إيمان شمس الدين: هل يأتي التغيير في البحرين من اليمن؟
2015-03-10 - 4:44 م
إيمان شمس الدين*
لقد شكلت التغيرات التي أحدثتها الثورة الإيرانية فارقا زمنيا في التاريخ غير مساراته في منطقة الوعي والإدراك في عقل الأمة، من ثقافة الانهزام النفسي وعدم الاقتدار والمكنة، إلى انبعاث الروح مجددا وإحياء النفوس واستيعاب القدرة والمكنة ومدياتها، والحركة الديناميكية نحو البناء وإعادة دور الفرد والأمة في إدراك الذات وخلق مقومات المواجهة والتمكين.
فأهم ما قامت به الثورة هو العمل على منطقة الإدراك وتغيير مسلماتها ويقينياتها في الهزيمة النفسية، هذا الإدراك لعب دورا في تغيير وجه التاريخ، من العبودية للمستعمر وأنظمة الاستبداد، إلى المواجهة لأجل التحرر من أغلال الانقياد والتقليد.
ورغم تأخر حراك الشعوب عن زمن الثورة لأسباب أهمها الفوبيا القومية والمذهبية منها، مما خلق جدارا كبيرا مانعا لنفوذ معايير ومفاهيم هذه الثورة لقلوب وعقول جموع الجماهير المنهكة والمثقلة بالفقر وسلب الحقوق والقمع والاستبداد. إلا أن تراكم الظلم ولد انفجارا من جهة، وانفتاح العالم على بعضه البعض من جهة أخرى، خاصة مع مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على اختصار الزمن والمسافة ونقلها للصورة والتجربة البشرية في أقل من جزء من الثانية. لفت ذلك العقل لحقيقة تم حجبه عنها نتيجة هذا الجدار العنصري، وأدركت الشعوب بأنها قادرة على الانتقال الحقيقي نحو إدراك الفارق، بإزالة شخصيات مستبدة من الأنظمة والاستمرار في النضال، رغم كل المعوقات، من أجل وعي الذات والنهوض مجددا نحو تحقيق الاقتدار والاكتفاء الذاتي والاستقلال مهما كلفها ذلك من تضحيات.
ونموذجا لذلك ما يحدث اليوم في كل من اليمن والعراق، فرغم محاولات تدمير هذين البلدين، لموقعهما الجغرافي ودورهما الجيواستراتيجي، وثرواتهما المادية والبشرية، إلا أن شعوب البلدين أدركت الفارق ولحظاته المصيرية، وحددت قدرتها ومكنتها للتغيير والنهوض، واستفادت من الثورة الإيرانية في الإصرار والثبات لتحقيق الهدف، وفي الاستقلال وصناعة الدولة القوية العادلة، فكلا البلدين اليوم خليجيا يخوضان عملية تحرير الذات من التبعيات الخارجية والداخلية، ويحاولان مواجهة العقبات الداخلية خاصة بسواعدهم وقدراتهم، ويصران على المضي قدما نحو تحقيق الإنجاز الكبير في التحرر والاكتفاء الذاتي وتحقيق الاقتدار والمكنة.
أن يكون في الخليج العربي، الذي تحكمه أنظمة وراثية، يمن وعراق ديموقراطيين بشكل حقيقي، فإن ذلك يعني تخفيف الضغط على دولة الكويت، الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، من قبل دول خليجية مجاورة، حيث يتم تضييق مساحات الحرية والممارسة الديموقراطية الحقيقية فيها، لخوف هذه الأنظمة من تأثر شعوبها بهذه التجربة وقيامهم بمطالبات تدفع باتجاه الشراكة في الحكم والقرار.
وجود 3 دول ديموقراطية هي الكويت واليمن والعراق، يفتح أبواب التغيير في المنطقة الخليجية على مصراعيها. فإما أن تضطر هذه الأنظمة، حفاظا على سلطتها ونفوذها، إلى عمل تغييرات أولية تتسع فيها مجالات مشاركة الشعوب في المجالس البلدية وترفع سقف الحريات وتعطي مزيدا من الحقوق لشعوبها، أو تضطر لأن تتحول تدريجيا إلى دول دستورية يكون لشعوبها دور محوري في المشاركة السياسية وفي القرار.
هذا الانفتاح يعني المحاسبة والمراقبة على التصرفات وعلى صرف الثروات، أي هو مشاركة للأنظمة في المال والقرار، مما يعني تقليص سلطتها على الثروات ومن ثم تقليص هيمنة الدول الغربية على ثرواتنا وتقليص قدرتها في الاستغلال والسرقة والهدر لصالح شعوبها وتقدمها، ولنبقى متأخرين عن أي ركب خاصري ومنهزمين نفسيا ومنبهرين بهم حضاريا، ونبقى سوقا استهلاكية لبضائعهم، ولا نملك قدرة على الإنتاج والاكتفاء الذاتي.
وإذا أصرت على نفس النهج السياسي، فإن ذلك مع تقادم الأيام، ونجاح اليمن والعراق، وتقدم الديموقراطية في الكويت، سيؤدي لحراكات مطلبية كبيرة تدفع باتجاه التغيير القسري، وهو ما تخشاه دول الخليج والسعودية خاصة.
لأن أول المتأثرين في التحول الديموقراطي في العراق اليوم سيكون البحرين، المنتفض شعبيا منذ انطلاق الربيع العربي في مصر وتونس، والذي تمارس السلطة البحرينية ضد شعبها الثائر كل أنواع القمع والانتهاك، لإطفاء شعلة الثورة، وفي حال اضطرار البحرين تحت ضغط التحولات الديموقراطية في المنطقة وبراغماتية أمريكا التي تتعامل مع الواقع لحفظ مصالحها وضغطها على هذه الأنظمة، فإن البحرين قد ترضح للمطالب وتبدأ شعلة نجاح الثوار والثورة تنتقل للجارة السعودية، خاصة مع وجود مقومات الثورة ومبرراتها في دولة لا يشكل فيها المواطن أي قيمة تذكر.
فالبحرين تشكل عمق استراتيجي للأمن القومي السعودي، وظهرها الخلفي. لذلك المحاولات حثيثة وقائمة على قدم وساق لإفشال الانتقال الديموقراطي في كل من اليمن والعراق، من خلال محاولات التقسيم من جهة، وخلق الفوبيا المذهبية بين مكونات الشعب من جهة أخرى.
لكن اليوم ما لاتدركه هذه الأنظمة أن الشعوب بدأت تدرك الفارق ولحظته الحاسمة، وبدأت تعي ذاتها وقدرتها واقتدارها ومكنتها في إحداث تغيير وإن طال بها الزمن، ورغم الاستقرار الظاهري الهش الذي تبديه مجتمعات هذه الدول، إلا أنه استقرار يشبه النار تحت الرماد، ما أن تهيئ مقوماته وتنطلق شرارة السخط على الواقع أمام المقارنات بينها وبين محيطها من الشعوب التي تحركت، حتى تحدث لحظة الانفجار نحو التغيير.
وهو ما تحاول هذه الأنظمة إما تأخيره أو تقويضه من خلال مؤامراتها ضد شعوب المنطقة، والعمل على الوتر المذهبي والديني، والذي يعتبر من أخطر الألغام التي إن داستها الشعوب ستنفجر المنطقة بأنظمتها.
لذلك التحديات الحقيقية التي يواجهها اليوم العراق واليمن تحديات كبيرة ومصيرية كونها إما أن تحقق وجوده كدولة مستقلة، أو تلحقه بالتبعيات وتقتل حلم الشعوب في الاستقرار والاقتدار والمكنة والاكتفاء الذاتي ومن ثم النهوض بحضارة كل منهما، وهو ما يمكن أن يدخل المنطقة في مزيد من الحروب والرفض مع تنامي قدرات محور المقاومة وإثباته بالتجربة الميدانية قدرة الشعوب على الاستقلال وتحقيق العدالة.
*كاتبة كويتية.