سيد يوسف المحافظة: البحرين، وتوم مالينوسكي، وأنا

2014-11-11 - 9:46 م

سيد يوسف المحافظة، موقع مفتاح

ترجمة: مرآة البحرين

كما صرّح لـ"إيرين كيلبرايد"

عندما زار توم مالينوسكي البحرين في العام 2012، كانت البلاد قد أحيت الذكرى الأولى لانطلاق أكبر انتفاضة مطالبة بالديمقراطية منذ عقود. مع ذلك الوقت، كانت القوّات الحكومية قد نقلت التّظاهرات ومسيرات المعارضة، إلى حدٍّ كبير، من الطرق السريعة الكبرى إلى طرقاتٍ فرعية، في البلدات التي يطغى عليها الرّأي المعارض للحكومة.

وفي ذلك الوقت، كان مالينوسكي مديرًا لقسم واشنطن لمنظّمة هيومن رايتس ووتش. ورغبةً منه في رؤية أمورٍ أخرى غير المباني الشّاهقة والقصور، توجّه مالينوسكي إلى البلدات الأفقر في البحرين. وبصفتي مديرًا لقسم الرصد والتّوثيق في مركز البحرين لحقوق الإنسان آنذاك، رافقته خلال هذا الجزء من رحلته حول البحرين. وعندما كتبنا عن هذه الزّيارة، روى مالينوسكي حادثة رشّ رذاذ الفلفل الحار علينا داخل بيت أحدهم، واعتقالنا، وسوقنا إلى مركز الشّرطة سويًّا. فتمّ إطلاق سراح مالينوسكي وسُمح له بإنهاء رحلته التي دامت خمسة أيّام. ولم يُطلق سراحي إلا بعد عدة ساعاتٍ من الاستجواب والإساءة اللفظية.

مرّت سنتان منذ تلك الرّحلة، وأصبحت الحياة في البحرين أكثر خطرًا. فمنذ انطلاق الثّورة السّلمية بأغلبها في فبراير/شباط 2011، مات 109 أشخاص، 16 منهم كانوا أطفالًا. وتمّ اعتقال، واحتجاز، ومحاكمة ما يزيد عن 3،000 بحرينيّ تعسّفيًّا، في محاكم عسكرية ومدنية على حدٍّ سواء. وتمّ سحب الجنسية من عشرات المواطنين بسبب تنظيمهم نشاطات سلمية معارضة. ومنذ زمن ليس ببعيد، أي في أكتوبر/تشرين الأوّل 2014، أصدرت محكمة بحرينية قرارًا بترحيل كل من تمّ تجريده من الجنسية، مما يجعل بالتّالي هؤلاء الأشخاص عديمي الجنسية. وقد تعرّض صحافيّون ومستخدمو مواقع التّواصل الاجتماعي في البحرين للسجن والاعتقال التّعسفي بموجب قانون الإرهاب الذي أقرّته الدّولة حديثًا، والذي، بصياغته المبهمة ونطاقه الواسع، منح الحكومة سلطةً لاعتقال وملاحقة الأشخاص لأسبابٍ محفّزة سياسيًّا.

وقد كانت الأحكام المتكرّرة بسجن "الرموز الـ13"، وهي مجموعة من الشّخصيّات المعارضة البارزة تشمل مؤسّس مركز البحرين لحقوق الإنسان، عبد الهادي الخواجة، والتي كانت تتراوح مدّتها بين خمسة سنين إلى السجن المؤبّد، تصدر بسبب الأدوار التي أدّوها في ثورة البحرين. وكما هو متوقّع، فإنّ الذين يدخلون إلى المملكة ليشهدوا ويوثّقوا الإساءات غير مرحّبٍ بهم أبدًا من قبل السّلطات البحرينية.ومن بين الذين تمّ ترحيلهم من البحرين أو منعهم من دخولها صحافيّون، وناشطون في مجال حقوق الإنسان (بحرينيّون وغير بحرينيّين على حدٍّ سواء)، وأكاديميّون، ومقرّرون خاصّون تابعون للأمم المتّحدة، وأعضاء في منظّماتٍ غير حكوميّة. وليس غريبًا أنّ البحرين أصبحت الآن تُعرف بعدم ترحيبها بالذين يسعون إلى تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان في المملكة-بمن فيهم الأمريكيّون.

وفي يوليو/تمّوز 2014، أعلنت البحرين أنّ مالينوسكي -الذي يشغل الآن منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان- شخصٌ غير مرحب به وأنّ عليه المغادرة فورًا. وقد سلط قرار طرد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى، لتدخّله المزعوم في شؤون البحرين الدّاخلية، الضّوء على مقاومة النّظام للحوار البنّاء، مع الجمعيّات السّياسيّة المعارضة، أو المنظّمات الدّولية، أو الحلفاء على المدى الطويل.

 

 

وقد أدّى طرد مالينوسكي إلى ظهور انتهاكات البحرين لحقوق الإنسان في أخبار وسائل الإعلام لعدّة أيّام في يوليو/تمّوز، ولكن لا ينبغي أنّ تتعجّب الولايات المتّحدة الأمريكية وسائر دول العالم من هذه التّطوّرات. ما بإمكاني تأكيده هو أنّ مالينوسكي قد وقع ضحية ردّ الحكومة البحرينية القاسي على النقد في العام 2012. وبعد أسابيع قليلة فقط من طرده في يوليو/تمّوز، منعت البحرين النائب الأمريكي جيم ماكغفرن من الدخول إلى البلاد. وقد ألغت المملكة مرارًا وتكرارًا زيارات مقرّرة من قبل خوان مانديز، المقرر الخاص المعني بمسألة التّعذيب في المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتّحدة، وتمّ ذلك غالبًا قبل بضعة أيّام فقط من موعد دخوله إلى المملكة. وكذلك تمّ منع الصحافي في جريدة الـنيويورك تايمز، نيكولاس كريستوف، من دخول البلاد في اليوم ذاته الذي تمّ فيه طرد مالينوسكي هذا العام.

 

 


ولا يعدُّ التّهجّم على المحتجّين، وترحيل الصحافيّين، والزجر الدبلوماسي من الاعتداءات التي تحدث مرّة واحدة فحسب في البحرين-بل هو أسلوب عمل يتّبعه نظامٌ مذعور.

ونظرًا إلى شهرة البحرين في اعتداءاتها المتكررة على حقوق الإنسان والدبلوماسية، تملك الولايات المتّحدة الأمريكية سببًا وجيهًا للشك بأنّ طرد مالينوسكي لم يكن الخيانة الأخيرة أو الأسوأ التي قد تتوقّعها من "حليفتها" على المدى الطّويل في الخليج. ولم يحدث رد وزارة الخارجية المُخَفف إلّا القليل لدفع القلق من كون الحكومة البحرينية أصبحت مرتاحة جدًّا في علاقتها مع الولايات المتّحدة.

وقد أجّج ردّ الولايات المتّحدة المكبوح مشاعر خوفٍ عند البحرينيين من أنّ نضالهم أصبح في طيّ النّسيان. ففي حين قامت الولايات المتّحدة باستنكار انتهاكات حقوق الإنسان بشدّة في ليبيا وسوريا، فضّلت حكومة أوباما الالتزام بعلاقة دبلوماسية دقيقة وهادئة، وراء الأبواب المُغلَقة، مع المسؤولين البحرينيين، في سبيل الحفاظ على "صداقتها الوطيدة" مع النّظام. ولكن غياب سياسة أمريكية مترابطة وواضحة حول البحرين لن يجدي الكثير من النّفع في الحفاظ على شراكتهما. وفي الواقع، يبرهن طرد دبلوماسي رفيع المستوى في الخارجية الأمريكية من الخليج هذا الصّيف بأنّ هناك تداعيات ستترتب على المستوى الدّولي عن موقف ضعيف من حقوق الإنسان في البحرين.

وعلى الولايات المتّحدة إعادة تقييم أولوياتها عندما يتعلق الأمر بحليفتها في الخليج. فهل تكفي ملايين الدولارات المدفوعة على صفقات أسلحة ومقر أسطول البحرية الأمريكية الخامس لصرف النّظر عن رفض البحرين الفاضح للديمقراطية وحقوق الإنسان؟ وفي حال كان الجواب نعم، فعلى الولايات المتّحدة الاهتمام على الأقل بمصلحتها في الحفاظ على حضور أمني في البحرين إن لم تكفها لذلك الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد أعلن أبرز القادة المعارضين في البلاد عدم معارضتهم للوجود العسكري الأمريكي في البلاد. ولكن كلّما اشتد عليهم الظّلم وشعروا بيأسٍ أكبر، سيقل احتمال بقائهم على الموقف نفسه.

وعلى الولايات المتّحدة الأخذ بنصيحة المدافع عن حقوق الإنسان نبيل رجب عندما يتعلق الأمر بإعادة تقييمها لتحالفها، إذ يقول إنّ: "الحوار ضروري لحلّ المشاكل. ولكن استمرار الأمور في وضعها الحالي لن ينفع أحدًا".

التّاريخ: 5 نوفمبر/تشرين الثّاني 2014

النّصّ الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus