كاميرات السلطات البحرينية: داعش تخدمنا
2015-07-10 - 5:44 ص
مرآة البحرين (خاص): اعتاد البحرينيون على سلطة تستثمر كل شيء لصالح هيمنتها ونفوذها. الأزمات الكبرى محلياً وإقليماً وعالمياً، بدلاً من أن تحولها فرصاً لإحداث تغييرات حقيقية في وضعها المتهالك سياسياً واقتصادياً، فإنها تستثمرها لتُطبِق على شعبها، وتعزز هيمنتها على كل مساحات الدولة.
الميثاق الوطني بدلاً من أن يعزّز الثقة والعقد الاجتماعي بين السلطة والشعب، استُخدم ليطلق السلطات بيد الملك وحده ويسحبها كاملة من يد الشعب. فضيحة تقرير البندر فاجأ البحرينيين -بينما كانوا لا يزالون مغمورين في كذبة المشروع الإصلاحي- بما يخططه النظام وما يمضي إليه من وراء ظهورهم من استهداف الشيعة وتهميشهم والتضييق عليهم. الثورة الشعبية السلمية ضمن ربيع عربي صاخب، كانت فرصة لإصلاح سياسي هادئ في البحرين، وتعزيز المشاركة الشعبية، حولتها السلطة إلى حملة مكارثية كبرى أعادت البلاد أكثر من خمسين سنة إلى الوراء، وأوقعتها في نفق مظلم لا يبدو خروجاً منه حتى الآن. هذا ما اعتاده البحرينيون من السلطة، لم يروا منها شيئاً شاذاً عن هذه القاعدة: خصمي هو هذا الشعب لا أحد آخر، فأنا اغتنم أي فرصة للنيل منه أكثر.
بعد أن توالت التفجيرات الإرهابية ضد الشيعة من قبل تنظيم داعش في السعودية ثم الكويت؛ أماكن العبادة وبيوت الله تحديداً، دبّ القلق بين دول الخليج ومواطنيها وعمّ الاستنفار والاستنكار. البحرين كان وضعها أكثر قلقاً كونها ذات غالبية شيعية. منتمون داعشيون أعلنوا البحرين هدفاً قادماً لعملياتها الإرهابية، ضمن ما أسمته (تطهير شبه الجزيرة العربية من الشيعة).
وسط هذا الوضع المستنفر والمستفزّ، لم يتم الإعلان الرسمي عن القبض على أي داعشي في البحرين، بل كثفت السلطات الاعتقالات في أوساط المعارضة مع استمرار إلصاق قضايا الإرهاب بهم. لم تلتفت لانتحاري تفجير الكويت، الذي عبر مطار البحرين متجهاً إلى الكويت في هذا الوقت الشديد الحساسية، رغم بقاؤه لفترة من الوقت في قاعة الترانزيت. الدواعش غير مشتبه بهم عند السلطات البحرينية ولا يلفتون أنظارها.
بالمقابل، لم ترفع السلطات البحرينية عينها عن مراقبة المعارضة مع استمرار المداهمات والاعتقالات للسياسيين والنشطاء، ولم تتوقف لحظة لأجل التهدئة أو التكاتف من أجل حماية البلاد مما يتهددها من خطر حقيقي، بل بقت كعادتها ترمي في أوساط التداول الإعلامي والسياسي قضايا تجرّم النشطاء وتدينهم، مثل اتهامها لشباب بحرينيين من منطقة دار كليب، بأنهم يخزنّون المتفجرات وأنهم يستهدفون المملكة العربية السعودية.
كما لم تتحرك وزارة العدل لإيقاف خطباء الكراهية الذين يضخون الشحن والتعصب والحقد المذهبي ضد الطائفة الشيعية ويتهمونهم بالعمالة والخيانة والإرهاب، ولم تتوقف لغة التكفير ونفي الوطنية عن الطائفة الشيعية. على خلاف ذلك، أمر وزير العدل شخصياً في 8 يونيو 2015، بإعادة الشيخ التكفيري السلفي جاسم السعيدي إلى منبر الخطابة، بعد أن تم توقيفه لأسابيع، لإهانته الشيعة وتكفيرهم ونعتهم بأقذع الأوصاف. وما تزال وزارة الإعلام ترعى خطابات التحريض والكراهية التي تنشر في صحفها الرسمية، تتهم الشيعة في البحرين عبر مقالات كتابها، بالخيانة والعمالة والصفوية والمجوسية و.... كل هذا لم يتغيّر ولم يُمسّ في البحرين التي يحيق بها خطر داعش من الداخل ومن الخارج اللصيق.
تصاعد القلق في الوسط المجتمعي المحلي، وكما هي العادة في مثل هذا الوضع تكثر الأقاويل والشائعات، كلّها تنبئ بالخطورة القادمة إلى البحرين، ويصبح من الصعب التمييز بين الحقيقي منها أو ما يلعب على التخويفات. السلطة قابلت قلق المواطنين بغطرستها المعتادة وترفعها المعهود. منعت أول الأمر أهالي منطقة (رأس الرمان) الواقعة في قلب العاصمة المنامة، من تفتيش الداخلين إلى الجامع الرئيسي في البلدة إثر انتشار تهديد مجهول بتفجير الجامع، ومن ثمّ استدعت إمام الجامع، لتعلن بعدها على لسان رئيس الأمن العام أنه لا يحق لأحد أخذ أي دور أمني ولو على سبيل الاحتياط.
لكن بعد تفجير الكويت، تغيّر الحال. انتشر الرعب وبات المواطنون يترقبون هجوماً قريباً، حينها اتصل رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، برئيس مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية محسن العصفور، وصدر تصريح تحدث عن تشديد الإجراءات والحماية للمواطنين في مساجدهم وحسينياتهم. لكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
لم تتحرك السلطة لا عبر وزارة العدل ولا وزارة الداخلية لتوفير الحماية، بل باشرت بإجراء فوقي من طرفها دون التشاور مع أصحاب الشأن المهددين بالخطر، قامت بتركيب كاميرات حرارية في مناطق حددتها مثل مسجد مؤمن، وجامع المهزع. الثقة المعدومة بين السلطة والبحرينيين الشيعة تحديداً، جعلتهم يستنكرون هذا الإجراء، فهم يعتقدون أن الكاميرات تم وضعها عليهم لا إليهم، ويرون أن السلطة التي لا تعدم طريقة لمراقبتهم والتجسس عليهم رأت في داعش فرصة مؤاتية للدخول على المناطق الخاصة بالشيعة ومراقبتها، فالكاميرات لن تحمي أحداً لكنها ستراقب. يعتقد المواطنون بأن الأمر سيتحول بهذه الطريقة إلى فرض أمر واقع لمراقبة كل المؤسسات الدينية المستهدفة بالأصل من قبل السلطة.
السلطة البحرينية فرضت كاميرات مراقبتها على أماكن العبادة الشيعية دون أن تشركهم في القرار الذي يخصّهم ويخصّ أماكن تعبدهم. يأتي ذلك في سياق مشحون بالتوتر الداخلي والاستهداف والمراقبة والتجسس على الشعب، وفي سياق فضيحة (جاما) التي كشفت تجسس الأجهزة الأمنية البحرينية على النشطاء والحقوقيين، فكيف يثق الشعب في نية حكومة تشتري أجهزة تنصت على مواطنيها؟
قبل حلول ذكرى وفاة الإمام علي ابن أبي طالب، وانطلاق مواكب مآتم العاصمة، كثرت حوادث من مثل: القبض على أجانب يلبسون ملابس نساء بالقرب من مساجد شيعية، والقبض على رجل ثوبه قصير ولحيته طويلة يشتم الشيعة وسط منطقة الجفير، لا أحد يعرف بعدها شيئاً عن هؤلاء، ليخرج بعدها تصريح من إدارة الأوقاف الجعفرية يطلب من المواطنين عدم الخروج في مواكب عزائية في الشوراع بمناسبة وفاة الإمام علي، وهو طقس ديني يحرص عليه أبناء لبحرين منذ مئات السنين.
أيضاً انعدام الثقة بين الشعب والسلطة، والتعالي الذي تصرّ عليه السلطة في تعاطيها مع الشأن العام، جعل المواطنين يستنكرون هذه الدعوة. أصر المعزون على الخروج بمواكبهم، فيما أُدخلت الشرطة وضباطها وسط العاصمة ليتواجدوا بصورة ملاصقة للمواطنين الذين أحيوا المناسبة، كما تدخلت الشرطة في خط سير موكب عزاء في محافظة المحرق. قد يبدو الأمر طبيعياً لو حدث في مكان يتوفّر على أدنى حد من الثقة بين المواطنين والسلطة، لكن ليس في وسط مشروخ بهذا القدر. فالإجراءات المتخذة يجب أن تعزز الثقة بين الطرفين، وتشعر المواطنين أنهم شركاء فيها، لكن ما حدث في البحرين هي قرارات فوقية تفرضها على الناس، وتأت في سياق حملة أمنية لم تتوقف يوماً واحداً.
باختصار، باتت السلطة تراقب بشكل لصيق هذه المساحة التي لم تكن سابقاً تستطيع النفاذ إليها. أصبحت الداخلية تدير تحركات إدارة الأوقاف وصار باستطاعتها استدعاء مسؤولي أي مسجد أو حسينية ومحاولة التأثير عليهم باللين أو بالتهديد لكي يستجيبوا لما تطلبه وزارة الداخلية.
وزارة الداخلية، طلبت قبل أيام أن يتطوع المواطنين لتشكيل لجان تطوع عبر وزارة الداخلية التي ستقوم بتدريبهم، الأمر الذي قرأت منه مجاميع معارضة، أن السلطة ستقوم بتجنيد عملاء لها لضرب حراك المعارضة عبر هذا المشروع.
لا يثق الشيعة البحرينيون في أجهزة الدولة التي تنكّل بهم بشكل طائفي فاقع، لا أحد يثق أنها تعمل على حمايته أو توفير الأمن له وهي التي هدمت 38 مسجداً ومنشأة دينية لهم ونكّلت بهم وراقبتهم وسجنتهم وعذبتهم وجرّمتهم، بل يرون أنها استخدمت داعش لتعزيز نفوذها أكثر، لتتوغل في مناطقهم الحرّة، لتقتحم مساحات خصوصيتهم التي لم تصلها قبلاً، وكأنها تقول: داعش تخدمنا.