28 يناير يوم محاكمة الثورة: سينزعج الملك، ولن يعجز شيخ علي
2015-01-28 - 5:33 ص
مرآة البحرين (خاص): في التاريخ محاكم عار كثيرة، وقضاة عار كثيرون، اختاروا أن يرتموا في جيفة التاريخ النتنة وفي قعرها الأدون، في حين بقت أسماء محكوميهم الاستثنائيين؛ فلاسفة/ مفكرين/ سياسيين/ معارضين/ أبطال/ إصلاحيين تتردد ناصعة مشرّفة معلّمة تتناقلها الأجيال بامتنان وفخر، كلما حضر اسم واحد من هؤلاء الاستثنائيين تحضر الأسطورة، أما محاكِميهم، فلا يحضر من تاريخهم إلا الخزي.
محاكمة أمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان اليوم 28 يناير 2015 هي محاكمة مجرِمة. الإجرام يعود إلى فعل المحاكمة نفسها لا إلى المحكوم. المجرم في هذه المحاكمة طرفان: النيابة العامة التي تضع التهم، والقضاة الذين يحاكِمون وفقها. فالنيابة العامة هنا لا تنوب عن حقوق الناس كما هو أصل وظيفتها، لا تدافع عنها أو تستردها، بل تنوب عن الديكتاتور الجائر المتسلط على رقاب الناس، هي تضع التهم التي تدين من يزعجونه لتحميه، تهددهم أنهم تحت طائلة يدها، فإذا لم يرتدعوا ألبستهم ما شاءت من جنايات وجرائم. ليس أسهل من تحميل الكلام تُهماً. كذلك القضاة الذين يعيّنهم الديكتاتور لا ليعدلوا، بل ليعدِّلوا له أحكاماً تنال من معارضيه. النيابة العامة والقضاء يعملان على توفير (إزاحة) ذات صيغة (قانونية) لكل من يزعج الديكتاتور أو يقلقه أو يفسد عليه انتشاءاته النرجسية. هكذا يكون الديكتاتور محمياً بالقانون، والشعب مدانٌ بالقانون نفسه، والقضاء مجرم.
ليست محاكمة سلمان هي الأولى في سجل عار النظام البحريني الذي درج على محاكمة الأفكار وتلبيسها ثوب الانقلابات والمؤامرات والخيانات والجرائم الكبرى، وليست الأولى في محاكمته للضمائر والنوايا واتهامها بما لم تنطقه ولم تفعله، لكن يمكننا أن نقول إنها المحاكمة الأخطر، لأنها آخر محطات الرعونة لهذا النظام، مع آخر مساومٍ (ممكن) له على الأرض.
كان الشيخ علي سلمان آخر قيادة لجمعية سياسية معارضة خارج السجن، وآخر من يمكن أن يتحاور معه النظام للخروج بالبلاد من هاويتها السحيقة، فهو يمثل الخط المعتدل الذي يمكن التوافق معه على خطوات إصلاحية، وله قدرته الكبيرة على إقناع القطاع الأكبر من الشارع والتعاطي معه. يعلم النظام أن بديلاً له غير موجود خارج السجن. وباعتقاله يكون قد أودع جميع قيادات الجمعيات السياسية المعارضة سجونه، وقطع الطريق على كل خيار مستقبلي ممكن للحوار والحل. لم يعد النظام البحريني يحتمل بقاء صوت معارض خارج السجن أيا كان مستوى اعتداله. جميع قيادات الجمعيات السياسية الرسمية وغير المرخّصة صارت في السجن الآن، وليس في خارج السجن غير الغليان.
التهم المنسوبة إلى أمين عام الوفاق اليوم، تفضح، أن دعاوى مثل الترويج لتغيير نظام الحكم بالقوة، ليست مرتبطة بالخزعبلات التي ساقتها النيابة العامة خلال فترة الطوارئ لإدانة القيادات السياسية المعتقلة، وثبتها القضاء باصماً. كما تكشف هشاشة ما نظّر له البعض، من أن دعوات مثل " إعلان الجمهورية" و"إسقاط النظام" خلال فترة التواجد في دوار اللؤلؤة هي التي أوقعت (الرموز) في فخ تهمة (قلب نظام الحكم بالقوة). ها نحن نرى الآن وبعد 4 سنوات، ومع إحكام القبضة الأمنية على رقبة البلاد، أن التهمة نفسها قائمة، المتهمون وحدهم يتغيرون، لا فرق بين من طالب بالجمهورية أو المملكة الدستورية، بين من دعا إلى إسقاط النظام أو إلى وثيقة المنامة الإصلاحية، الجميع مهدّد باسناد التهمة ذاتها إليه: الدعوة إلى تغيير نظام الحكم بالقوة. التهمة جاهزة متى ما أرادت النيابة العامة استخدامها، وثابتة متى ما أراد القضاء إدانتها.
لكن ما لا يريد النظام إدراكه، أن المتورط في هذه الخطوة ليس الشارع الذي حسم أمره وهو ماض إليه طال الزمن أو قصر، بل النظام نفسه. لقد قالها المرجع الديني الشيعي المعارض عيسى قاسم للسلطة رداً على اعتقال سلمان: ستعجزون ولن نعجز. لا يراهن على النفس الطويل عند الشارع البحريني إلا قصير نظر، ولا يستخف بصمود هذا الشارع إلا مغرور، ولا يجهل حجم الشيخ علي سلمان في الشارع إلا مستهتر، ولا يعوّل على توجيه سهامه ضد شعبه إلا هالك.
ربما ليست صدفة سعيدة للديكتاتور، أن يكون 28 يناير هو أول يوم من محاكمة خصمه العتيد علي سلمان، الذي يريد التخلص من ازعاجه، فهذا اليوم هو يوم عيد ميلاد الملك الذي يحتفل به ويفرح ويمرح، لكن ثمة ما ينغصّه هذا العام. الأمر ليس كذلك بالنسبة لسلمان الذي قالها عشية محاكمته بكل ثبات وراحة: "مستعد لأن أقضي عمري سجينا من أجلكم".
28 يناير، هو يوم عيد ميلاد الملك، ويوم محاكمة الثورة: سينزعج الملك، ولن يعجز شيخ علي.