسالة الصحافة، حوار جمعه مع الصحافية أميرة هاس، المدافعة اليسارية الشرسة عن حقوق الفلسطينين.
يقول فيسك لقد أصررتُ في مناقشتي معها على أن رسالتنا كصحافيين تُهيب بنا أن نكتب الصفحات الأولى من التاريخ، لكنها قاطعتني بقولها: "لا يا روبرت، أنت مخطئ، إن عملنا هو أن نراقب مراكز النفوذ والقوة". يعقب فيسك بقوله:أعتقد في نهاية هذا الأمر، أن هذا هو أفضل تعريف للصحافة سمعته في حياتي.
ما هي مراكز النفوذ والقوة، اليوم، في البحرين؟
ديوان الملك، حيث بلاط صحيفة الوطن ناطقاً بجلالته، وديوان رئيس الوزراء حيث بلاط صحيفة أخبار الخليج ناطق باسم سموه، وعلى شاكلتهما بلاط صحيفة الأيام، وبلاط صحيفة البلاد. هذه هي الحقيقة مجردة من كل فنون البلاغة، ومواربات السياسة.
أيها الصحفي، حين تجد نفسك ناطقاً باسم مراكز النفوذ والقوة، فاعلم أنك لا تمارس عملاً صحفياً.وحين تجد نفسك، في علاقات وطيدة مع هذه المراكز، فاعلم أنك لا تبني مصادر معلومات، بقدر ما تبني مصادر رزق أو ارتزاق، وحين تجد نفسك أنك تدافع عنها باسم أنها ضمانة الاستقرار والأمان فاعلم أنك صرت وكالة دعاية وإعلان.
قانون الصحافة في البحرين عصي على الولادة، لأن الصحافة الحرة عصية على الولادة، كما أن السلطات الحديثة المستقلة (السلطة القضائية، السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية) عصية على الولادة، فالدولة الحديثة متعذر ولادتها في بلادنا. الصحافة تكون على شكل العلاقة بين السلطات الثلاث في الدولة،إذا كانت مستقلة، كانت هي مستقلة. لا يمكن أن تكون هناك سلطة رابعة (صحافة) حقيقية وليس هناك سلطة ثالثة ولا سلطة ثانية، ففي البحرين ليس هناك إلا سلطة أولى واحدة وفقط. تمسك بكل شيء وتشكل كل شيء، وتَنْفذ في كل شيء. إنها سلطة جلالته.
يقول روبرت شارحاً مهمة الصحفي في مراقبة مراكز النفوذ والقوة "علينا أن نتحدّى السلطة - كل سلطة وكل نفوذ - وبخاصة عندما تجرنا الحكومات وأهل السياسة إلى الحرب، عندما يقرر هؤلاء القتل، ويفرضونه على الآخرين"
لقد جرت هذه المراكز مجتمعنا البحريني إلى حروب كراهية، تفوق آثارها المدمرة آثار الحروب العسكرية، حولت الصحافة إلى منابر تخوين وتسقيط ونبذ وإقصاء، وصاغت 6 قوائم تحريض ضد من تبنوا وجهات نظر معارضة لأصحاب النفوذ والقوة، وهذه هي القوائم:
قائمة (1): الخيانة وتشويه سمعة الوطن. قائمة (2): الاستقواء بالخارج والتدخل الاأجنبي. قائمة (3): أذناب إيران والولي الفقيه. قائمة (4): شيعية طائفية. قائمة (5): إرهاب الدوار. قائمة (6): القصاص ولا عفا الله.
إنها شعارات الحرب، لقد شغل أصحاب النفوذ والقوة هذه القوائم عبر الصحافة والإعلام، لحماية مراكزهم من موجات التغيير والتحولات الديمقراطية، استخدموا كتابا وإعلاميين وصحفيين ومواطنين ورجال دين وسياسيين. خانت صحافتنا مهمتها، تطابقت تماما مع أصحاب النفوذ والقوة وراحت تقتل وتدمر وتشعل حرباً شعواء.
هذه المراكز فعلاً قررت قتل المجتمع وتدميره، عبر صحافة التحريض والكرهية وعبر التجنيس والإمعان في الفساد وملاحقة أصحاب الرأي وسجنهم ومطاردتهم وقتلهم، كانت الصحافة شاهد زور على ذلك بل كانت شريكاً في صناعة ذلك، كانت فخورة بأن تكون صاحبة حقوق وامتياز بث حفلة الزار طوال جنون السلامة الوطنية وما تلاها وما تمخض عنها حتى اليوم.
الصحافة تظل بهذه الوضعية، مرآة لهذه السلطة التي تقدم نفسها على أنها كل شيء. في البحرين، لا تغيب السلطة التشريعية المستقلة فقط ولا السلطة القضائية فقط، ولا الصحافة فقط، بل يغيب المجتمع كله. ليس هناك مجتمع تعكسه الصحافة، فالصحافة تخدم السلطة النافذة القوية فقط، وتعكس صورة مزيفة عنها، والمجتمع هو عبارة عن مجموعة موالية للسلطة وخاضعة لها وتدور معها حيث تدور، تسبح باسمها وتشكرها وتناشدها وترقص في احتفالات الولاء لها.
لقد قتلت هذه السلطة كل شيء، ولا عزاء للصحافة البحرينية في يومها العالمي.