علي عبد الإمام: البحرين ما تزال بلدي

2015-02-26 - 7:22 م

علي عبد الإمام، فورين بوليسي

ترجمة: مرآة البحرين

لقد زجّ بي في السجن، وتمّ تعذيبي، والآن جُعلت عديم الجنسية لأنّي تظاهرت ضد النظام الملكي القاسي. لن أهدأ. ولكن متى ستدرك كل من الولايات المتحدة وبريطانيا أنّها تدعم نظام قطّاع الطرق المستبد؟

في 31 يناير/كانون الثاني، كنت أتحدّث من منزلي في لندن مع صديق بحريني في لبنان عن القمع المستمر في البحرين. وإذ برسالة تصلني فجأةً من الواتس آب، تقول: "تمّ إسقاط جنسية 72 مواطنًا بحرينيًا".

فقلت: "أعتقد أنّ جنسيتي أسقطت،" بينما كنت أفتح الرابط. كان يسخر منّي حينما كنت أقرأ اللائحة، باحثًا عن اسمي. ها هو اسمي-عند الرقم 49. كان صديقي لا يزال يسخر منّي. فقلت: "أعتقد أنّ اسمك موجود على اللائحة أيضًا".

توقّف عن المزاح. ها هو اسمه أيضًا-عند الرقم 70.

الآن أصبحت عديم الجنسية نتيجة مرسوم أصدره الملك يأمر بتجريد عشرات الصحافيين، والأطبّاء، والناشطين السياسيين من جنسيتهم. هذا يعني أنّه لا يمكنني زيارة والدتي المسنّة، أو إخواني وأخواتي، أو أصدقائي في البحرين. سأضطر إلى كتابة "عديم الجنسية" في خانة الجنسية من أي استمارة أملؤها. سينظر إلي العالم وكأنّي إنسان فقد شيئًا ما- يفتقد دولة لتعترف به.

هذه الخطوة الأخيرة للملكية البحرينية هي ثمرة جهود بذلتها على مر عقد من الزمن لإسكاتي وإسكات الذين يعارضون حكمها. لقد زجّ بي في السجن مرّتين، وتعرّضت للتعذيب، وتمّ طردي من وظيفتي بسبب نشاطي. وقد تمّ التضييق علي بشكل مستمر من قبل بلطجية النظام، وقضيت سنتين من عمري متخفّيًا. وكأنّ كل هذه الأمور ليس كافية، منحتني السلطات الآن لقب "عديم الجنسية".

جريمتي الوحيدة هي أنّني أسّست موقعًا يدعى بحرين أونلاين، ينشر الناس عليه لحظةً بلحظة تطوّرات الأحداث التي تجري في البحرين، وتنشر منظّمات المعارضة وحقوق الإنسان عليه بياناتها، إذ إنّ الصحف المحلية لا تسمح لها بفعل ذلك. إنّه منبر يمكن لكل بحريني التّعبير من خلاله عن رأيه بشأن الإصلاح، وكيفية تحقيقه. الموقع، الذي انطلق كمدوّنة عام 1998، واتّخذ شكله الرسمي في العام 2003، أخذ يكسب زخمًا عندما بدأ أعضاؤه بالتخطيط لانتفاضة العام 2011-متى يجب أن تنطلق، والمواقع التي سيتجمّع فيها المتظاهرون، والمطالب والشعارات التي سيرفعونها. وفي ذروة عمله، كان موقع بحرين أونلاين يسجّل أكثر من 100,000 دخول يوميًا، وكسب أكثر من 50,000 عضوًا.

ونتيجة لعملي على الموقع الإلكتروني، اعتُقلت للمرّة الأولى في سبتمبر/أيلول عام 2005 واحتُجزت لمدّة أسبوعين، ومن ثمّ قبض عليّ مجددًا في سبتمبر/أيلول عام 2010. وفي المرّة الثانية، تعرّضت للتعذيب وتمّ تهديدي بالاعتداء الجنسي أو الصعق بالكهرباء. طُردت زوجتي من وظيفتها، وتمّ وضعي في الحبس الانفرادي لمدّة شهرين. وأطلق سراحي في في نهاية فبراير/شباط عام 2011، أي في الوقت الذي انطلقت فيه الانتفاضة-ولا أعلم لم فعلوا ذلك. لعلّ الملك ظنّ أنّ الإفراج عنّي وعن ناشطين آخرين سيهدّئ الشارع. ولكنّ أول ما قمت به بعد إطلاق سراحي في الساعة الثالثة صباحًا كان الانضمام إلى المحتجين في دوار اللؤلؤة في المنامة. وكانت لحظة لا تنسى: شعرت بجمال بلدي وشعبي بشكل لم يسبق له مثيل.

إلا أنه لم يكد يمضي ثلاثة أسابيع، حتى عادت السلطات لاقتحام داري مجددًا، واضطررت للتّخفي في البحرين لمدة عامين.

ولم تكن هذه المرّة الأولى التي تسقط فيها الحكومة جنسية مواطنين كوسيلة لإسكات المعارضة السياسية. ففي العام 2012، جرّد النظام 31 شخصًا من الجنسية تحت ذريعة "إضرارهم بالأمن القومي". وقد استهدفت عملية إسقاط الجنسية، في العام 2012 كما في العام الحالي، إلى حدٍّ كبير، ناشطين شيعة وأعضاء في المعارضة. وغالبيتهم بحرينيّون يقيمون خارج البلاد-ولا تستطيع الحكومة زجّهم في السجون، فتستخدم، بدلًا من ذلك، هذا السلاح لمعاقبتهم.

يشمل مرسوم العام 2015 50 شيعيًّا و22 سنّيًّا . والسنّة هم بشكل حصري تقريبًا من الجهاديين: وكثيرون من بينهم-بما فيهم رجل الدين المتطرّف تركي البنعلي-مقاتلون في صفوف داعش. وقد نشر أعضاء آخرون في داعش، أُسقِطت جنسيتهم، صورًا لهم وهم يدوسون جوازات سفرهم بأرجلهم أو يتلفونها، متوعّدين بالعودة إلى البحرين بحد السيف لا بجواز السفر. صاحب الرّقم 35 على اللائحة، سلمان العشبان، نشر  فيديو على اليوتيوب في مايو/أيار عام 2014 يظهر فيه وهو يمزّق جواز سفره.

ومن جهة أخرى، من بين الـ 50 شيعيًا الذين أُسقِطت جنسيتهم، تجد أسماء مدافعين عن حقوق الإنسان وصحافيين، وأطباء، وأساتذة، وبرلمانيين سابقين. وإنّ وضع الحكومة البحرينية أسماء جهاديين في تنظيم داعش جنبًا إلى جنب مع أسماء ناشطين مؤيدين للديمقراطية هي وسيلة لتضليل الإعلام في ما يخص الأهداف الحقيقية من وراء حملة القمع هذه. فيكون جواب النظام الحذق في كل مرة يُسأَل فيها عن هذا المرسوم: "إنّهم إرهابيّون".

تمّ إسقاط جنسيتي بعد ستّة أشهر من تعديل الحكومة لقانون الجنسية، مانحةً لنفسها صلاحية تجريد أي بحريني من جنسيّته إذا فشل في "واجب الولاء" للدّولة. ويواجه الشيخ علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة، محاكمة على خلفية تهمة تهديد أمن البلاد، ممّا قد يؤدّي إلى إسقاط جنسيّته أيضًا.

بدلًا من بدء حوار حقيقي مع المواطنين، تحاول الحكومة البحرينية، بشكل واضح، إسكات الأصوات المعارضة باستخدام القوة الوحشية. وهذا ليس أمرًا جديدًا: عندما بدأ الشعب بالتظاهر في الطرقات في فبراير/شباط عام 2011، كان ردّ الملك على ذلك طلب مساعدة الجيش السعودي، الذي سرعان ما أتى بأكثر من  1000 جندي لقمع الحراك السلمي. ومنذ ذلك الوقت، قُتل أكثر من 100 شخص خلال حملة القمع، وحاليًا ما يقارب الـ 3000 معتقل قابعون في السجن.

لكن على الرغم من جهود الحكومة البحرينية على مرّ سنين طوال لإسكات ناقديها واعتقالهم وقتلهم، فإنّها ما تزال تحظى بدعم كبير من قبل بعض الدول التي تدّعي مناصرة الديمقراطية. عندما انتقض الشعب البحريني، كان وثقًا من أنّ الرئيس باراك أوباما سيدعم وحكومته الحراك المطالب بالديمقراطية والضغط على النظام لتحقيق إصلاح حقيقي- لا سيّما أنّ شعار أوباما كان "صوِّت من أجل التغيير". وبالطبع، لم يأتِ هذا الدعم. وبريطانيا، حيث أنا مضطر الآن إلى الإقامة فيها، هي مدافعة شرسة عن النظام الملكي: قبل شهر من إسقاط جنسيتي، قال السفير البريطاني إنّ البحرين "تحرز تقدمًا، وإنّ قيادتها أظهرت رغبة في مواجهة التحديات على صعيد حقوق الإنسان".

يبدو أنّ الحكومة البريطانية، للأسف، مستعدّة ، أكثر من اللزوم، للتخلي عن مبادئها الديمقراطية مقابل علاقاتها العسكرية مع المنامة. ففي ديسمبر/كانون الأوّل، أعلنت بريطانيا عن افتتاحها قاعدة بحرية جديدة في البحرين، تبلغ كلفتها حوالى 23 مليون دولار أمريكي. وفي الوقت نفسه، يوجد صفقة تقدّر بملايين الدولارات قيد التنفيذ، ستبيع لندن بموجبها طائرات تايفون الحربية وأعتدة عسكرية أخرى للحكومة في المنامة.

وبهذه الصفقات، نجحت البحرين في شراء صمت الحكومة البريطانية. وبصرف بريطانيا النّظر عن الأحداث التي تجري في البحرين،  أبرزت ازدواجية المعايير عند الغرب عندما يكون الأمر متعلّقًا بحقوق الإنسان.

فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، حثّ سياسيّو الولايات المتّحدة وأوروبا البحرين على تعزيز احترامها لحقوق الإنسان ووضع حد لأعمال التعذيب، التي ما تزال تمارس بشكل منهجي. بيد أنّ العزف على وتر قضايا حقوق الإنسان يغضّ الطرف عن المشكلة الحقيقية التي تواجه البحرين: وهي الاستبداد. ما تحتاج البحرين إليه هو الانتقال من الدكتاتورية المطلقة إلى الديمقراطية، حيث يختار الشعب قادته. سأواصل نضالي من أجل هذا التغيير- فالبحرين ستظل بلدي، في نهاية المطاف، مهما قالت الحكومة.

وكما قلت في أوّل تغريدة لي بعد معرفتي بقرار إسقاط جنسيتي: "عندما استيقظت هذا الصباح كنت بحرينيًا، وعند استيقاظي غدًا سأبقى بحرينيًا".

النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus