مرآة البحرين في حوار مع الباحث التاريخي حسين الجمري: مسجد الخميس والصراع حول الهوية (1-2)

2014-09-15 - 5:33 م

مرآة البحرين (خاص) احتدم الجدل مؤخراً حول مسجد الخميس، المسجد التاريخي الأقدم في البحرين، والمسجل ضمن سجلات الأوقاف الجعفرية، بعد أن قامت السلطة بتحويله من الأخيرة الى وزارة الثقافة. أضيف ذلك ضمن مسلسل السلطة في منهجيتها في تزييف التاريخ والعبث بالهوية الوطنية، وفيما يُخشى أنها تهدف بوضع يدها عليه إلى تغيير هويته المذهبية أو تغييبها.

ردود الأفعال الشعبية، خاصة في الوسط الشيعي، استنكرت خطوة السلطة الأخيرة، رغم ترحيبها بترميم وصيانة مبنى مسجد الخميس، لكنها رفضت تولية وزارة الثقافة عليه. معتبرة أن مسجد الخميس وفقًا لكل المستندات التاريخية والأدلة الثبوتية مسجّلٌ في الأوقاف الجعفرية، وقد كان من أكبر الحوزات العلمية في تاريخ البحرين والمنطقة. فيما أظهرت وثيقة تاريخية طلبا من حكومة البحرين للأوقاف الجعفرية لترميم ما أسمته بـ "مشهد سوق الخميس".

مرآة البحرين التقت الباحث التاريخي البحريني حسين الجمري، والذي أصدر كتاباً بعنوان "مسجد الخميس: الحوزة الأولى وأول مسمار في نعش القرامطة"، وكان لها معه الحوار التالي حول الصراعات التاريخية حول هوية مسجد الخميس وتاريخ إنشائه.

مرآة البحرين: ما هي الفرضيات المتناقلة حول تاريخ تأسيس مسجد الخميس وهويته؟

مسجد الخميس بالاضافة لكونه إرثاً إنسانياً، فهو رمز للهوية المذهبية للمنطقة في حقبة زمنية معينة. هذه الرمزية المذهبية هي التي أنتجت العديد من القضايا الشائكة. وانعكست تلك القضايا على عملية كتابة التاريخ القديم لهذه المنطقة.

تعددت الفرضيات حول تاريخ تأسيس المسجد وهويته، إلا أن المرجح أنه لم يبن في فترة واحدة بل على فترات، كما تعددت أدواره عبر التاريخ؛ ففي فترة بني ليكون مركزا دينيا وسياسيا حيث انطلقت منه ثورة عارمة ضد القرامطة، ولم تهدأ إلا بزوال القرامطة كليا من البحرين، وبذلك يتحول المسجد لرمز فهو المسمار الأول الذي دق في نعش قرامطة البحرين. وتمر السنون ويعاد بناء المسجد بصورة أضخم ليتحول بعدها لما يشبه مقر حكم ومدرسة تعليمية. وهكذا لا يمكننا أن نتناول "مسجد الخميس" على أنه بناء له تاريخ بناء محدد، ونفصله عن الأحداث التاريخية التي مرت عليه، والأدوار التي لعبها هذا البناء، وقد أوضحت هذه الأدوار بالتفصيل في كتابي "مسجد البحرين: الحوزة الأولى وأولو مسمار في نعش القرامطة".


المرآة: ما هي المشاكل التي تواجه دراسة مسجد الخميس من حيث الهوية الدينية؟

من أهم المشاكل التي تواجه دراسة مسجد الخميس هي الخلط في دراسة آثار المسجد مع دراسة تطور الهوية المذهبية في البحرين. على الرغم أن كلا الدراستين تكمل بعضهما البعض، إلا أن دراسة تطور الهوية المذهبية في البحرين لم تدرس بصورة منهجية سليمة. على سبيل المثال في العام 1987م نشر Cole بحثا بعنوان "الإمبراطوريات التجارية المتصارعة والشيعة الإمامية في شرق الجزيرة العربية 1300 - 1800م"، حاول من خلال سياق معلومات تاريخية خاطئة واستنتاجات متناقضة، اثبات تحول المذهب الإسماعيلي إلى المذهب الإمامي الإثني عشري.

فعندما يدرس المذهب على أنه أمر متغير ويتبع السيطرة السياسية، فإن هوية الشعوب المذهبية تابعة للسلطة المذهبية، أي ما معناه أن البحرين إبان السيطرة الأموية كان لها مذهب ثم تحولت لمذهب آخر إبان السيطرة القرمطية وبعد ذلك اعتنقت لمذهب آخر، وهكذا.
وقد سار على هذا النهج عدد من الباحثين، على سبيل المثال، Nelida Fuccaro في كتابها حول تاريخ مدينة المنامة والذي صدر العام 2009م؛ ترى أن العام 1602م (بداية السيطرة الصفوية الشيعية على البحرين) كان عاماً فاصلاً ويحدد بداية التحول للمذهب الشيعي الإمامي في البحرين، أما تاريخ الإمامية قبل هذا العام فغير واضح، ولا يعلم بالتحديد مدى انتشاره في البحرين.

المرآة: وكيف أثرت دراسة الهوية المذهبية هذه على دراسة آثار المسجد؟

على سبيل المثال، في العام 1914م صاغ النبهاني فرضيته الشهيرة حول مسجد الخميس بقوله: "وهذا المسجد والمدرسة مع المنارتين الجميع من بناء عمر بن عبد العزيز الأموي"، إلا أن الدراسات الأثرية أثبتت أن البناء الظاهر للمسجد بدأ بناءه في القرن الثاني عشر الميلادي وما بعده وهذا كافٍ ليلغي فرضية النبهاني.

وفي العام 1990م نشرت Kervran دراستها حول تاريخ بناء مسجد الخميس، أوضحت أن هناك ثلاثة مساجد بنيت على بعضها وأن البناء الأول يتميز بمحراب بشكل حفرة في جدار القبلة. وبسبب شكل المحراب، فقط، أعادت Kervran صياغة فرضية النبهاني: بما أن الثابت أن أول ظهور لمحراب بهذا الشكل كان في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز عندما أعاد بناء مسجد المدينة، فإنه من المرجح أن يكون هذا البناء بني في عهده أيضاً أي الفترة 99 - 101 هجرية (قرابة 718 م).

وفي العام 2010م طور Carter هذه الفرضية وبنى عليها وجعل من عمر بن عبد العزيز مؤسساً للبلاد القديم، كبداية جديدة في البحرين بعد القضاء على الحركات المتمردة التي تمركزت في جزيرة المحرق (Carter 2010, p. 66).
بهذه الصورة أُعطيت فرضية النبهاني صبغة علمية، فأصبح الرأي الرسمي يتماشى مع نتائج بعثات التنقيب.


المرآة: على افتراض أنه تم بناء المسجد في عهد عمر بن عبد العزيز، هل هذا يعني أنه يعكس الهوية الدينية للدولة الأموية؟

أولاً، حتى لو افترضنا أنه بني في الحقبة الأموية، فإنه لا يوجد ما يرجح بناءه من قبل عمر بن عبد العزيز. أضف أن البحرين كانت شبه مستقلة ذاتياً عن الدولة الأموية. بل يمكن القول أن البحرين كانت مسرحاً نشطاً للانتفاضات وحركات التمرد ضد الدولة الأموية، ولم تتوقف حركات التمرد والانتفاضات في البحرين، حتى بعد أن سقطت الدولة الأموية في قرابة العام 749م. فقد استمرت قبيلة عبدالقيس التي كانت تحكم البحرين وسائر القبائل الأخرى تمارس انتفاضاتها وضغوطها على السلطة العباسية حتى تمكنت في نهاية المطاف من رفع يد العباسيين عن بلادهم رغم الوحشية العارمة التي قوبلت بها الانتفاضة التي حدثت في عهد الخليفة المنصور (754م - 775م).

الأخيرة حدث على إثرها، وفي عهد المهدي ابن المنصور تحديداً، نوع من التفاهم السياسي الضمني بين البحرين والدولة العباسية، ودخلت البحرين في حالة من الاستقلال السياسي، وظلت السلطة العباسية، في الفترات اللاحقة، اسمية فقط، ولم يكن للعباسيين هدف سوى تامين الملاحة البحرية عبر الخليج العربي. وقد انتهى عهد الاستقلال النسبي في البحرين بعد ظهور القرامطة. وبذلك، حتى لو افترضنا أن أول بناء لمسجد الخميس شيد في العهد الأموي، فإن المسجد لا يعكس الهوية الدينية للدولة الأموية. وهنا علينا أن نتناول بالتفصيل بناء كل مرحلة من المراحل وهوية كل بناء، بمعزل عن الفرضيات الثانوية التي تناولت تطور الهويات المذهبية.

المرآة: حدثنا عن تأسيس منطقة الخميس والبناء الأول لمسجد الخميس؟

بحسب المعطيات الآثارية الحالية، يتضح أن المركز التجاري الرئيسي في البحرين أسس في منطقة الخميس في القرن الثامن الميلادي دون تحديد دقيق لتاريخها، عثر في أقدم طبقة آثارية على أنواع مختلفة من الفخار، قرابة 60% من هذا الفخار هو فخار مستورد من العديد من المناطق، مثل إيران والعراق وعمان والهند والصين وغيرها، مما يدل على إن البلاد القديم في هذه الحقبة تمثل مركز تجاري مرموق.

وتشير بقية النتائج أن هذه القرية كانت تدين بدين الإسلام حيث عثر بالقرب من مسجد الخميس على قطعة فخار، يعود تاريخها للقرن الثامن الميلادي، وقد نقش عليها جزء من البسملة، ويمكننا هنا أن نتصور أن منطقة كالبلاد القديم بهذه الأهمية في بلد دخل الإسلام في القرن السابع الميلادي، لا بد أن يكون بها مسجد مبني يليق بمركزها في جزيرة أوال. فهل التنقيبات الآثارية تؤكد على ذلك؟ هناك من يرجح ذلك، إلا أنه لا يمكن التأكيد عليه بصورة مطلقة.

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus