» تقارير
أسابيع الصمود في انعقاد دائم: لا رجوع عن حلم الحرية
2011-08-06 - 9:33 ص
مرآة البحرين (خاص): ختمت الثورة البحرينية أسبوعاً جديداً من أسابيعها المديدة، عنوانه التصعيد بأقصى الوسائل سلمية وحضارية، عنوان الأسبوع يمكن اختصاره في جملتين: لا رجوع ..لا استسلام.
جسدت جمعية الوفاق صلابة الموقف السياسي في مهرجانها الكبير في قرية كرزكان، إذ بعد ليلة واحدة من بث قناة الجزيرة الانجليزية فيلمها (الصراخ في الظلام) الذي هزّ البحرين وجسد حلمها الكبير بالحرية، وبعد ليلة من تظاهرات فعالية تقرير المصير التي نظمها ائتلاف 14 فبراير في بني جمزة وامتدت حتى ساعات الفجر الأولى ليوم أمس الجمعة، تداعى عشرات الآلاف من المواطنين لحضور مهرجان الوفاق، لا ليستمعوا، بل ليشاركوا في صنع خطاب المرحلة.
رئيس كتلة الوفاق المستقيلة عبدالجليل خليل، أكد أنه لا رجوع ولا استسلام، مخاطباً الآلاف بقوله "صمود حتى تحقيق المطالب". يبدو أن في السلطة من لم يكن يتصور هذا الموقف المتمسك بالحرية، فلجأ إلى حمل عصا الاستدعاءات والتخويف، إذ تم استدعاء عبدالجليل خليل فور انتهاء المهرجان، بحجة وجود بعض الهتافات التي لم تعجب السلطة، لكن الوفاقيين المنظمين للمهرجان واثقون أن "اللجنة المنظمة التزمت بهتافات محددة وواضحة خلال المهرجان عبر منصة المهرجان، لذلك لا يمكن مؤخذتها بأي شيء لم يصدر عن المنصة".
بني جمرة نظم ائتلاف شباب 14 فبراير الاعتصام السادس للمناداة بحق تقرير المصير للشعب في قرية بني جمرة مساء الخميس الماضي، وهذه المرة فاجأ المتظاهدون السلميون مرتزقة الأمن الذين حضرو باكراً لقمع الاعتصام، فقد أغلق المتظاهرن مداخل القرية جيداً، وحضرت حشود شبابية هي الأكبر في اعتصامات الائتلاف، وتوجهت لساحة الاعتصام ووصلت لأرضها لتقول (لا) رغم القمع المفرط، واستخدام الغازات الخانقة.
تحولت شوارع بني جمرة ساحة للكر والفر، وعلى الفور خرجت قرية الدراز وهي القرية الأكبر على شارع البديع لمساندة المتظاهرين في قرية بني جمرة، ذُهلت القوات الأمنية المكونة من باكستانيين وعرب، وتم استدعاء عشرات أخرى من سيارات الأمن والأمن الخاص، وسيارات المخابرات، وصهريجاً يحمل الماء الحار لرشه على المتظاهرين، وذلك بعد عجز قوات القمع عن فك طلاسم الثوار على مداخل بني جمرة والدراز.
استمر الكر والفر، وتوالت التظاهرات في القرى المجاورة: باربار، وكرانة، والمقشع، وسار، والمرخ، وكرزكان، والمالكية، وشهركان. وفاجأ شباب قرية أبو صيبع الجميع حين وصلوا بتظاهراتهم إلى الدوار الذي يفصل بين قريتهم وبين قرية كرانة، فأرسلت وزارة الداخلية المزيد من سيارات الأمن والمرتزقة المجلوبة لاغتيال حلم البحرينين بالحرية. خرجت أيضا مناطق في العاصمة: جدحفص، الديه، السنابس، كرباباد، البلاد القديم، قرية عذاري، السهلتان الجنوبية والشمالية، وتم إغلاق شوارع رئيسية، وفي المحافظة الوسطى، خرجت سترة بمناطقها، وتوبلي، والكورة، وسند.
وفي المحرق، كانت قرية الدير تلاعب قوات الشغب، لم تحرق إطارات السيارات كما كانت تفعل في السابق، لكنها صارت تصطادها، وقد تفنون البارحة في استدراج عجلات أجياب الشغب إلى مكائد حفلات المسامير. استمرت المواجهات حتى الفجر، ووقعت إصابات عدة بين المتظاهرين الذين تمّ عالجهم بما تيسر في المنازل، فالمستشفيات ما تزال محتلة من قبل عساكر الأمن، وعيادة أطباء بلا حدود أضحت خارج الخدمة بعد مداهمتها قبل أيام.
وفي النهار ورغم الحر الشديد والصيام، خرجت مسيرات وتظاهرات عصراً، كان أبرزها في قرية النويدرات، حيث سجلت عدسات التصوير مشاهد مذهلة لشجاعة المتظاهرين السلميين في الوقوف عراة الصدور أمام فوهات البنادق على مسافة بلغت في بعض الحالات سبعة أمتار فقط.
كرزكان بعد ساعات فقط من تناول البحرينيين للإفطار، لم تدق العاشرة مساء حتى اكتمل مشهد جماهيري مهيب في قرية كرزكان، تداعت له قلوب البحرينين المفطورة على الحرية والمفطورة بآلامها، إنه مهرجان الوفاق الذي جاء تحت عنوان(أمن للجميع)، إذ سارت ألوف المواطنين من القرى المتاخمة لكرزكان باتجاه موقع المهرجان على وقع هتافات الثورة البحرينية. لم يتأخر رئيس كتلة الوفاق المستقيلة من المجلس النيابي التي كانت تشكل أكبر الكتل (18 نائباً) عبدالجليل خليل، في إلهاب مشاعر الجميع، حين ابتدأ كلمته بالوقوف إجلالاً لأكثر من 30 شهيداً سقطوا على مذبح المطالبة بالحرية، وليبدأ بالحديث المباشر للجماهير "بعد حملات القتل التي طالت أكثر من ثلاثين شهيدا وأكثر من أربعمائة مصاب وألف معتقل و3000 مفصول، بعد شهرين ونصف من القمع في الليل والنهار وحملات تفتيش للبيوت، وهدم لأكثر من ثلاثين مسجدا، البعض تصور أنكم تراجعتم، استسلمتم، دب الخوف في نفوسكم، تخليتم عن المطالب.
هل تخليتم عن المطالب؟ كان الجواب يأتي هادراً من عشرات الآلاف بكلمة: لا. و(لا) هؤلاء البحرينين متجذرة في الأرض التي أحالوا مواقعها رموزاً لا تسكت، لاؤهم في الدوار ما زال يسمعها الجند المحيطون بمداخل لؤلؤتهم، يسمعونها كل لحظة فيتخطفهم الخوف، صار الأثير يحمل هذه اللاء للواقع الافتراضي (فيسبوك، تويتر، المنتديات، المجموعات الالكترونية) حيث شبكات التواصل الاجتماعي، في انعقاد دائم لاعتصامات لا تتوقف. لذلك حين سألهم خليل: هل اغتيل حلم الحرية فيكم، هل يمكن أن يعود التاريخ إلى الوراء؟ كان الجواب صرخات (لا) تتعالى تأكيداً على التمسك بحلم الحرية لدى البحرينيين.
في خطابه، سأل خليل ساخراً من إعلام النظام: يقولون إن الساحة تفككت وانقسمت، وأن الوفاق اجتاحتها الاستقالات والانقسامات وأن الشارع تخلى عنها. هل أنتم موحدون أم منقسمون ، هل تخليتم عن الوفاق؟ نسوا أو تناسوا أن جمعية الوفاق ليست جمعية غرف وإنما صوت الشارع وصوت الجماهير أنتم هنا، لتقولوا لهم: قوتنا في وحدتنا.
وأضاف "البعض تصور أن الموضوع قصة بدأت بالمطالب ثم قمعت وجاء الحوار وناقشوا المطالب وخرجوا معلنين أن الشعب لا يريد حكومة منتخبة ولا مجلس منتخب ولا دوائر عادلة وانتهت القصة، هل انتهت القصة؟، هل نسيتم الشهداء والجرحى والمعتقلين والمفصولين. هل نسيتم المطالب وأنى يكون ذلك، أنتم هنا لتقولوا لهم: هيهات ننسى الشهداء" وجهت الوفاق شكراً خاصاً لمعدّة برنامج الجزيرة الإنجليزي (مي) لتقريرها الاستثنائي (البحرين تصرخ في الظلام) الذي لخص بعض الآلآم والمعاناة بدءاً من احتجاجات القرى إلى الدوار الى المستشفى ثم الدوار فالمظاهرات الضخمة ودخول الجيوش واقتحام الدوار فالمستشفى ومحاولة اغتيال حلم الحرية في البحرين.
وحول الأمن أكد خليل إن ما حدث من مارس إلى يونيو لايمكن أن يُتخيل ويحتاج لمعالجة حقيقية، من فعل ذلك قد يشعر بالأمن الظاهري السطحي مؤقتا، لكنه في الحقيقة خسر الأمن الحقيقي قطعا، مهما جئت بكل جيوش العالم من الشرق أو الغرب وصرفت كل الميزانيات على الأمن لن تحصل عليه ما دمت لاتثق بشعبك، الأمن الحقيقي هو للجميع وهو المعادلة الصحيحة، ما لم يحصل الشعب على الأمن لن تحصل الدولة عليه، اعطه الأمن تحصل عليه وأكثر.
لم يعد يجدي هكذا هو مشهد الأسبوع الذي سينصرم اليوم، الثورة البحرينية لم تقف ولن تقف، لا يبدو أن لدى النظام غير العصا، وهو الأمر الذي لم يعد يجدي، فكما قال الضيف الغامض في فيلم الجزيرة الإنجليزية "لقد لامس الناس حريتهم، لذا هم لن يعودو إلى الوراء أبداً".