محمد حسن الصافي يكتب في "غلوبال فويس": السّجن في البحرين: حكاية تعذيب
2014-11-25 - 1:36 ص
محمّد حسن، غلوبال فويس
ترجمة: مرآة البحرين
كان يصرخ عندما كان يتعرّض للضّرب. كان بإمكان المعتقلين سماع صرخاته. وأظهر تشريح الجثّة وجهًا مشوّهًا، وجمجمةً محطّمة، وأضلاعًا مكسّرة، وكليةً منفجرة. إنّه حسن الشيخ، البالغ من العمر 36 عامًا، الذي توفي من جرّاء التّعذيب في أحد سجون البحرين. وكان قد أمضى أكثر من نصف مدّة حكمه في السّجن.
في 6 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، نشرت وزارة الدّاخلية البحرينية تغريدةً على موقع تويتر تقول فيها إنّ أحد المعتقلين توفي في السّجن:
An inmate, 36, at the Directorate of Reformation and Rehabilitation who is convicted in a drug case died. Concerned bodies notified
— Ministry of Interior (@moi_bahrain) November 6, 2014
وزارة الدّاخلية
توفي سجين، عمره 36 عامًا، في مديرية الإصلاح والتأهيل، كان مدانًا بقضية متعلّقة بالمخدّرات. وتمّ إبلاغ الأجهزة المعنية.
6 نوفمبر/تشرين الثاني 2014
وللتّحديد أكثر، تمّ الإعلان عن أنّها لم تكن وفاةً طبيعية:
Criminal suspicions over the death of inmate http://t.co/cXaSB9YR4H
— Ministry of Interior (@moi_bahrain) November 6, 2014
وزارة الدّاخلية
6 نوفمبر/تشرين الثاني 2014
وينضم حسن الشيخ إلى لائحة تتضمّن خمسة معتقلين على الأقل توفّوا جرّاء التّعذيب في البحرين منذ العام 2011، وأتشارك معه للأسف أمرًا شائعًا في بلدي-وهو أنّ كليْنا من ضحايا التّعذيب.
في عشية يوم 30 يوليو/تموز 2013، خلدت إلى النّوم وأنا أفكر بأمورٍ تافهة كالأشياء التي أود فعلها في عطلة نهاية الأسبوع، أو ما إذا كنت سأتابع دروس تعليم العزف على البيانو. لم أكن أعلم أنّه، قريبًا، لن تتبادر إلى ذهني قرارات كهذه.
وفي فجر 31 يوليو/تموز، تم سحبي من سريري واصطحابي إلى إدارة المباحث المركزية، حيث تعرّضت للتّعذيب لمدّة خمسة أيّام.
وبما أنّني كنت أعمل مع منظّماتٍ تُعنى بمجال حقوق الإنسان لسنواتٍ عدّة، قرأت الكثير من الشّهادات حول التّعذيب في البحرين، فكنت أكثر جهوزية من أغلبية الآخرين لمواجهة ما قد يحصل. لم يُحدِث هذا الأمر فرقًا، ولكن ساعدني على الأقل في الحفاظ على بعض الصحة العقلية. وخلال الأيّام التي احتُجزت فيها، كنت مكبّل اليدين ومعصوب العينين، ولكن كنت ما أزال مدركًا وكان حدسي يخبرني أنّه عليّ مواصلة عمل ما قد تدرّبت عليه.
باشرت بجمع المعلومات. كنت محتجزًا في زنزانة مؤقّتة مساحتها ستّة بستّة أمتار. وكانت تركيبة الغرفة توحي أنّها خضعت للتّقسيم مؤخّرًا. ولم تصل الجدران المبنية من الخشب الرقائقي إلى السّقف. ولم يحوِ المكان عددًا كبيرًا من الغرف، ولكّنّهم حاولوا الإيحاء أنّه أكبر ممّا هو عليه فعلًا من خلال إجبارنا على المشي في حلقات حوله.
وبدأت باحتساب عدد الأبواب التي كانت تُغلق عندما يقوم السّجّانون ببحثهم الرّوتيني للـتأكّد من عدم خلود أي أحد إلى النّوم أو جلوسه (إذ أُجبِرنا على الوقوف في جميع الأوقات). وقد دلّ ذلك على عدم وجود الكثير من الغرف. وكان هذا الأمر ذات أهميّة، لأنّه يعني أنّه من الممكن تحويل أي مبنى إلى مقرٍ للتعذيب وأنّ الآليّات التّقليدية المتّبعة لحفظ سجل مقرّات الاحتجاز لم تكن فعّالة.
وقد أنهك بقائي مكبّل اليدين من الخلف لفترة طويلة قواي. إذ بعد مرور مدّة من الوقت، يتوقّف تدفّق الدّم وتتخدّر أطراف الجسد. وقد سُمح لنا باستخدام المرحاض مرّة خلال كل مناوبة. لذا كنّا نغتنم الفرصة حتّى لو لم نكن بحاجة إلى استخدامه، إذ كانت الفرصة الوحيدة لفك قيودنا.
وقد تعلّمت كيفية تمرير يدي من تحت قدميّ (كانت أيدينا مكبّلة من الخلف) وإرخاء عصابة العينين قليلًا، ما يمكنني من تفحّص المكان عند أخذي إلى المرحاض. فلاحظت كيفية تبادل الأوامر بين الضبّاط والحرّاس. ومن خلال تحدّثي مع السجناء الذين كنت معهم، لاحقًا، وحصولي على شهادات منهم، تعلمت أنّه عند وجود علامة خضراء على بابك، فهذا يعني أنّه لا يسمح لك بالجلوس والنّوم؛ وإذا وجدت علامة صفراء على بابك، فهذا يعني أنّه يسمح لك بالنّوم ليلًا؛ وإذا لم يتم وضع أي علامة على الباب، فهذا يعني أنّه يسمح لك بالجلوس. وكان هذا الأمر ذا أهمية، لأنّه دلّ على وجود تراتبية ونظام متّبع في المكان. فلم تكن القرارات أحادية الجانب.
وخلال جلسات التّعذيب، كان يُقال لي ما عليّ إخباره للنائب العام. وكانوا يبلغوني بالأسئلة التي ستُطرح علي والأجوبة التي عليّ إعطاؤها. وبما أنّ الأسئلة التي طرحها عليّ النائب العام كانت هي عينها التي أخبرني عنها معذّبيّ، أصبحت مقتنعًا أنّ مستوى التّنسيق الذي كنّا نشتبه به، كان فعلًا موجودًا في البحرين.
وقد تمّ تهديدي بأنّه في حال اشتكيتُ إلى النائب العام بخصوص التعذيب، سيتم تعذيبي أكثر. ولو لم ينشر المحامي الذي يمثّلني تغريدة عن الأمر على موقع تويتر، كنت سأتوقّع حدوث ذلك. وقد عاش الكثير من المعتقلين الآخرين مثل هذه الظّروف، إذ كان يتم استجوابهم من دون حضور محامٍ.
وعندما تمّ نقلي إلى مركز الاحتجاز، التقيت بالكثير من الذين يعرفونني ويثقون بي. رأى أحد رفاقي في السّجن، البالغ من العمر 16 سنةً، أنّه يُسمح لي بامتلاك دفترٍ فغبطني على ذلك. وبما أنّه من الصّعب جدًّا الحصول على أبسط الأشياء في مكانٍ كهذا، مثل الدّفتر هذا، لم يكن بمقدوري حرمانه منه. فأعطيته الدفتر وفاجأني عندما بدأ مشروعه الخاص، إذ أعدّ استماراتٍ ووزّعها على المعتقلين، طالبًا منهم الكتابة عن حكايتهم ووصف التّعذيب الذي كانوا يتعرّضون له.
كان "دفتر التّعذيب"، كما كنت أسمّيه، أكثر من كلامٍ على ورق؛ كان تجسيدًا للشّر. كانت قراءة تلك الحكايات عن أناسٍ من خلفيّات، وأعمارٍ، وفئاتٍ مختلفة، ومن مناطق مختلفة من البلاد، تشكل احتضارًا. كان ذلك الدفتر عارًا على أمّتي ودليلًا على الفشل البنيوي لبلدي. وقد عزّز ذلك إيماني بأنّ التّعذيب في البحرين أمرٌ يتخطّى حدود خيالنا بأشواط.
ولم يكن موت معتقلٍ آخرٍ في السّجن أمرًا مفاجئًا. فلم يكن ذلك إلّا مسألة وقت قبل أن يبرهن أحدهم أنّه يضعف عن تحمّل الممارسات في سجون البحرين، بالإضافة إلى غياب الرّعاية الطّبية، وتدهور الأوضاع في سجوننا المزدحمة وميل العنف إلى التفاقم.
لقد أدّى التّعذيب الذي ارتكبه ثلاثة من أفراد طاقم السّجن إلى وفاة حسن الشّيخ. كانوا ثلاثة، ما يعني أنّ الأمر كان قرارًا جماعيًّا: فلم يعتبر أيّ منهم ضرب المعتقلين تصرّفًا خاطئًا، ما يلقي الضّوء على جوٍّ عام يتقبّل التّعذيب. وقد كان أحد الذين عذّبوا حسن الشّيخ محاضرًا مسؤولًا عن إعادة تأهيل مدمني المخدّرات. وإنّ اختياره لشغل مركزٍ كهذا يدل على فشل بنيوي آخر في النّظام.
وقد أقدم ثمانية أفراد آخرين من طاقم السّجن على الإدلاء بشهاداتهم حول تعذيب حسن الشيخ وقتله. وإنّ عدم فعلهم شيئًا لمنع الجريمة أثناء حصولها يشير إلى وجود جو من قبول التّعذيب. ولم يكن باستطاعة المعتقلين الآخرين إلًا الجلوس وسماعه يصرخ حتى الموت.
لن يكون حسن الشيخ الضحية الأخيرة للتّعذيب في البحرين، لا سيّما مع استمرار حلفاء البحرين في الغرب بالإشادة بالـ "إصلاحات" التي أجرتها الحكومة البحرينية. وإنّ مستوى الإهانة، التي أشعر بها كلّما أقرأ تعليقات الحلفاء كالمملكة المتّحدة حول "الإصلاحات"، أسوأ بكثير من الإصابات التي تعرّضت لها في السّجن، ولن تجعل كوابيسي المتكرّرة في اللّيل أفضل.
نيابة عن حسن و80 معتقلًا آخرًا قرأت حكاياتهم، أود طلب معروفٍ منكم: أرجو منكم نشر تغريدات على تويتر أو الكتابة إلى السّيد فيليب هاموند، وزير الخارجية البريطاني، ومطالبته بالتّوقف عن إهانتنا.
11 تشرين الثاني/نوفمبر 2014
- 2024-08-19"تعذيب نفسي" للمعتقلين في سجن جو
- 2024-07-07علي الحاجي في إطلالة داخلية على قوانين إصلاح السجون في البحرين: 10 أعوام من الفشل في التنفيذ
- 2024-07-02الوداعي يحصل على الجنسية البريطانية بعد أن هدّد باتخاذ إجراءات قانونية
- 2024-06-21وزارة الخارجية تمنع الجنسية البريطانية عن ناشط بحريني بارز
- 2024-03-28السلطات البحرينية تعتقل ناشطًا معارضًا على خلفية انتقاده ملكية البحرين لماكلارين