» رأي
السيد بسيوني: هذا شعب مخمور بالحرية
عادل مرزوق - 2011-11-21 - 8:27 ص
عادل مرزوق*
لطالما كانت الصورة النمطية السائدة عن الإنسان الخليجي بوصفه العربي المخمور/ المتخلف/ الجاهل/ المهووس بملاحقة النساء، وانفاق أمواله في الملاهي الليلية إحدى شكايتنا الكبرى كخليجيين. صورة نمطية طبعتها في مخيلة الكثيرين سلوكيات بعض الخليجيين المترفين في الأقطار العربية، ولعبت فيها سياسيات اللعب/العبث بالثروات الوطنية وأموال النفط دوراً محورياً ومؤثراً بإمتياز.
أتذكر جيداً مشاهد الصدمات التي طالت قامات كبرى من المثقفين العرب ممن كانت لهم الفرصة في زيارة البحرين لإلقاء بعض المحاضرات الثقافية، وذلك إثر مداخلات النخبة المثقفة في البحرين من أكاديميين ومثقفين وإعلاميين. ولعل في إشادات الكثيرين منهم بنخبوية الحوار مع المثقفين البحرينيين، وعمقه، دلالة على كارثية ورواج تلك الصورة النمطية عن البحرينيين، والخليجيين عموماً.
لست بصدد توجيه أي لوم أو عتاب للإخوة العرب، فخطاب دول الخليج يتبنى هذه الصورة النمطية أيضاً، وتعمل على ترسيخها بكل ما استطاعت من قوة، ولنا أن نراجع الخطابات الرسمية وشبة الرسمية للحكومة البحرينية من بدء الأحداث في 14 فبراير الماضي لقياس مستوى هذا التبني لهذه الصورة وترسيخها، فالرد الجاهز لتبرير ضرورة استمرار الأنظمة الديكتاتورية بحسب ما تروج الدولة وإعلامها: هو أن البحريني لم يصل إلى ذلك المستوى المطلوب من النضج والوعي، ليختار حكومته المنتخبة، أو حتى ليساهم في اختيارها!. وهو ما يشي على أي حال بأن العائلة الحاكمة ومن يختارونهم من مقربي الحاشية، هم الاستثناء الوحيد والمؤهل لقيادة البلاد، ورسم سياساتها، وتخطيط مستقبل أبنائها!. وهذه مقدمة أولى.
المقدمة الثانية، تتعلق بقرب إصدار التقرير النهائي للجنة تقصي الحقائق الملكية المستقلة أو ما عرف بـ "لجنة بسيوني". إذ لا يزال الشارع البحريني ينتظر ويعلق الكثير من الآمال على ما سيتضمنه هذا التقرير، خصوصاً فيما يتعلق بالتوصيات التي من المؤمل أن تفتح للبحرينيين صفحة جديدة من المصالحة الوطنية في البحرين، وذلك بعد أشهر من الانتهاكات الحقوقية والجرائم الأمنية التي تسببت في مقتل أكثر من أربعين بحرينياً بإدارة وتوجيه مباشرين من جانب القوى المتشددة في مؤسسة الحكم.
ليس لي أن أقوم بمصادرة هذا الحلم الجميل للبحرينيين في أن يقوم التقرير بإنصاف هؤلاء الضحايا، وأن يعيد الحقوق المسلوبة لشعب لا يزال يصارع الذل منذ 15 مارس 2011 حتى اليوم. نعم، يتعلق البحرينيون بتقرير لجنة بسيوني باعتبارها المحاولة الأخيرة لتطويق هذه الأزمة، والإمساك بخيوطها. ولأنها الفرصة الأخيرة الماثلة أمام مؤسسة الحكم، لإنجاز مصالحة وطنية تاريخية، تستطيع الانتقال بالبحرين لتحول ديمقراطي حقيقي، غير منقوص.
وإذا أردنا أن نكون واقعيين، علينا أن ندرك حقيقة قارة، وهي أن لجنة بسيوني لم تأت تحت غطاء دولي يهدف لحماية المدنيين البحرينيين من بطش السلطة أو لتحقيق مكاسب ديموقراطية لهذا الشعب، بل كانت بمثابة طوق النجاة والإجراء الوقائي للسلطة من خلال تشكيل لجنة تحقيق بصبغة دولية بهدف السيطرة على توجيه الحراك السياسي في هذه الجزيرة الصغيرة، ولجم مؤسسات الأمم المتحدة عن التدخل في إدارة الملف الحقوقي منذ 15 مارس 2011. إذ أصبح الملف الحقوقي واجهة الصراع بعد أن كان الملف السياسي هو الموضوع الرئيس ما بين 14 فبراير و15 مارس.
ومن باب التقدير والاحترام للمحقق الدولي السيد بسيوني، لابد أن ندرك أنه كان – ولا يزال - مدركاً لتفاصيل ما هو فيه، يدرك دوره والحدود التي يجب أن لا يتجاوزها. يدرك أي الفضاءات هي مفتوحة ليتهمها وليعمل توصياته فيها، ويدرك أي الفضاءات محرمة. يدرك الإشكاليات التي رافقت تأسيس اللجنة وأعضائها، ويدرك زاوية المعالجة لتقريره وحدود التوصيات التي من واجبه الخروج بها. لكننا نسأل: رغم كل ما يمتلكه السيد بسيوني من محصلة علمية وخبرات دولية متراكمة، هل يدرك السيد بسيوني أن المعارضة البحرينية معارضة مليئة بالكفاءات والخبرات التي تستطيع الوقوف أمام أي إخلال بمهنية التحقيق أولاً، ومضمون التقرير لاحقاً. لقد كشفت الانتقادات التي وجهتها المعارضة من خلال مؤسساتها وأنشطتها السياسية والإعلامية للجنة بسيوني ما يكفي من الدلائل والإشارات على أن تقريراً مزيفاً لن يمر من المنامة، وأن المعارضة بما تمتلك اليوم من خبرات وكوادر نخبوية - ساهمت همجية السلطة في تأليفها وتوحيدها - لن تقبل بتقرير يستخف بها، وبهذا الشعب وما قدمه من تضحيات.
من جهة أخرى، وبالاعتماد على ما تحيكه مؤسسة الحكم هذه الأيام من مؤامرات ودسائس – كان آخرها خرافة الخلية الإرهابية في قطر - نجد أن عديد التحديات باتت تحاصر هذا التقرير وتوصياته. ولم يأت إعداد مؤسسات المعارضة للتقرير (الموازي) لتقرير بسيوني إلا لتأكيد أن ما وصلت له هذه المعارضة من نضج ووعي واحترافية في العمل السياسي، هو أكبر من أن يستخف به أحد من داخل البحرين، أو خارجها.
لهذا الشعب الواعي بما يطمح له، تاريخ طويل من العمل السياسي والمطالبة بالحريات والديمقراطية، ترسانته البشرية من السياسيين والحقوقيين والمثقفين والإعلاميين تكفيه ليتعامل مع أي موقف من المواقف. وعليه، على السيد بسيوني أن يدرك بوضوح أن تقريراً لن ينصف هذا الشعب وما تعرض له من ظلم وهمجية وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان لن يمر، ولن يقبل به أحد. وأن لدى المعارضة من العمل المؤسساتي والنخبوي ما يعادل عمل اللجنة، وما يستطيع فضح تقريرها أمام الرأي العام العالمي والمؤسسات الدولية كافة.
ليس المقصود من هذا المقال أن يمارس الضغط على تقرير اللجنة، فالتقرير أُعد بالفعل وتتداوله الآن الدواوين والعواصم المعنية للمراجعة. وليس المقصود أيضاً، أن المعارضة لن تقبل بانتقاد مؤسساتها أو المتظاهرين في دوار اللؤلؤة عامة، ثمة أخطاء في مستوى الخطابات السياسية وفي بعض السلوكيات التي خرجت عن الإطار السلمي جراء عنف أجهزة الأمن. لكنه يريد أن يوصل رسالة واضحة إلى اللجنة والدولة وبلغة واضحة: أنه لا مزيد من التلاعب والعبث بالحقائق ولا قبول بمسرحيات وزارة الداخلية والأمن الوطني المفبركة، أنه لا تبرير لقتل المتظاهرين واستخدام الرصاص الحي والأسلحة المحرمة ضد مظاهرات سلمية، لا تبرير لتعذيب المعتقلين في مراكز التوقيف والسجون وإرسال جثثهم لعائلاتهم، لا تبرير لإرسال الأجهزة الأمنية منتسبيها في ملابس مدنية لإرهاب المواطنين في قراهم وقتل المتظاهرين، لا تبرير للمحاكمات العسكرية للأطباء والمدرسين والإعلاميين، لا تبرير للاستهداف الطائفي عبر الإقالات الجماعية للموطنين، والتحريض والإعلامي، والقمع في النقاط الأمنية، لا تبرير لاقتحام البيوت واعتقال النساء والتحرش الجنسي بهن، لا تبرير لهدم المساجد ودور العبادة واستهداف الشعائر الدينية، لا تبرير للتحريض الطائفي وإشاعة الفتنة الطائفية في البلاد من جانب الأجهزة الرسمية في الدولة.
الذي أودأن أقوله، هو أن على لجنة تقصي الحقائق أن تراجع تاريخ البحرين جيداً، وأن تقرأ من سيرة أبناء البحرين صفحاتهم المضيئة من العمل الوطني التي قاده نخبة أبناء هذا الوطن من أبناء الطائفتين. عليها أن تدرك أن هذا الشعب هو شعب عربي خليجي، شعب مترف في إيمانه بحقوق الإنسان وما توافقت عليه الإنسانية في مواثيقها وعهودها، شعب مهووس بالديموقراطية، شعب مخمور بالحرية.
*صحفي بحريني.