» رأي
علي داوود: من يملك إرادة الحل في البحرين؟
علي داوود - 2011-09-22 - 12:22 م
علي داوود
انتظر الناس طويلاً في البحرين ويبدو أنهم سينتظرون أكثر وهم يتطلعون إلى حل منصف لهذه الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، ينزل وفد ويغادر آخر، وتهب إشاعة وتسافر أخرى، ولا شيء حتى الآن يملك القدرة على قطع الطريق عبر هذه المياة التي لا تلوح للعابرين إلا بالألغام، فإرادة الحل على ما يظهر غير حاضرة في بنية الدولة، والسبب أنه ليست هنالك دولة بالمعنى الحقيقي وإنما قبيلة مشغولة بحسم توازناتها الداخلية لا غير.
والدولة التي افترضت فتور عزيمة الناس نهاية المطاف بعد أشواط من التنكيل والتعذيب والعنف الذي شهده الشارع، تريد أن تستمر في لعبة حرب الملل، أن يتغلغل التململ من وتيرة الصراع، وكلفة المواجهة إلى قلوب المحتجين، فتنحل إرادتهم التي أبانت حتى الآن عن إصرار وعزيمة كبيرين على مواصلة الطريق، لتنتهي المعركة بلا امتيازات ولا مكتسبات للمعارضة التي أخلت بشروط العقد الاجتماعي البديل للشراكة في السلطة السياسية، وهو عقد الولاء والبيعة للعائلة الحاكمة.
الكل يبحث اليوم عن جواب للسؤال المؤجل دائماً: ما الحل الممكن لهذه الأزمة؟ القوى السياسية المعارضة سعت في الأيام الماضية لإعادة التفكير وبشكل جماعي في هذه المسألة، كما مررت القوى الإقليمية كالولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وإيران وقيل قطر رسائل لم يعلم على نحو التفصيل حقيقتها لكنها تصب في خانة البحث عن حل لمأزق بدا للجميع أنه أكبر من حجم هذه الجزيرة الصغيرة، جزيرة باعتبارات التاريخ والجغرافيا هي الأكثر انشغالاً بعنوان الحرية والحقوق المدنية ضمن المنظومة المحيطة، وقد أعربت أكثر من صحيفة دولية عن قلقها وعدم طمأنينتها لنهاية مقبولة لهذه الأزمة التي تبدو ديمومة العنف فيها أحد السيناريوهات المتاحة لخاتمتها.
كراهية النظام القائم اليوم باتت حقيقة لا يمكن تجاوزها، ولا معالجتها بهذه السهولة، فاصرار الحكومة على اعتماد الحل الأمني في معالجة الأزمة عزز من أجواء انعدام الثقة بينها وبين الشارع الذي لم يعدم في كل مرحلة ما يكفيه من الأسباب الوجيهة لمعادة مؤسسات الدولة التي توسلت كل الوسائل لسرقة حلم الناس بالتغيير، حتى بلغ بها الأمر إلى فتح الباب على مصراعيه أمام كل المهووسين طائفياً وراحت تؤسس على ذلك لفكرة الصراع الطائفي في البحرين كبديل للعنوان الحقوقي الذي انطلقت منه الاحتجاجات.
لا يمكن الجزم حتى اللحظة بأن المعارضة ستنال ما تطلبه بالتمام، ولا السلطة بكل ما تملك من آلة القمع ستحظى بنصر يعيدها إلى لحظة التوازن، ومن يتابع المواجهات الليلية المتفرقة بين المحتجين ورجال الآمن في قرى البحرين، وتلك المسيرات الحاشدة التي شهدتها سترة في تشييع شهيديها الأخيرين يدرك جيداً أن حلاً لهذه الأزمة لن يكتب إلا بتوقيع الشارع، هذا الشارع الذي كان شاهداً وشهيداً على أشهر من القسوة والتعسف والتخندق الطائفي لدى النظام، في مقابل الكثير من الصبر والإصرار والتضحيات والمكابرة على الجراح لدى المطالبين بالإصلاح.
والحال أن طريق اللاعودة هو خيار الناس الذين هتفوا في الرابع عشر من فبراير وبعده من أجل غدٍ واعدٍ للجميع، فقد تذوقوا طمع المرارات كلها، مرارة الانتظار لتغيير لا يأتِ، ومرارة العقاب الجماعي، ومرارة خذلان الأقارب والأباعد، لذلك سيفترشون المسافة الواصلة بالغد ويملأونها بالورود، وبالشهداء طالما كان في ذلك جلاء ليل طويل من الاستبداد غير المستحق بحق شعب مسالم في كل فصول حياته.