داخل عقل نبيل رجب.. "مرآة البحرين" تقدم مرافعة وأدلة حول تورط الأجهزة الأمنية البحرينية في احتضان "داعش"
2014-10-02 - 9:28 م
مرآة البحرين (خاص): أعاد اعتقال رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب بسبب تغريدة ندد فيها باحتضان المؤسسات الأمنية البحرينية لفكر "داعش"، تسليط الضوء على العقيدة القتالية المهيمنة على هذه المؤسسة التي تشكل "محطة مرور" لكثير من المقاتلين البحرينيين المتواجدين حالياً في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" في مناطق الصراع بسوريا والعراق.
كانت وزارة الداخلية البحرينية قد اعترفت في 5 سبتمبر/ أيلول الماضي بانضمام أحد ضباطها، وهو محمد عيسى البنعلي المعروف تحت الاسم المستعار "أبو عيسى السلمي"، إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
كما أفادت بأنها "كانت قد أنهت خدماته من قبل اثر تخلفه عن العمل"، فيما شكّل ذلك أول اعتراف رسمي بانتساب مقاتلين أجانب في العراق وسوريا إلى المؤسسات الأمنية.
وقادت الأسئلة المتعلقة بمشاركة البحرين في الحلف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لضرب "داعش" إلى اعتراف وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي بوجود 100 مقاتل بحريني على الأقل يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.
فيما صرّحت المتحدثة باسم الحكومة سميرة رجب في 30 من الشهر نفسه بأن "هذه كل المعلومات التي نمتلكها الآن، ولا توجد غيرها أدق".
وسط ذلك، جاء ظهور الضابط "البنعلي" و3 من رفاقه في شريط فيديو الإسبوع الماضي ليكشف عن فصل جديد في ظاهرة الجهاديين البحرينيين. فقد دعا زملاءه في وزارة الداخلية البحرينية بالحذو حذوه والمسارعة إلى الانضمام إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" وترك وظائفهم في "الداخلية" التي قال من واقع معايشته لهم "أنهم يعرفون أنهم على خطأ" وأن استمرارهم في شغل هذه الوظائف يعود إلى دوافع مالية.
تتصدر قبيلة "آل بنعلي" التي ينتسب لها عيسى البنعلي، وهي من القبائل العربية القليلة الحليفة للعائلة الحاكمة البحرينية التي يسمح لأفرادها بتقلد مناصب قيادية في الأجهزة الأمنية البحرينية، تتصدر القبائل والعوائل البحرينية من حيث توفيرها خزّاناً من المقاتلين البحرينيين إلى المنظمات الجهادية.
وهناك على الأقل 6 من أفراد هذه القبيلة من المنخرطين فعلياً في معارك فعلية بالعراق وسوريا مع تنظيم "الدولة الإسلامية". فيما تأخذ مشاركتهم صبغة العلنية كما تشي بذلك كثير من التغريدات لهم على شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر". ويعد تركي البنعلي الذي يوصف بـ"الشرعي" وكان حتى العام 2013 يتردد على البحرين أحد المسئولين الكبار في تنظيم "داعش". ويجري تركيز الضوء عليه حالياً في المسئولية عن تجنيد العديد من الشباب السنة من منطقة البسيتين ودفعهم للقتال في المعارك بالعراق وسوريا.
وفي وقت ما من العام 2013 قتل بحرينيان على الأقل من منتسبي قوة دفاع البحرين، وهما الشاب عبدالعزيز العثمان وأخيه عبدالرحمن العثمان في صفوف جبهة "النصرة" بسوريا. فيما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي (مايو/ أيار 2013) صوراً لهما في مناطق مختلفة بسوريا، وهما يرتديان بزة الجيش البحريني.
"التلقين" المتطرف بمؤسسة الجيش
فتحت هذه الشواهد وغيرها النقاش بشأن العقيدة التي تقوم عليها المؤسسات العسكرية ويجري تلقين العاملين بها. وفي مسعى للإجابة على هذا السؤال، فقد تم الكشف في يونيو/ حزيران الماضي عن مجموعة من الكتب الصادرة عن مديرية الارشاد الديني بقوة دفاع البحرين تتعرض بالإزدراء والتكفير لعقائد الطائفة الشيعية التي تمثل غالبية المواطنين في البحرين، وذلك في سياق الشحن الطائفي الذي يمارسه الجيش البحريني.
وتضمن الكتاب لمؤلفه سعيد القحطاني "نور السنة وظلمات البدعة في الكتاب والسنة" تكفير الشيعة بالإشارة إلى معتقداتهم الدينية في زيارة قبور وأضرحة النبي محمد وأئمة أهل البيت الموجودة في المدينة المنورة بالسعودية والعراق وإيران. كما نص على أن من بين أعمال الكفر "الطواف بالقبور تقرّباً إلى أصحابه".
ويصف الكتاب من يسميهم "الرافضة"، وهو الاسم التحقيري الذي تستخدمه الجماعات المتشددة لوصف "الشيعة"، بأصحاب البدع وبأنها من "الفرق الضالة" في اعتقاداتها والتي "تدخل فيها أيضاً الإسماعيلية، النصيرية والدروز وغيرهما".
واعتبر الكتاب، الذي يجري توزيعه داخلياً على منتسبي قوة دفاع البحرين، احتفالات "الرافضة" وبعض الفرق الدينية الأخرى بالمولد النبوي "واتخاذه عيداً فيه تشبه باليهود والنصارى في أعيادهم، وقد نُهينا عن التشبه بهم"، مشيرا في ذات السياق للاحتفال بالإسراء والمعراج والاحتفال بالنصف من شعبان.
كما قامت مديرية الإرشاد بوزارة الدفاع أيضاً بطباعة كتاب آخر على نفقتها للمؤلف نفسه، تحت عنوان "نور التوحيد وظلمات الشرك في ضوء الكتاب والسنة"، وهو يحوي مضامين التكفير ذاتها، ويمثل واحداً من الكتب التي يتم توزيعها على منتسبي قوة الدفاع البحرينية.
نماذج تطبيقية للتلقين "التكفيري"
توفر الآراء التي يدلي بها الناطق باسم الجيش البحريني خالد البوعينين على حسابه في «تويتر» @Al_Bu3inain نموذجاً فاقعاً للعقيدة العسكرية المليئة بالتطرّف المستقاة من هذا النوع من التلقين. كما تكشف عن استعارة مطابقة لكامل المعجم السلفي "التكفيري" في موقفه من الغرب والولايات المتحدة والشيعة والمسيح واليهود والنصيريّة.
ويقول البوعينين (الذي منع مؤخراً بقرار داخلي من التغريد كما طلب منه مسح جميع تغريداته) في اعتراض على منح الحكومة ترخيصاً (أغسطس/ آب 2012) لإنشاء كنيسة كاثوليكية "كيف ينصرنا الله ونحن نشيد معابد الشرك والمشركين، كيف ينصرنا والشرك بالله يدعم من الدولة، خوفا من أن يقال عنا أننا ضد حقوق الإنسان".
ويضيف في سياق آخر "لم نعِ ماذا تخطط له أمريكا إلا بعد رحيل صدام، فسلمنا العراق للمجوس وأرادت أمريكا أن تسلمنا لهم" على حد تعبيره.
كما تعطي تعليقات نجل وزير الديوان الملكي ناصر بن خالد بن أحمد آل خليفة الذي يعمل ضابطاً في الجيش البحريني كما يشغل منصب رئيس مجلس إدارة نادي الرفاع الشرقي، نموذجاً آخر يبيّن حجم التوغل السلفيّ في قلب العائلة الحاكمة. ويمتليء حسابه على "تويتر" nasser_khalid@ بإشارات صريحة تكشف عن تكوين أصولي تصب في ذات الأيديولوجيا الأممية المتبنّاة من "السلفية الجهادية".
إذ يقول في أحد التعليقات "البحرين ليست للجميع فهي بلد مسلم عربي بنص الدستور"، موضحاً "لا نُكره المجوس (الشيعة) على التوحيد ولكن البراء من شركهم واجب وإعانتهم على الشرك بالله ظلمٌ عظيم". ويضيف في إطار متصل "دعوة لا سني ولا شيعي، بس بحريني.. دعوة جاهلية أطلقها دعاة الشرك".
ومثلت صفحته على "تويتر" طوال الأعوام 2011 و2012 و2013 أحد المنافذ الإشهاريّة لحملة "تجهيز غازي" التي تهدف إلى إعداد المقاتلين للجهاد في سوريا. وصرح في هذا السياق "لا زال الباب مفتوحاً لتسليح المجاهدين في سوريا فلا تبخلوا على أنفسكم"، معتبراً أنه "لا خير في ثروات المسلمين ولا سوادهم إن لم ينصروا إخوانهم في الدين بمشارق الأرض ومغاربها"، وفق تعبيره.
وحتى أواسط العام الماضي 2013 كانت حملات "تجهيز غازي" لتمويل وتجهيز المقاتلين تقام بشكل علني في الجوامع البحرينية، مثل: "جامع شيخان الفارسي" في الرفاع، و"جامع أبو حنيفة" في البسيتين، و"مسجد نادي الساحل" بمنطقة الحد، و"جامع الشيخ عيسى بن علي" في المحرق، و"مسجد العصمة" في مدينة حمد، و"مسجد قلالي الغربي" بمنطقة قلالي، إضافة إلى جوامع أخرى في مدينة عيسى والمنامة. وهي حملات أقيمت تحت إشراف قيادات سلفية تعرف بعلاقتها العميقة مع قائد قوة دفاع البحرين المشير خليفة بن أحمد الذي صرّح في حوار (16 يونيو/ حزيران 2013) بأن "الثورة السوريّة، هي الوحيدة التي يمكن تسميتها ثورة شعب"، معتبراً بأن "ما حصل في البلدان العربيّة الأخرى، كتونس، مصر، ليبيا، اليمن والبحرين، لم يكن سوى مؤامرة غربيّة".
طبقاً لهذه المعطيات، فقد جاءت تغريدات الحقوقي نبيل رجب الأخيرة لإلقاء مزيد من الضوء على ما أسماه "الحاضنة الأيديولوجية" للجهاديين البحرينيين. إذ صرح "العديد من البحرينيين الذين انضموا إلى ميليشيات تنظيم الدولة الإسلامية جاءوا من المؤسسات الأمنية في البلاد، هذه المؤسسات كانت الحاضنة الأيديولوجية الأولى".
في مكان آخر، ربما فتحت كل هذه المعطيات الباب لتحقيق رسمي ربما انتهى إلى فضيحة كبيرة تتعلق بحجم تورط المؤسسات العسكرية في بث الفكر المتطرف وتشكيل أرضية انطلاق للكثير من الجهاديين المتشددين. لكن لأنها في البحرين، فسيتم الاكتفاء فقط بسجن نبيل رجب!