القاضي إبراهيم الزايد: الأقصى في العقوبة ضد السياسيين، الأقصى في التبرئة لصالح الجلادين (9)

2014-09-11 - 3:23 م

مرآة البحرين (خاص): الأقصى، هو ما يُعرف به قاضي المحكمة الجنائية الرابعة إبراهيم الزايد؛ الأقصى في البحث عن أدلّة الإدانة حين يتعلّق الأمر بالمحكومين السياسيين، مقابل الأقصى في البحث عن أدلّة البراءة حين يتعلّق الأمر بالمعذّبين والقتلة. أيضًا، الأقصى في إصدار الأحكام الأشد قسوة ضد المتهمين السياسيين، مقابل الأقصى في تبرئة القتلة والمعذّبين.

يعرف الزايد بصوته (الناعم)، وطريقته اللينة في الكلام، يصفها مقربوه بأنها (مائعة)، بالإضافة إلى حركات جسده ونرجسيته البارزة واعجابه الشديد بنفسه إلى الحد الذي يشبهه المقربون بأنه: "بنت معجبة بنفسها"، لكن قد يبدو غريبًا أن هذه الليونة تقابلها بشكل شاذ وغريب، تلك القسوة المفرطة في إصدار أقصى الأحكام القانونية ضد محكومي القضايا الأمنية والسياسية، لكن الغرابة تصبح أقل شذوذًا، بالنسبة لنا، حين نتذكر أننا نتحدث عن القضاء البحريني المعروف بميوعة عدالته ونزاهته واستقلاليته، مقابل صلافته المفرطة في تعامله مع المعارضين السياسيين.

الأقصى في العقوبة..

فيما يلي نماذج لأحكام قصوى في القسوة للقاضي الزايد، ضحاياها جملة من المحكومين السياسيين:

الأقصى في الميوعة..

السابق، نماذج من أحكام أصدرها الزايد ضد محتجين، ومقابل هذا الأقصى من القسوة، تنقلب الأحكام إلى ميوعة مفرطة، حين يكون المتهم قاتل أو معذّب من منتسبي وزارة الداخلية.

-فقد برّأ الزايد كل من مبارك بن حويل ونورة بنت عبدالله، المعذبين المشهورين والمعروفين بتعذيب 6 أطباء والإساءة لهم، وذلك في يوليو 2013.

-كما برأ في سبتمبر2012، شرطيين من قضية مقتل الشهيدين علي المؤمن وعيسى عبدالحسن رغم وجود عدد من الشهود الذين رأوا حادثة القتل رأي العين بينهم الصحافية نزيهة سعيد، فيما لم يحضر الشرطيان جلسة النطق بالحكم، إذ إنهما مخلى سبيلهما.

علمًا أن معظم المتهمين بقضايا القتل حسب المحامي التاجر «لم يدخلوا السجن حتى يوم الحكم، في حين أنه من المفترض أن يكونوا مسجونين منذ اليوم الأول»، مضيفًا «لم يكونوا موجودين داخل السجن».

- وكان أقصى حكم صدر من قبله ضد منتسب لوزارة الداخلية، هو الصادر في سبتمبر 2012 ضد قاتل الشهيد هاني عبد العزيز بالسجن 7 سنوات فقط، وهي العقوبة الأقصى عن تهمة "الضرب المفضي إلى الموت"، والتي يتم استبدالها بدلاً من تهمة "القتل العمد" لتمييع العقوبات وتسويفها.

-وفي مايو 2013، أمر الزايد بإخلاء سبيل شرطيين متهمين بقضية مقتل الشاب حسين الجزيري، الذي فارق الحياة في 14 فبراير 2013، بكفالة 500 دينار لكل منهما، ومن ثم تبرئتهما.

المفارقات المائعة..

المفارقة المائعة، أن الزايد الذي أخلى سبيل منتسبي وزارة الداخلية المتهمين بالقتل، رفض إخلاء سبيل مواطنة بحرينية متهمة بالاعتداء على شرطية، علمًا أن المواطنة حامل في أشهرها الأخيرة وتعاني وضع صحي قلق.

وبشكل عام، فإن الزايد هو أكثر القضاة المعروفين بإصدار الأحكام الجماعية المتشدّدة دون الأخذ بتفاوت الأدوار والحيثيات، كما عرف عنه أنه يستثمر كل ثغرة يمكن أن تستخدم ضد المتهم السياسي.

وفي حين تعتمد محاكمات الزايد في إدانة المتهمين من المعتقلين السياسيين على (الاطمئنان) إلى التحريات السرية والشهود المجهولين "وما استقر في يقينها واطمأن إليه وجدانها"، فإن هذا الوجدان والطمأنينة تنتفي حين يستمع إلى أصحاب الشهادات الحيّة فيما يتعلّق بالقتلة والمعذبين وفيما يكشف له المعتقلون عن آثار التعذيب الباقية على أجسادهم.

فقد رفض الزايد عرض فيديو يظهر عملية قتل الشهيد فاضل المتروك عند مستشفى السلمانية على يد أحد منتسبي وزارة الداخلية في 15 فبراير 2011، تقدم به الشاب محمد المحاسنة الذي أشار إلى القاتل في قاعة المحكمة قائلاً: "هذا هو القاتل". ثم قدم أمام المحكمة التي يرأسها الزايد تسجيل فيديو صوره بنفسه لعملية مقتل الشهيد فاضل المتروك بدءًا من لحظة هجوم قوات الداخلية على جنازة الشهيد علي مشيمع، ووصولاً للحظة تصويب السلاح ثم اللحظة المأساوية الكبرى بتهاوي الشهيد فاضل المتروك على الأرض بسبب تلك الطلقة الغادرة. رفض الزايد عرض هذا الفيديو في قاعة المحكمة، وكان الحكم الذي صدر في حق القاتل فيما بعد هو البراءة.

المفارقة المائعة الأخرى، أن الزايد نفسه، هو من حكم على محمد المحاسنة، الشاهد الوحيد على مقتل الشهيد المتروك، بالسجن المؤبد فيما بعد، وبتهمة كيدية خسيسة.

قبل 2011

الحكم بالأقصى عند الزايد ليس وليد أحداث 2011، هو سابق لهذا بكثير، فقد اشتهر قبلها بعدد من القضايا التي أصدر فيها أحكامًا قاسية ضد نشطاء ومحتجين، ربما واحدة من أشهرها القضية المعروفة باسم "قضية المطار". وكان تجمع احتجاجي، حدث بشكل تلقائي في مطار البحرين في 25 ديسمبر 2005 إثر إلقاء القبض على الشيخ محمد سند العائد من دراسته في إيران حينها، طالب قبلها بشهرين باستفتاء على شرعية النظام في البحرين تحت إشراف الأمم المتحدة.

كان الزايد حينها قاضيًا في المحكمة الصغرى الجنائية الثانية، وأصدر حكمه بحبس 12 متهمًا من معتقلي المطار مدة سنتين مع النفاذ وذلك بتهمة التجمهر، بعد أن أخفقت النيابة في تقديم دليل يثبت قيام أي من المتهمين بالتخريب والإتلاف، التهمة الثانية التي نسبتها لهم.

الحكم الذي أصدره الزايد بحق متجمهري المطار حينها، هو الأقصى في قانون العقوبات الخاص بالتجمهر. المادة 178/179 تقضي بأن حكم التجمهر هو الحبس لمدة لا تزيد عن سنتين. وقد كان واضحًا الدوافع السياسية لهذا الحكم مع ما كانت تشهده البلد من اضطرابات حينها. ولو أن هذا التجمهر حدث بعد 2011، لأضيفت إليه تهمة الإرهاب والتخريب وإرعاب المواطنين كما يحدث الآن، ولما قلت عدد سنوات العقوبة عن 10 سنوات. هذا الحكم المائع (المنحاز سياسيًا) عند الزايد، تلقفته السلطة التي تريد قضاة تستخدمهم في قمع النشطاء بمسمّيات قانونية. تم نقل الزايد إلى المحكمة الكبرى الجنائية الثانية عام 2006.

بين حماقة الظهراني ومكر الزايد

يختلف الزايد (تم تعيينه في 2002) عن زميله القاضي الظهراني الأحمق الحموس. فإذا كان الأخير بسبب حماقته، صريح ومكشوف بانحيازه الفاقع وانقياده التام للسلطة ضد المحتجين، وذلك غالبًا بسبب ضعف شخصيته وضعف إمكاناته المهنية والقانونية، فإن الزايد يختلف عن الأول بمكره ودهائه، حيث لديه القدرة على استخدام إلمامه بالناحية القانونية، والقدر الذي يمتلكه من اللباقة لإخفاء انحيازه خلال الجلسات والظهور بمظهر القاضي النزيه والمستمع لجميع الأطراف، لكن سريعًا ما ينكشف زيف ذلك أمام تعاطيه المنحاز مع الأدلة والأحكام التي يصدرها فيما بعد. على كل حال، هذا المكر يكفي السلطة لتعتمد عليه في المهمات الأصعب. كيف؟

يمكن تقسيم القضايا الأمنية والسياسية إلى نوعين:

1- قضايا مهملة: وهي تلك التي يحاكم فيها مواطنون غير معروفين من الناشطين والمحتجين، وهي قضايا لا تحظى في العادة بمتابعة الرأي العام العالمي مهما صدرت في حق المتهمين أحكام قاسية أو صاخبة، وعادة ما تستغل السلطة ذلك وتنسب لهؤلاء تهم الإرهاب لقطع الحبل على أي مسائلة حقوقية أو متابعة خارجية.

2- قضايا محل الأنظار: وهي تلك التي تحاكم فيها أسماء بارزة وشهيرة تحظى باهتمام ومتابعة الرأي العام المحلي والعالمي، وعادة ما ينبري لها كتلة من المحامين المتطوعين ويحرص عدد من النشطاء والحقوقيين الدوليين وممثلي سفارات من أنحاء العالم على حضور جلسات المحاكمة ومراقبتها، مثال على ذلك محاكمة الحقوقي البارز نبيل رجب، والقيادي في جمعية الوفاق خليل المرزوق، وهم عادة ممن لا يمكن أن تلصق بهم تهم اعتباطية كتهمة الإرهاب التي يستخدمها النظام مظلّة لمحاكماته الأخرى.

بطبيعة الحال، فإنه في المحاكمات (محل الأنظار) لا يمكن تمرير الخروقات القانونية الفاقعة التي أشرنا إليها في حلقات سابقة والتي تحدث في المحاكمات (المُهملة). إدارتها تحتاج إلى مهارة ماكرة ومهنية مصطنعة، الزايد يوفر للسلطة المكر المطلوب لذا تحال القضايا محل الأنظار اليه.

مكر الزايد في محاكمة رجب

في محاكمة الحقوقي البارز نبيل رجب، كان الزايد يوظف مكره أمام النشطاء الذين جاؤوا من كل مكان لحضور الجلسة، فرغم رفضه إخلاء سبيل نبيل لحضور عزاء والدته، راح يعظم له الأجر، ثم يقول له: "نبيل ماذا تريد أن تقول، تكلم أريد أسمعك؟". وقبل أن ينطق حكمه على رجب بالسجن 3 سنوات، كرّر مرارًا وتكرارًا أنه صديق لعائلة بن رجب ولأبنائها في محاولة لتبرئة نفسه.

نبيل رجب بدوره أكّد في تعليق له على الحكم الصادر، أن الحكم الصادر في حقّه: "من كتابة وزير العدل شخصيًا، وأن حيثيات الإدانة التي استند إليها الزايد في الحكم هي بذات أسلوب الوزير"، كما أكّد أن الزايد "على علاقة قوية بوزير العدل وكان يعمل معه".

فيما أوضحت سمية رجب زوجة نبيل أن الزايد استدعى نبيل لمكتبه في المحكمة قبل دقائق من جلسة النطق بالحكم لتبرئة نفسه من الحكم الذي سينطق به، وأضافت "القاضي ابراهيم الزايد كان يعرف بأنه سينطق بحكم ظالم لذلك حاول في مكتبه تبرئة نفسع عبر التكرار بأنه صديق لعائلة رجب ولأبنائها".

مكر الزايد في محاكمة المرزوق

القاضي الزايد أيضًا سمح للقيادي الوفاقي خليل المرزوق بإلقاء مرافعته التي شرح فيها كيفيّة اعتقاله واستدعائه إلى مركز الشّرطة والنّيابة، وأعطاه أمام الحضور الدوليين فرصة كاملة للحديث وهو يصف النّيابة العامة بأنها ليست حيادية، وحين قال المرزوق: "لو كان القرار بيدي لأسقطت القضية عن آخرها، ولوجّهت بدلاً من ذلك إلى حل سياسي حقيقي للخروج من أزمة البلد، بدلا من تعميقه". أجابه الزايد في محاولة لتبرئة نفسه: "لا أحد يقرر إغلاق القضية إلا نحن الثلاثة الجالسين على المنصة لا أحد يستطيع التدخل، الملك فقط يقدر أن يعفو عنك، القضاء وأنا من يقرر أين تذهب هذه القضية". وفي نهاية الجلسة أصدر الزايد حكمه بالافراج عن المرزوق مع ضمان محل إقامته، وكانت تلك الإشارة التي فهم منها عدد كبير من المحامين أن قرارًا سياسيًا قد اتخذ لتبرئة المرزوق.

ورغم أن المرزوق تحدث عن عدم حيادية النيابة العامة، ولم يتطرّق إلى القضاء في مداخلته، فإن الزايد رأى أن يكرر تبرئة نفسه والقضاء أمام الحضور والنشطاء: "تأكد من أن قرارتنا مستقلة، ونحن الثلاثة فقط من نأخذ القرارات، ولو أن هناك من يتدخل لكنت قدمت استقالتي ولا أرضى بتدخل أحد في قراراتي". لا يحتاج القاضي إلى التأكيد على نزاهته واستقلاله، ولا إلى تبرئة نفسه قبل كل حكم يصدره، ولا إلى تكرار ذلك في قاعة المحكمة، النزيه لا يحتاج ذلك، يحتاج إلى الصدق مع نفسه، فقاعة المحكمة مكان ليُبرئ القضاة المظلومين، لا ليبرؤوا أنفسهم!!!


مواضيع ذات صلة
التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus