إليوت أبرامز: كيف تخلّى أوباما عن البحرين؟

2015-03-19 - 5:58 م

إليوت أبرامز، موقع فورين بوليسي
ترجمة: مرآة البحرين

ما هو ذلك الصوت الذي يطرق مسامعنا من ناحية البيت الأبيض الذي يتحدّث عن انتهاكات حقوق الإنسان والحكومة الاستبدادية الوحشية في المنامة؟ إنّه الصمت.

في يوم من الأيّام، لم تقم إدارة باراك أوباما بمتابعة الأزمة في البحرين عن كثب فحسب، بل انتقدتها علنًا، بكل صراحة. وكانت السياسة الأمريكية، بشكل واضح، قائمة على ممارسة الضغط للتوصّل إلى مساومة بين الأسرة الملكية السنّية والأغلبية الشيعية في البلاد. في نهاية المطاف، يقع مقرّ الأسطول البحري الأمريكي الخامس في البحرين، ممّا يسمح لها ببسط قوّتها البحرية على طول الخليج، ويقيم 8,500 أمريكيًا تقريبًا هناك. العنف والاضطراب أمران ترغب الولايات المتحدة، بكل وضوح، تجنّب حدوثهما في المنامة.

منذ مدّة طويلة في العام 2011، عندما انطلقت حركة الربيع العربي واندلعت الاحتجاجات في كل أنحاء البلاد، مطالبةً بالمزيد من الديمقراطية وتمثيل أفضل للشيعة، دعا أوباما، نفسه، إلى تحقيق تغييرٍ في البحرين. وفي فبراير 2011، في حين تجمهر عشرات الآلاف من المتظاهرين في دوار اللؤلؤة في المنامة، أصدر الرئيس بيانًا رحّب فيه بالخطط الإصلاحية التي أعلن عنها الملك حمد بن عيسى آل خليفة-التي، للأسف، لم يتم تنفيذها في الواقع-. وأكّد أوباما مجددًا أنّ موقف الولايات المتحدة هو أن ضمان استقرار البحرين يتحقّق من خلال "احترام الحقوق العالمية لشعب البحرين والإصلاحات التي تلاقي طموح جميع البحرينيين".

بيد أنّ الملك ردّ على مطالبة أوباما بالإصلاح بالمزيد من القمع. وفي 14 مارس/آذار، استدعى قوّات من السعودية والإمارات العربية المتّحدة للمساعدة على سحق الاحتجاجات. فاقتحمت آلاف العناصر من قوى الأمن دوار اللؤلؤة في 16 مارس/آذار، وأخلت ساحة الاحتجاج واعتقلت قادته. وبعد ذلك بيومين، تمّ تدمير نصب اللؤلؤة الذي يقع وسط الدوار، والذي بات رمزًا للاحتجاجات، وتمّ إغلاق المكان بوجه عامّة الناس.

وفي أعقاب حملة القمع، اشتدّت لهجة أوباما بخصوص البحرين. وكانت الرسالة جلية: لا بد من أن يعتمد الاستقرار على احترام حقوق الشعب، وليس على القوّات الأجنبية. وعندما ألقى الرئيس أوباما خطابًا هامًّا حول الشرق الأوسط في مايو/أيار عام 2011، كان نقده أكبر للبحرين وسياسة القمع التي تعتمدها، إذ قال: "لقد أكّدنا في العلن والسر أنّ الاعتقالات الجماعية واستخدام القوّة تتعارض مع الحقوق العالمية لمواطني البحرين، و...لا تُذهب خطوات كهذه المطالب المشروعة لتحقيق الإصلاح أدراج الرياح".

وذكر في الخطاب نفسه أيضًا أنّه "لا ينبغي أبدًا تدمير مساجد الشيعة في البحرين"، طارحًا أكثر الجوانب المثيرة للقلق في الطريقة التي حاولت بها الحكومة السنّية قمع الاحتجاجات التي تنظمها الأغلبية الشيعية في البلاد.

وفي خطاب أوباما الذي ألقاه في سبتمبر/أيلول 2011 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تمّ تخصيص فقرة كاملة لهذه الدولة الصغيرة. إذ قال إنّ الولايات المتحدة "ستواصل مطالبتها للحكومة والكتلة المعارضة الأساسية-الوفاق- بإجراء حوار بنّاء يؤدّي إلى تغيير سلمي استجابة للشعب". وأضاف أنّه تمّ تحقيق إصلاحات، ولكن "لا بد من تحقيق المزيد".-وكانت هذه الكلمات بمثابة رسالة واضحة مفادها أنّ النظام الملكي مقصِّر. فالبيت الأبيض لم يكن سيسمح للملك بأن ينجو بفعلته-والرئيس نفسه هو الذي طرح القضية، لا متحدّث باسمه.

ما الذي حدث منذ ذلك الوقت؟ لم يحدث الكثير.

لم تحقّق البحرين إلّا القليل من التقدّم- وازدادت التوترات الداخلية، بدلًا من أن تتقلّص. وقد تمّ رفض كل ما طالب به الرئيس أوباما. ففي يونيو/ حزيران عام 2011، تمّ تأسيس لجنة مستقلّة لتقييم الأحداث التي جرت في الأشهر الأولى من انطلاق الانتفاضة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني، عُرِضت نتائجها على الملك. غير أنّه تمّ تجاهل توصياتها بكل صراحة: ففي العام 2012، أصدر رئيس اللجنة، البروفسور في القانون، شريف بسيوني، "نقدًا شديدًا لفشلها في تحقيق إصلاحات سياسية واجتماعية كبرى" على حد تعبير مارك لينش من جامعة جورج واشنطن.

وقد نسب بسيوني للحكومة بعض الفضل لاتّباعها عددًا من توصياته-مع أنّه عرض فشل المنامة في معالجة المشاكل المتعلقة بالاحتجاجات. إذ قال في مقابلة أُجرِيت معه في العام 2014 إنّه: "يوجد قضايا اجتماعية واقتصادية أساسية جدًا جدًا متعلّقة بالمواطنين الشيعة، التي لا بد من معالجتها، ولم يحصل ذلك". إذ "عندما ينعدم لدى الناس، الذين يعيشون في مناطق محرومة اقتصاديًا ذات كثافة سكانية مرتفعة في بلد معيّن، الأمل برؤية أنفسهم يصبحون سواسية مع المواطنين الآخرين، فإنهم سيثورون".

كما أنّ البعض الآخر أكثر نقدًا. ففي مايو/أيار عام 2014، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا توصلت فيه إلى أنّه على الرغم من الإصلاحات التي وعد بها الملك، "نادرًا ما يتم محاكمة أعضاء قوى الأمن لعمليات قتل غير مشروعة، بما فيها القتل داخل السجون، ولم تحمل بعض الإدانات إلا أحكامًا مخفّفة جدًا".

واعتمدت الحكومة البحرينية أيضًا أساليب جديدة لإسكات أصوات المعارضة. وفي يناير/كانون الثاني من العام 2015، أسقطت جنسية 72 مواطنًا، جاعلة الكثير منهم عديمي الجنسية. وقد ألقت منظمة العفو الدولية الضوء على حقيقة أنّ الحكومة وضعت ناشطين حقوقيين وسياسيين على اللائحة نفسها التي ذكرت فيها أسماء البحرينيين الذين يُدّعى أنّهم انضموا إلى تنظيم داعش للقتال في صفوفه. تحاول الحكومة البحرينية المساواة بين الاحتجاج السلمي والإرهاب.

وفي حين تقوم الحكومة بوصف كل المتظاهرين على أنهم "إرهابيون" يدعمون داعش، يبدو أنّ سياستها الخاصّة تعزّز الشرخ الطائفي. ووفقًا لمقال للناشطة في مجال حقوق الإنسان، آلاء الشهابي، في فورين بوليسي العام الماضي، تقوم الملكية بـ "احتضان وتغذية الجماعات المتطرفة وعقيدتهم التكفيرية لمكافحة "الخطر الشيعي" المزعوم الذي تشكّله الانتفاضة المؤيدة للديمقراطية".

ووفقًا للحكومة، يبدو أنّ التضامن السنّي يزيد الحاجة إلى مواجهة التطرف السنّي. أضافت الشهابي أنّ: "موقف البحرين العام بخصوص الحرب على داعش يتعارض بشدّة مع غياب أي مواجهة في الداخل. وحتّى الآن، لا يبدو أنّه أنه تم إجراء أي محاكمة موثّقة لأي شخص بتهمة الارتباط بنشاط داعش الإرهابي على الرغم من أنّها توعّدت بملاحقتهم ومراقبة نشاطاتهم".

ولم يحدث هذا كلّه من أجل تقديم الورود للمعارضة البحرينية، التي يرى بعض المراقبون أنّها تخلّت عن عدّة فرص للمضي قدمًا. ويحاجج بعض الخبراء في السياسة البحرينية بأنّ المعارضة رفضت العروض التي كانت تقدّمها الحكومة من وقتٍ لآخر في حين كان ينبغي بها الموافقة عليها، وقد اعتادت الاعتبار أنّ المساومة خيانة. ليست جميع الحركات شبيهة بحركة نيلسون مانديلا: فالكثير من قادة المعارضة حول العالم قد يقدّمون احتجاجًا جيّدًا مفاده إنّ قيادة الوفاق، الجمعية المعارضة الأساسية في البحرين، ارتكبت أخطاء تكتيكية.

غير أنّه من الصعب قبول المساومة عندما يكون أفراد عائلتك خلف القضبان، يتعرّضون للضرب، أو يلقّبون بالإرهابيين. وفي حالة الوفاق، فقد تمّ زج زعيمها الشيخ علي سلمان في السجن مجددًا واتّهامه بالتخطيط لقلب النظام وبترويج العنف ضد القوى الأمنية.

وفي ظل تفاقم الوضع في البحرين في السنوات التي تلت عام 2011، ما كان ردّ إدارة أوباما؟ وعقب اللهجة القوية والمطالب التي أعلن عنها الرئيس أوباما عام 2011، ما الذي حدث بعد ذلك؟
الجواب هو: شبه صمت- يرافقه خطوات أوضحت للأسرة الملكية أنّها لن تواجه أي ضغوط أمريكية حقيقية لتحقيق الإصلاح.

وبعد اللغة الصارمة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2011، لم يأتِ أوباما على ذكر الوضع المتفاقم في خطابه في الأمم المتّحدة، بعد عامين، إلّا في جملة واحدة أشار فيها إلى ضرورة بذل الجهود "من أجل حلّ التوترات الطائفية التي ما تزال تظهر في بلدان كالعراق، والبحرين، وسورية". ولا شكّ في أنّ النظام الملكي البحريني لم يكن سعيدًا بمقارنة البحرين بالعراق وسورية، ولكن لم يتم توجيه أي لوم إلى النظام-ولم يُطالب بأي شيء كذلك.

وفي العام 2012، لم يذكر أوباما البحرين في خطابه أمام الأمم المتّحدة، وفي ذلك العام لم يصدر البيت الأبيض إلا تصريحًا واحدًا عن البحرين-من قبل المسؤول الصحفي لا الرئيس. وفيه، ألقت واشنطن تبعة العنف المستمر على كلّ من الحكومة والمعارضة، وحثّت الحكومة "على مضاعفة جهودها المستمرة لتطبيق توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق"، وطالبت بإجراء "حوار حقيقي" وتحقيق "إصلاحات ذات جدوى".

ولكن لا حاجة للتساؤل ما إذا اعتبرت حكومة البحرين أنّ هذه التعليقات في العام 2011 و2012 شكّلت ضغطًا حقيقيًّا. ففي مايو/أيّار عام 2011، شنّت حملة ضد المسؤول المعني بحقوق الإنسان في السفارة الأمريكية في المنامة، لودوفيك هود، فأخرجته على إثر ذلك وزارة الخارجية الأمريكية من البلاد حفاظًا على سلامته. وقالت وزارة الخارجية إنّه: "من غير المقبول أن تقوم عناصر داخل البحرين باستهداف فرد لقيامه بواجباته المهنية". بيد أنّ البحرين لم تدفع أي ثمن.

وخلال شغله لمنصب السفير الأمريكي في البحرين، من العام 2011 إلى مطلع هذا العام، تعرّض توم كراجيسكي لهذا النوع من التضييق أيضًا في الصحافة. غير أنّ كراجيسكي لم يكن سريع الغضب، فقد قال مرارًا وتكرارًا إنّه ألقى تبعة ذلك على غياب التسوية السياسية في البحرين من قبل الفريقين. ولكنّ الحكومة لم تتحمل اعتراف هذا الديبلوماسي فقط بوجود مشاكل خطيرة على مستوى حقوق الإنسان والمستوى السياسي في البحرين، فحرصت على التشهير به في الإعلام. وفي مايو/أيار عام 2013، وافقت الحكومة البحرينية على طرح برلماني يدعو إلى "وضع حد لتدخّل السفير الأمريكي توماس كراجيسكي في شؤون البحرين الداخلية".

ولاحقًا في يوليو/تموز عام 2014، طردت الحكومة البحرينية بالفعل مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون حقوق الإنسان، توم مالينوسكي، بسبب اجتماعه بأعضاء من المعارضة السياسية في البلاد- ويعد هذا العمل فريدًا من نوعه وغير مسبوق من جانب حليف للولايات المتّحدة. ما الثمن الذي دفعته البحرين مقابل ذلك؟ لا شيء.

ويزداد الأمر سوءًا. فما يزال مواطن أمريكي يدعى تقي عبدالله الميدان قابعًا في السجن في البحرين منذ العام 2012. هو متّهم بالقيام بأعمال عنف، وتزعم الحكومة أنّه اعترف بذلك؛ بيد أنّه ينكر هذه الادّعاءات ويقول إنّهم حصلوا على الاعتراف من خلال التعذيب. وقد تمّ سجنه لسنة تقريبًا قبل خضوعه لجلسة محاكمة، ومن ثمّ حكم عليه بالسجن لمدّة 10 سنوات. وفي العام الفائت، أعلن فريق الأمم المتّحدة العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي أنّ المحكمة انتهكت مجموعة كاملة من الحقوق الأساسية والإجرائية ممّا جعل من عملية سجنه انتهاكًا للقانونين الدولي والبحريني.

ما كان رد حكومة الولايات المتّحدة على سجن أحد مواطنيها نتيجة عملية قانونية مشوبة؟ وكما قالت قناة الـ CNN في نوفمبر/تشرين الثاني، "لم تقل الولايات المتّحدة إلا القليل" في ما يخص قضية تقي الميدان. وصرّح المتّحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جيف راتكه أنّ الولايات المتّحدة تتابع القضية عن كثب، وأنّها "أمر يلقى اهتمامًا مستمرًا".

ولو كنت، أنا، قابعًا في سجن دولة أجنبية، لن تبدو هذه الكلمات-"أمرًا يلقى اهتمامًا مستمرًا"-بالنسبة إلي دعوة قوية وحيوية للإفراج عنّي. ومن الصعب التصديق أنّ الولايات المتّحدة غير قادرة على إطلاق سراح تقي الميدان إذا ضغطت بشكل كاف.
تتمتّع الولايات المتّحدة بتأثير كبير على المنامة. وقيامها بسحب مجموعة صغيرة من قوّاتها العسكرية سيكون ذات أثر كبير هناك، وأيضًا لو نقلت-أو أعلنت عن التفكير في نقل-أي جزء من وجودها العسكري إلى خارج البحرين.

ولعّل الأمر الأكثر أهمية هو ظهور صراع كبير، فكلُّ فريق في البحرين يسعى لأـن تكون "روايته" هي الفائزة: إذ تحاجج الحكومة بأنّ الغاية من حملة القمع هي مكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار؛ في حين تحاجج المعارضة بأنّ قمع الدولة للتظاهر السلمي وحقوق الإنسان في تزايد مستمر. ولو أيدت الولايات المتّحدة فريق المعارضة علنًا، وبكل صراحة، فستتأثر نتيجة المحاججة بذلك.

وسيجبر المزيد من الضغوط العلنية الأسرة الحاكمة على التفكير أكثر في المساومات، وتعزيز موقف الذين يطالبون، سرًا، بالإصلاح.

بدلًا من ذلك، لم تلزم الولايات المتّحدة الصمت فحسب في ما يخص انتهاكات حقوق الإنسان، بل أيضًا قامت بتصرّفات لا يمكنها إلّا أن تقنع الحكومة البحرينية بتجاهل أي احتجاجات هادئة تقام. وفي العام 2012، عندما رفض الكونغرس بيع الأسلحة للبحرين بسبب القمع الذي يجري هناك، استعانت إدارة أوبام ابمنفذ لمواصلة بيعها للأسلحة. ووفقًا لتصريح فورين بوليسي، يتعيّن على وزارة الخارجية إبلاغ الكونغرس رسميًا عن أي مبيعات أسلحة قيمتها تفوق مليون دولار أمريكي. واستنادًا إلى مصدر في الكونغرس، قسّمت الحكومة مبيعات الأسلحة إلى أجزاء، بدلًا من الخضوع لعملية الإبلاغ هذه، فكانت قيمة كل جزء من المبيعات تبلغ أقل من مليون دولار أمريكي-وهكذا تجنّبت إشراف الكونغرس عليها.

كان ذلك في العام 2012، أمّا في العام 2013، فقد أعلنت البحرية الأمريكية عن إضافتها خمسة سفن دورية ساحلية إلى قوّاتها في البحرين. وفي العام المنصرم، فقد وسعت إدارة أوباما الوجود الأمريكي في البحرين، بأكثر من نصف مليار دولار، وهو أمر سيرسّخ الوجود الأمريكي في البلاد في العقود القادمة. والآن، ما هي الرسالة التي يحملها هذا الأمر إلى الأسرة الحاكمة؟

كتب رضا أصلان في العام 2013 أنّه: "يومًا بعد يوم، تصبح نبوءة الحكومة البحرينية باندلاع حرب طائفية واقعية أكثر فأكثر. وفي حال حدوث ذلك، - إذا تحوّلت الانتفاضة البحرينية إلى حرب مقدّسة إقليمية بين السنّة و[الشيعة]-لن تتمكّن الولايات المتّحدة من تجنّب العواقب".

وهذه الرسالة تخصّ الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية أيضًا، ممّا يجعل المرء يتساءل إذا ما كان من الفطنة الافتراض أنّ المنشآت التي تمتلكها الولايات المتّحدة في البحرين ستكون متوفّرة، في الواقع-أو أن استخدامها سيكون آمنًا-في العقود القادمة. وفي الوقت نفسه،لا يمكن للسّلطات البحرينية فهم الإعلان عن التوسيع إلا على هذا النحو: الاحتجاجات الأمريكية حول وضع حقوق الإنسان ليست جدّية.

ما كان ينبغي أن تكون الحال كذلك-ما من أحد أجبر الولايات المتّحدة على صرف نظرها عن الوضع المحلّي المتأزّم في البحرين. افترضوا مسارًا بديلًا: افترضوا أنّ مبعوثًا رفيع المستوى، كرئيس العمليات البحرية أو رئيس هيئة الأركان المشتركة، أُرسل إلى البحرين ليقول: "أنصتوا، أنا، شخصيًا، أرغب في توسيع القاعدة. ولكنّ من المستحيل حصول ذلك قبل وضع حد للقمع. وفي الحقيقة، سنعلن أنّه سيتم تقييم إقامة منشآت بحرية في مكان آخر في الخليج التي سيتم توسيعها مستقبليًا لتكون بديلاً عن البحرين، لأنّ وضع البحرين يزداد اضطرابًا. شباب، لديكم مهلة ثلاثة أشهر للعمل على تحقيق شيء ما".

رسالة مماثلة-وإن تطلّب الأمر، بيان رسمي أيضًا بعد أشهر عدّة- سيخلفان أثرًا عظيمًا. وسيجعلان الحكومة البحرينية وداعميها يرون أنّهم يواجهون مخاطرًا؛ وسيحدثان توترًا في مجتمع الأعمال التجارية في البحرين، وربما سيجعلانها أكثر تأييدًا للإصلاح؛ والأهم من ذلك كلّه، أنها ستعطي ، ربما، دعمًا إضافيًا لبعض أفراد الأسرة المالكة الذين يفضّلون التسوية على القمع. ولكن بدلًا من ذلك، تبعث إدارة أوباما رسالة واضحة مفادها أنّ احتجاجاتها الصاخبة ولّت، وأنّ الرئيس لن يأتي على ذكر البحرين، وأنّه بإمكان الملكية أن تطمئن.

وفي الواقع، لا ينبغي لأحد الاطمئنان بخصوص البحرين. فهي في طريقها نحو المزيد من الاضطراب، وتفاقم التطرّف السنّي، واشتداد الغضب الشيعي، والاتّساع المستمر للشرخ الطائفي. لذا، الأسطول الخامس رهينة، وإدارة أوباما تنفق مئات الملايين من الدولارات هناك وكأنّ الولايات المتّحدة ستلاقي ترحيبًا دائمًا. والافتراض المحتمل هو أنّه: في حين ترى أغلبية البحرينيين أنّ الولايات المتّحدة غير مبالية بالقمع وتقف إلى جانب أكثر أفراد الأسرة الملكية قمعًا، سيبدأ الدعم لوجود الأسطول الخامس بالتلاشي. وكذلك سيادة البحرين نفسها، إذ إنّها أشركت نفسها في السجال الإقليمي بين إيران والسعودية.

وفي يوم من الأيام، كانت البحرين موطنًا للمدنية والاعتدال في منطقة الشرق الأوسط. والآن، باتت تشارك الدول المجاورة بأعمالها المنحرفة. ويعدّ هذا الأمر مأساويًّا، وهو، نوعًا ما، نتيجة للسياسة الأمريكية الواهية. وبوضع الشؤون الأمنية-مشاركة البحرين الصغيرة في الائتلاف ضد داعش واستضافتها للأسطول الخامس- فوق كل الاعتبارات، تعرّض إدارة أوباما العلاقة الأمنية نفسها للخطر.

وفي يوم من الأيّام، كانت البحرين أيضًا نموذج عن سياسة أوباما الحسّاسة في ما يتعلّق بحقوق الإنسان. واليوم، يمكن للمرء القول، للأسف، إنّها نموذج جيّد عن كيفية تبخّر سياسة حقوق الإنسان في الهواء.

 

27 فبراير/شباط 2015
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus