جاستن جنجلر، صاحب مدونة الدين والسياسة في البحرين: أمريكي بنكهة بحرينية ثورية

2011-08-11 - 6:20 ص






مرآة البحرين (خاص): العاصمة الأميركية واشنطن.
هو متابع حثيث لأحداث البحرين، معارض، ناقد شرس، وصريح جداً. استطاع خلال فترة وجيزة أن يصنع لنفسه موقعاً متميزاً في الفضائين الافتراضي والواقعي معاً بوصفه محللاً لشئون البحرين السياسية، وصاحب أطروحة دكتوراة ما يزال حتى اليوم يكتب صفحاتها الأخيرة، مختتماً أو ربما مبتدئاً لرحلة طويلة، انطلقت منذ العام 2007 عندما زار البحرين لأول مرة.
 
جاستن جنجلر، ليس بحرينياً، لا سنياً ولا شيعياً، هو باحث أميركي في علوم السياسة، جاءت به الأقدار إلى جزيرة البحرين دون أن يقصد، واختار أن يخصص رسالته الدكتوراة حول وضعها السياسي والإثني دون أن يقصد، وربما تصبح رسالته العلمية تلك أحد المراجع المهمة والنادرة التي تحدثت أو ستتحدث عن الوضع السياسي المعاصر والاستثنائي في البحرين، دون أن يقصد أيضاً.
 
التقته (مرآة البحرين) في العاصمة الأميركية واشنطن قريباً من مكان سكنه. هو شاب أميركي جداً، لا يمكن أن تتوقع منه اهتماماً بالسياسة أو ولعاً بالشرق الأوسط، فما بالك ببلد كالبحرين، لا يعرف معظم الأميركيين أين تقع. لكنه عندما يبدأ في الحديث ستكتشف بأن هذا الأميركي صاحب مدونة "الدين و السياسة في البحرين"(3) الشهيرة ليس غريباً أبداً عن البحرين، فهو يعرف وضعها السياسي كأهلها.

أطروحة ذات صدى
لم تكن أطروحته للدكتوراة اعتباطية فقد عاش (جستن) بالفعل في البحرين لمدة عامين، لم يترك فيهما رمزاً أو قائداً سياسياً أو شخصية اعتبارية بحرينية لم يقابلها. حتى غادر أخيراً البحرين في أواخر العام 2009 ليعكف على تحليل ما جمعه من بيانات من أجل دراسته.
 
وحلّ العام 2011  مبشراً بربيع عربي ليس كغيره، اجتاحت نسائمه أرجاء الوطن العربي، فكانت البحرين قلبه النابض ليس لمقدار العنف الموجه ضد الحركة الاحتجاجية فيها فقط، بل لأنها الثورة الوحيدة في الدول العربية التي لم يتجرأ أي نظام سياسي دولي على أن يدعمها بصراحة ودون مواربة.

في العاصمة الأميركية واشنطن، وبعيداً عن مطابخ صناعة القرار السياسي الأميركي، وجد (جستن ) نفسه فجأة جالساً فوق كنز من المعلومات والنتائج التي لن تفيد في إثراء المعرفة العلمية في علوم السياسة كما خطط لها فقط، بل ستسهم في إضاءة القليل من النور حول صراع أشخاص عرفهم وعايشهم، ويعرف هو أكثر من غيره بأنهم يدفعون ثمن الوقوف في وجه نظام سياسي لم يكن عادلاً  معهم أبداً ، ليكون الثمن الذي يدفعونه أحياناً حياتهم. 

الأرقام التي نشرها (جستن) في مدونته التي وجدت صدى كبيراً بين قراء الانجليزية حول العالم داعمة لما قاله المحتجون، بل أنها تثبت وجود التباين الحقيقي في الموقف السياسي على حسب الطائفة.

 قصة أكثر إغراء
كانت أطروحة جستن الرئيسية تدور حول الأنظمة السياسية الشمولية وكيف يمكنها الحفاظ على استقرارها، وكانت الفرضية التي كان يدرسها في الأطروحة هي أن هذه الأنظمة الشمولية تحافظ على استقرارها من خلال إعطاء المواطنين جملة من الفوائد التي " تشتري بها ولاءهم". غير أنه اكتشف بأن البحرين كانت مثالاً غير ملائم لإثبات فرضيته تلك، بل أنه تعرض أثناء بحثه إلى جملة من الموضوعات السياسية الحساسة في هذا الملف من ضمنها رأي الناس في" التجنيس والتغيير الديموغرافي للتركيبة السكانية في البحرين".
 
وجد جستن نفسه فجأة أمام قصة أكثر إغراء بالدراسة والبحث، وهو الذي لم تكن البحرين خياره الأول. فقد انتقل جستن الذي ولد وعاش حياته ودرس في ولاية ميتشيغان الأميركية إلى اليمن كأحد مبتعثي برنامج الفولبرايت الدولي. وعلى الرغم من أن اليمن كانت بدورها مغامرة بالنسبة إليه، إلا أنه لا ينسى بأنها الدولة التي تعلم فيها القراءة والكتابة باللغة العربية.


أجبر جستن على الانتقال خارج اليمن بعد حادثة التفجير التي استهدفت السفارة الأميركية هناك، حيث دعت الولايات المتحدة رعاياها لمغادرة البلاد، فكانت البحرين خيار جستن الثاني، وتحولت إلى موضوعاً رئيساً لدراسته بعد فترة وجيزة.

يقول جستن عن رسالته " تركزت رسالتي في البحرين حول افتراضين رئيسيين، بأن نظام الحكم القائم مستقر في البحرين أولاً : لأنه يمنح المواطنين فرص العمل في القطاع الحكومي، وثانياً: لأنه لا يفرض أي نوع من أنواع الضرائب على المواطنين. وفي المحصلة فإنّ فرضيتي كانت في البدء تقول بأن لا سبب لدى هؤلاء الأشخاص للثورة".
 
غير أن جستن فوجئ بنتائج مغايرة وبنظرية أكثر عمقاً وتعقيداً. فقد وجد بأن ليس كل المواطنين لديهم نفس الفرصة في العمل ضمن القطاع الحكومي إذ إن 36 % من الشيعة من أفراد عينته كانت تعتبر أقل حظاً في الحصول على عمل حكومي. والسبب في ذلك كما يقول جستن حرمانهم من العمل في قطاعي الجيش والشرطة وهما القطاعان الأكثر إنفاقاً من ميزانية الدولة في كل عام. وبحسب جستن، فإن البحرين تقع في المرتبة الخامسة من بين دول العالم من حيث الإنفاق على الجيش والشرطة، إذ تشغل الدول الخليجية كلها، فيما عدا قطر المراكز الخمسة الأولى في العالم. (1)
 
نتائج ليست مفاجئة... لكنها موثقة
أثبت جستن بأن نتائج استقصائه الميداني أكدت له بأن 36 في المائة من الشيعة في البحرين أقل حظاً في التوظيف في القطاع العام في الدولة. كما كشفت نتائج دراسة جستن عن أزمة الثقة المتوارية بين السلطة وبين الأغلبية من الشعب البحريني التي يمثلها الشيعة.(2)

حول الاستبيان الذي قام به في البحرين يقول جستن "قمت بعمل استبيان بعد اختيار عينة ممثلة للشعب البحريني مكونة من 500 شخص، كان اختيار العينة بحد ذاته تحدياً إذ حصلت على بيانات الأشخاص وعناوينهم بطريقة خاصة ومن مصدر سري، ثم جاء موضوع الرسالة الذي وجده مركز البحرين للدراسات والبحوث برئاسة محمد جاسم الغتم حساساً، فلم يتشجعوا كثيراً لدعمه".
 
استنتج جستن من خلال استبيانه هذا عدة أمور، أولها بأن 90 في المائة من عينته من السنة أعلنت عن رضاها التام عن أداء الحكومة، فيما عبرت 82 في المائة من العينة من الشيعة عن عدم رضاهم التام عن الحكومة.

الأدهى أن 64 في المائة من أفراد العينة التي استخدمها جستن من السنة ذكروا بأن عدم احترام حقوق الإنسان للحفاظ على الأمن في البحرين مبرر، فيما رأى 69 في المائة من أفراد العينة من الشيعة أنه غير مبرر على الإطلاق. وهذه المسألة لوحدها تلقي بظلال كثيرة على أحداث ثورة 14 فبراير وما حصل بعدها من تخوين ودعاوى للعقاب من قبل جماعات من السنة مع الأسف.
 
وفي مقابل 56 في المائة من السنة في عينة جاستن يعرفون الوضع السياسي البحريني بأنه جيد، و7 في المائة من أفراد عينة جاستن من الشيعة يعرفون نفس الوضع بأنه سيء للغاية، تبرز هناك تفاصيل لمشكلة كبيرة كانت هناك على الدوام.

يحبونه جداً أو يكرهونه جداً
أثبتت نتائج السؤال الأكثر حساسية في دراسته " ما مدى رضاك عن رئيس الوزراء"  بحسب تعبير جستن " أن الناس في البحرين إما يحبون رئيس الوزراء جداً أو يكرهونه جداً". -أجاب عن هذا السؤال 60 في المائة من السنة بقولهم نثق فيه كثيراً، وأجاب نحو 55 في المائة من الشيعة بقولهم لا نثق به على الإطلاق.

يقول جاستن "المواطنون البحرينيون الشيعة هم الأفقر وبالتالي هم الذين يمتلكون استعداداً أكبر من المواطنين السنة للثورة من أجل التغيير، ناهيك عن عامل آخر مؤثر على تفاصيل المشكلة في البحرين وهو وجود فئة لا يستهان بها من المجتمع والذين كانوا مشمولين في العينة من أصحاب الجنسية البحرينية لكنهم من أصول باكستانية أو يمنية أو سورية أو عراقية، وهؤلاء كان من الصعب تعريفهم كسنة أو كشيعة، إذ يمكن النظر فقط إلى موقفهم السياسي الموالي للنظام كلياً".
 
أثبتت دراسة جاستن أيضاً بأن المواطنين السنة أكثر ثقة بالقضاء، وبالشرطة، وبالبرلمان من إخوانهم من الشيعة، فيما لم يعبر السنة بالمقابل عن ثقة كبيرة بالجمعيات السياسية على عكس الشيعة.

ظنه السعيدي مخبراً أميركياً
ولم يكن الاستبيان الذي قام به جاستن هو مصدر معلوماته الوحيد، إذ إنه قابل الكثير من الشخصيات والقيادات السياسية في البحرين، ابتداء بالليبراليين من إبراهيم شريف إلى حسن مدن، مروراً بالإسلاميين الشيعة المعتدلين مثل خليل المرزوق وجواد فيروز وجاسم حسين، وقيادات مثل عبدالوهاب حسين والناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجة، وصولاً إلى قيادات الجماعات السنية مثل عيسى أبو الفتح وسامي قمبر. حتى إنه تمكن من تدبير زيارة إلى مجلس النائب السلفي المستقل جاسم السعيدي الذي غضب من أسئلته التي تناولت تقييمه عن أداء الحكومة وظن أنه مخبر أميركي.
 
ولم يكن استبيان جستن مرحباً به أيضاً في كل مرة، إذ إنه في 2009طرق مع فريقه بالصدفة منزل أحد العاملين في الداخلية في منطقة القضيبية، والذي فضل الاحتفاظ بنسخة من الاستبيان، ليتم استدعاء الشاب الذي كان يعمل مع  جاستن لقسم الشرطة للتحقيق فيما يفعله بهذا الاستبيان،لكن أطلق سراح الشاب بعد أن أبرز لهم جاستن جنسيته الأمريكية وقال لهم إن هذا الشاب يعمل معه.

الدين والسياسة في البحرين
يقول جستن " ليس هدفي من إنشاء مدونتي الالكترونية "الدين والسياسة في البحرين"(3) دعم الثورة، وإنما أهدف إلى مخاطبة الجمهور الأميركي وإطلاعهم على ما يجري في هذه الجزيرة الصغيرة التي عرفتها جيداً، ورغم التعليقات التي تهاجمني في المدونة، أعزم على الاستمرار".

ويوضح جستن بأن رؤيته في حل الأزمة في البحرين تتطلب أولاً حلاً للأزمة داخل العائلة الحاكمة، ومن ثم إصلاحأ جذرياً للنظام الانتخابي، ومنح الشيعة فرصاً أفضل للتوظيف وخصوصاً في قطاعات الشرطة والدفاع، علاوة على تغيير رأس الحكومة الممثل في رئيس الوزراء. وفيما يرى بأن الحوار الذي انتهى في البحرين كان شكلياً  وهدفه الرئيسي هو تقوية موقع رئيس الوزراء، وهو الهدف الرئيسي من تشكيل تجمع الوحدة الوطنية  أيضاً.
 
ويختتم بقوله " ليس من مصلحة الأميركان أصلاً أن يستمر الوضع مضرباً في البحرين، لدى أميركا مصالح في المنطقة وعلى الرغم من أنهم غير قادرين حالياً على سحب دعمهم للعائلات الحاكمة في الخليج، إلا أن استمرار الاضطراب سيكون غالياً عليهم جداً".


  1. جاستين جنجلر لمجلة فورين أفيرز الأمريكية: ما هي درجة تطرف شيعة البحرين؟ السبب الحقيقي وراء الاضطرابات في المملكة  

     
  2. جاستين جنجلر: الحوار، التمثيل و الاحصائات: نظرة في "الدراسة الديمغرافية" و "الوثيقة المسربة"   

  3. مدونة جاستين جانجلر: "الدين والسياسة في البحرين"  

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus