» رأي
ولاية الفقية: الأكذوبة الكبرى في البحرين
عادل مرزوق - 2011-11-11 - 10:05 ص
الخطر الإيراني وولاية الفقيه، شعار لا يزال النظام السياسي في البحرين مصراً على اعتماده كثيمة رئيسة في خطابه الممانع المتحفظ تجاه إجراء أية إصلاحات سياسية في البحرين. فأطماع النظام الإيراني الحالي المولود من رحم ثورة شيعية وتاريخية، هو ما ترتكز عليه مؤسسة السلطة السياسية في البحرين لتبرير ما اقترفته من جرائم وانتهاكات في حق هذا الشعب الأعزل منذ انطلاق ثورته في الرابع عشر من فبراير الماضي. هذا الشعب الباحث عن إصلاح سياسي حقيقي يطوي معاناته لعقود مليئة بسياسات التمييز، والسخرة، والفرز الطائفي، والقبلي، الفاقع تارة، والمستتر من خلف شعارات الديمقراطية والحرية ودولة المؤسسات تارة أخرى.
يناقش السؤال الرئيس في هذه المقالة حقيقة ما إذا كانت ولاية الفقية في النظام السياسي الإيراني هي السبب الحقيقي لهذه الممانعة والرفض لإجراء أي إصلاح سياسي حقيقي، أم أنها مجرد كذبة أو ذريعة لا حقيقة لها، ولا مضمون فيها. وأن هذا الربط مجرد إدعاء سعت الدولة عبر تضخيمه والتهويل منه إلى الإسئثار بخيرات هذه الأرض، والاستحواذ عليها.
تاريخياً، لم يبدأ الصراع العربي الإيراني في هذا الخليج مع الثورة الإيرانية أو حتى مع بروز نظرية ولاية الفقيه كنظرية سياسية للحكم في أيران أو حتى مع تأصيلها في الفقه الشيعي تحديداً، فجذور المنازعات والصراعات في هذا الإقليم من منطقة الشرق الأوسط أقدم من الإسلام ذاته، فضلاً عن تفرعاته المذهبية والفقهية لاحقاً. ولم تختف الصراعات العربية الفارسية في الفترة التي كان أغلبية الإيرانيين فيها على المذهب السني، بل كانت هذه الثنائية على الدوام قائمة، وبما يشمل الفترات التي كان فيها المذهب الشيعي مذهباً منزوياً - إن صح التعبير - أو غير فاعل سياسياً، ويمككنا في هذا السياق الإشارة الى ما شهدته الفترة الأولى من ولاية الخليفة العباسي المأمون وحتى قيام الدولة الصفوية في إ يران وانتشار المذهب الشيعي فيها.
واليوم، لم تكن ايران "الشاه" مختلفة في صراعاتها عما هي عليه اليوم مع حكم رجال الدين فيها، الفارق الوحيد أننا خرجنا من أن تكون ذريعة مؤسسات الحكم عن القبول بأي إصلاحات سياسية مرتبطة بـ إيران بوصفها "الشرطي الأمريكي" إلى ذريعة ايران بوصفها "ولاية الفقية"، ذريعة خلف ذريعة، توصيف خلف توصيف، وصراع تلو صراع. والفارق الحقيقي هو أن ايران اليوم تعترف رسمياً بسيادة البحرين واستقلالها ما خلا بعض المقالات والتصريحات التي يخرج بها الصف المتشدد من الحكم بين فينة وأخرى. تعترف كما اعترف الشاه ذاته حين قدم اعترافه الرسمي بمصادقة البرلمان الإيراني بإستقلال البحرين بعد رفع التقرير الختامي للجنة تقصي الحقائق الدولية في 11 مايو 1970 برئاسة السفير فيتوريو وينسبير جوشياردي - الإيطالي الجنسية – الذي أقر أن غالبية البحرينيين كانوا مع الاستقلال في حكم عربي، ليُعلن بعدها استقلال البحرين رسمياً في الرابع عشر من أغسطس 1971م.
ومن الواجب أن نذكر في هذا السياق، أن مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية – وهو هيئة حكومية رسمية في البحرين – كان قد قدم إصداراً خاصاً في هذا الشأن تضمن جميع أسماء العوائل والأندية التي قابلتها بعثة تقصي الحقائق، وأغلبية الأسماء الواردة في ذلك الإصدار هي من الطائفة الشيعية.
أيضاً، كان الشاه ولم يكن الخميني تحديداً من أجبر دول الخليج العربي أن ترفع توصيف "العربي" من مسمى "وكالة انباء الخليج العربي" لتصبح "وكالة أنباء الخليج"، ولم يرتبط صراع التسميات بين "الخليج الفارسي" و"الخليج العربي" بالثورة الإيرانية ولا ولاية الفقيه، ولن تنتهي إشكالية هذه التسمية اليوم أو غداً. وعليه، يبدو من السذاجة أن يتم توظيف الصراع العربي الإيراني في الحالة البحرينية اليوم باعتباره حدثاً إقليمياً طارئاً مرتبطاً بولاية الفقيه أو نمط النظام السياسي في ايران، بل إن القبول بهذه الرؤية وهذا التأويل الساذج هو قبول ضمني بنتيجة دائمة مفادها أن أي إصلاح سياسي في أي دولة من دول الخليج العربي لن يرى النور، فالصراع العربي الإيراني كان ولا يزال وسيبقى حالة إقليمية مستمرة تخضع لتوازنات القوى في الإقليم والعالم ككل. ولا يمكن القبول باعتماد هذا الصراع كذريعة ممانعة ورفض لأي إصلاح سياسي في البحرين أو في أي دولة من دولة الإقليم، اليوم أو غداً.
من جهة اخرى، لا تمثل نظرية "ولاية الفقيه" في النسخة الإيرانية الشيعية فارقاً حقيقياً عما تعتمده دول الخليج العربية ذاتها في أنظمتها السياسية القائمة اليوم، فالنظم "الملكية" و"الأميرية" و"المشيخات" في دول الخليج العربي مستقاة من مفهوم ديني مقارب لولاية الفقية في الفقه الشيعي، وهو "ولاية الأمر" أو ما يعرف في أدبيات الفقه السني بـ "الخلافة الإسلامية" وهو مصطلح فقهي سياسي تم التنازل عنه بعد تقسيم الدولة العثمانية ليصبح "ولي الأمر" المصطلح الأكثر رواجاً في أدبيات الفقه السني عوض "خليفة المسلمين".
بل ومن باب أولى ومراعاة لتطور وتحديث الإفتاء السياسي، لنا أن ننظر لـ "ولاية الفقيه" باعتبارها النظرية الشيعية السياسية المتأخرة والمستقاة من الفقه السني الأقدم في تأصيل الفقه السياسي من خلال الفتاوى التي منحت "ولي الأمر" مرتبة سياسية وقانونية ودستورية عليا في هرم الدولة الإسلامية، فكانت لا تجيز لأحد الخروج عليه، أو حتى معارضته ما خلا بعض الاسثناءات كالفجور والفسق الفاحش. وليست أنظمة الخليج السياسية اليوم إلا امتداداً ثابتاً لهذه النظريات التي تتماثل وما أسسته نظرية ولاية الفقيه في النسخة الإيرانية. ولو سبرنا النموذجين "ولاية الفقيه" و"ولاية الامر" فقهياً من خلال الفتاوى الصادرة عن المراكز الفقهية في الطائفتين، أو سياسياً من خلال الصلاحيات التي تحددها نصوص الدستور الإيراني والدساتير الخليجية، لوجدنا أننا نقف عند مفهوم واحد من خلال تسميتين اثنتين.
إن ما خرجت به أدبيات المعارضة البحرينية منذ عشرينيات القرن الآفل هي أدبيات تؤسس لديمقراطيات حديثة، تتضارب وأسس ما ذهبت وتذهب له ولاية الفقية في النسخة الشيعية أو ولاية الأمر في النسخة السنية. ولعل إحدى أهم الدلالات على ذلك، أن رموز حركة المعارضة البحرينية قد تناوب عليها أبناء الطائفتين الشيعية والسنية منذ عشرات السنين، فيما يبقى طرف الممانعة واحداً، وهو مؤسسة الحكم نفسها.
لقد قدمت المعارضة السياسية في البحرين من خلال حراكها إبان الاستمعار البريطاني، وعبر نضالها المستمر للمطالبة بدستور عقدي يؤسس لملكية دستورية على نماذج الدستوريات العريقة، أروع وأسمى نماذج المطالبات الديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط. ولا يمكن في أي حال من الأحوال، تجاوز نخبوية الخطابات ومدنية آليات العمل السياسي التي اعتمدتها المعارضة البحرينية طوال عقود مضت من النضال الوطني المستمر. وهو ما يمثل امتداداً وتأصيلاً لمستوى الوعي الشعبي بقضايا الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والحكم الصالح والشفافية، وكلها مضامين تمثل الركائز الكبرى لخطاب المعارضة، داخل البحرين وخارجها. وهو ما أعطى هذه المعارضة الفرصة السانحة لتكون الصوت المسموع أمام العالم.
*صحافي بحريني