عشية محاكمة جليلة السلمان: هل أوصى بسيوني بمحاكمتي غدا؟

2011-12-10 - 2:50 م


حاورتها- بتول السيد:

خذلنا بعض الأفراد، وصدمنا بهم .. هذا ما قالته صراحة نائب رئيس جمعية المعلمين البحرينية جليلة السلمان بحرقة، ولكن لعل ما أخفته ولم تقله: "خذلنا الوطن"، لأنها لو باحت بذلك، لكانت حرقتها أكبر! حوارها مع "مرآة البحرين" يأتي قبيل استئناف حكمها ورئيس جمعية المعلمين مهدي أبوديب غداً "الأحد". حوار أجري البارحة في منزلها بمنطقة السهلة، والذي اعتقلت منه مرتين أمام مرأى أطفالها، شممت في زواياه رائحة فعلتهم، فتألمت، فكيف بمن حضر المشهد بعينيه!

جلسنا في "الصالة"، ابنها البكر "أمجد" كان يتنصت، واقفاً أعلى السلم ومحاولاً الاختباء، تكشفه أمه كذا مرة، فتخاطبه: أمجد شتسوي؟! ولأنه مريض حينها، ظل يأتي بحجج: أريد دواء، أين الدواء، لم أشرب الدواء ... الخ. ضحكت عليه بداية، ولم أعلم أن الضحك سيفضي إلى بكاء، سألت جليلة: ما حكاية أمجد؟ لترد: هذا حاله منذ اعتقالي ثانية، قلق، يريد سماع كل ما أقوله أو يقال عني! .... صدقت جليلة: هم لا يعاقبونها فقط، بل يعاقبون كل من حولها!      

فيما يلي مقتطفات من الحوار معها، حوار لم يخل من "تنهيدة" لها ما بين فينة وأخرى:

مرآة البحرين: اللافت أن قضية المعلمين لم تعط الاهتمام الكافي - إعلامياً على الأقل - مقارنة بقضايا قطاعات مهنية أخرى. من المقصر أو المسؤول عن ذلك، المعلمون أنفسهم، أم المجتمع و"الناس" عموماً؟


في قضية المعلمين كلا الطرفين مشتركان، المعلمون ظلموا أنفسهم بعدم توحدهم في إبراز قضيتهم، هناك جماعة تعمل لكن كل واحد يعمل بشكل منفرد. نحن أصحاب القضية، ونحن الذين يفترض أن نثبت وجودنا على الساح. عدد المعلمين كبير جداً، هم في كل بيت تقريباً، لكن حتى الناس أنفسهم ومؤسسات المجتمع المدني نفسها لم تعط القضية حجمها المطلوب، وهذا انعكس بوضوح في تقرير لجنة تقصي الحقائق التي ترأسها محمود بسيوني.

المرآة: على ذكر تقرير لجنة تقصي الحقائق، كيف تقيمين ما ورد فيه بخصوص قضية المعلمين؟ 

التقرير أشار إليهم بشكل بسيط جداً، تم التركيز على رئيس جمعية المعلمين مهدي أبوديب  في 3 مقاطع ونائبه جليلة السلمان في مقطعين، أكثر من أعضاء مجلس إدارة الجمعية وبقية المعلمين، مع ذلك لم يشر التقرير لنا بالاسم. أي أن قضية المعلمين اختزلت في اثنين. تمت محاكمة أحدهما 10 سنوات "أبوديب"، وأنا الأخرى بـ 3 سنوات. أعرف شخصيا عدداً كبيراً من المعلمين توجهوا بقضاياهم إلى لجنة تقصي الحقائق، لكن لا نعرف لماذا أهملها التقرير.

أضف لذلك أن التقرير فيه محاباة لوزارة التربية والتعليم، برأ ساحتها ولم يشر إليها، لم يذكر أي من الانتهاكات التي تعرض لها المعلمون. أود الإشارة إلى أنه في أحد الاجتماعات وقف وكيل وزارة مساعد بوزارة التربية والتعليم، ليقول: أي طالب أو معلم تبدر منه أي مخالفة اتصلوا بالشرطة ليأتوا له المدرسة، وكان هذا الاجتماع عام وبحضور مديري مدارس.

المرآة: ما هي أبرز الانتهاكات التي أغفلها التقرير، وتودي التنويه إليها أو كشفها ربما لأول مرة؟ 

استباحة حرمات المدارس بشكل عام، فتح أبواب بعض المدارس لأولياء الأمور والسماح لهم بالتعدي على الطلبة والمعلمين بذرائع مختلفة، والسماح لقوات الأمن المختلفة بالتواجد في المدارس، اعتقال الطلبة والمعلمين في باصات وزارة الداخلية من المدارس بمرأى الطلبة وسخرية بعض المعلمين. بعض المديرات كن يجمعن الطالبات في الصالات الرياضية للمدارس لتأتي قوات الأمن لضربهن، لأنهن مثلا تظاهرن أو خرجن في مسيرة بالمدرسة، هذا بلحاظ أن أول من خرج بمسيرات في بعض المدارس هم الفئة الموالية وبدعم وتأييد من مديري ومديرات المدارس بشكل عام. أيضاً، حينما تخرج مسيرة طلاب يتم فتح بوابات المدارس للخروج، وعند العودة تغلق بوابات المدرسة ولا يسمح بالدخول.

أمر آخر، كان يُطلب من بعض الطلاب بالصفوف ضرب معلميهم إما من قبل قوات الأمن أو من قبل المديرين والمديرات.أذكر أن معلمة باحدى مدارس المحرق كانت في المعتقل بتهمة ضرب طالب صغير، فيما لديها تقارير طبية تؤكد ان ليست لديها القوة لفعل ذلك، وأن الضربة الموجهة للطالب يستحيل أن تكون صادرة منها، فهي مريضة بأمراض مزمنة، وحتى القلم لا تستطيع الإمساك به لمدة طويلة، هي الآن بصدد المحاكمة ومن جلسة إلى أخرى.

من جهة أخرى، هناك الوشايات بين المعلمين أنفسهم، مجرد أن يختلف معك ولو حول أمر بسيط، يبلغ عنك، ويكون كلامه مسموعاً. مديرو مدارس أصبح عملهم مثل الجواسيس يراقبون كل حركة للمعلمين. وفي مدارس البنات خصوصاً، مديرات يقدمن تقريرا يومياً لوزارة التربية والتعليم عن المعلمات "من الطائفة الشيعية" عن كل تحركاتهم وكلامهم، وصل الأمر أن يحقق مع المعلمة: لماذا لم تشاركين بالطابور الصباحي؟ المديرة تحقق معها وتأخذ عليها تعهداً، ويتم الاتصال بالوزارة بهذا الخصوص!

وللأمانة، فإن هذه الاحداث والانتهاكات التي تعرض لها المعلمون تمت في بعض المدارس، لا جميعها، إذ هناك ادارات مدرسية سارت الأمور فيها بحكمة، بعض المدارس مثلا رفضت حتى دخول لجان التحقيق من وزارة التربية المدرسة. 


المرآة: ما رأيك باللجان التي نصبت للتحقيق مع المعلمين بوزارة التربية والتعليم؟


لجان التحقيق في الوزارة لم تستوف الشروط القانونية. المعلم لا يبلغ بموعد التحقيق إلا في وقت ضيق، والتهم غالباً ما تكون غير معروفة بالنسبة له. هيكلية اللجان أيضا غير صحيحة. وكذلك لا يتم إعلام المعلمين اسم من قام بالإبلاغ عنهم، ومن الشهود عليهم، ولا يسمح لهم باحضار شهود نفي، كما أن التحقيقات الإدارية غير قانونية، لأنه يجب أن تكون لها علاقة بالمهنة، في حين كل موضوعاتها خارج المهنة، فالاسئلة تكون عن الانتماء المذهبي والأفكار السياسية وغيرها، ولا صلة لها بالعمل.



المرآة: برزت قضية المعلمين المتطوعين بالمدارس واثير حولها ما اثير من جدل، ما هي رؤيتك بهذا الخصوص؟

بعض المتطوعين في المدارس مؤهلاتهم دون المستوى المطلوب، وتم السماح لهم بتجاوزات غريبة وغير مقبولة، على شاكلة السماح لهم بإحضار أطفالهم أثناء التدريس في الصفوف، ولدينا صوراً تثبت ذلك، تدرس المعلمة وأولادها يجلسون في جهة من الصف الدراسي، وهذا حصل في اكثر من مدرسة.

بعض المتطوعين لا يعرف شيئا عن مهام أو وظيفة التدريس. في إحدى المدارس، المتطوعة طالبة إعدادي "راسبة" تجلس في البيت، في العشرينات من عمرها، ربما ليس لديها شهادة الاعدادية، ورغم ذلك تدرس اللغة الانكليزية للصف الرابع الابتدائي! ومن العجائب أيضاً في إحدى المدارس تم تعيين مدرس رجل كمتطوع في مدرسة للبنات! 
 
المرآة: لماذا غاب المعلمون عن الحديث للإعلام، مقارنة بالأطباء مثلاً؟


الضربة التي تعرض لها المعلمون أقوى من الضربة التي وجهت للأطباء، حجم الأذى أيضاً، وذلك لأن مشاركة المعلمين كانت أكبر، والضربة كانت قوية بحيث إنها فعلا زرعت الخوف في نفوس المعلمين وأفضت لعدم تحدثهم للإعلام. المعلم فقد الاحساس بالأمان في عمله، بيته، وفي أي مكان، لانه صار يمكن أن يحال للجنة تحقيق في أي لحظة، وشاية بسيطة تجلعه معتقلاً. أنا بنفسي سمعت مدارس ومن معلمين يشون بزملائهم عبر الخط الساخن في مبنى التحقيقات الجنائية بالعدلية، كان بيني وبين موقع تلقي المكالمات مسافة قصيرة، كان المتحدث يسأل عن الاسم والمدرسة ومن يود التبليغ عنه ويسجل الأسماء ويسأل عن مذهبهم!

المرآة: ماذا عن المفصولين والموقوفين بوزارة التربية حتى اليوم، ما الجديد بهذا الشأن؟

76 معلما مفصولاً حتى الآن. لعل هذا هو الأمر الوحيد الذي ذكر بالحرف والرقم في تقرير بسيوني، وما ذكر بالضبط مفاده: "أن كثيرا من حالات الفصل كان الدافع اليها الانتقام ممن شاركوا في المظاهرات، وهذا واضح للغاية من حالات الفصل في وزارة التربية والتعليم".

تقرير لجنة بسيوني حدد عدد الموقوفين بـ 96 موقوفاً، هذا العدد نقطة في بحر مقارنة بالأعداد الحقيقية. لقد أخذ التوقيف عن العمل طابعاً روتينيا ودوريا في وزارة التربية، فكل 10 أيام كان يتم إيقاف عدد من المعلمين. الواضح أن سبب ذلك هو الرغبة في تفادي خلو المدارس من المعلمين وتجنب حدوث ضجة ما، ولعدم فتح أعين المنظمات على الأعداد الكبيرة، لذلك كان التوقيف يتم لعشرة أيام، ثم يعود الموقوف لمدرسته كأن شيئا لم يكن. إن أعداد الموقوفين الفعلية تجاوزت الالاف، في الاسبوع الفائت فقط كان هناك 30 معلما تم توقيفهم لمدة 10 أيام.

المرآة: غداً "الأحد" جلسة استئناف الحكم الصادر ضدك وأبوديب، ماذا تأملين أو تتوقعين في هذا الصدد؟

بداية، أحب التذكير بأنني ورئيس جمعية المعلمين مهدي أبوديب حوكمنا في محكمة عسكرية، ولم تتوفر للمحاكمة أدنى الشروط القانونية، لم نتكلم أثناء المحاكمة وحتى محامينا كان كلامه محدودا وبناء على توجيه القاضي. بخصوص الشهود في قضيتنا تحديداً كان هناك شاهد اثبات اسمه (فواز) من التحقيقات الجنائية حسب ما أعلن عنه في المحكمة، وهو المكلف بجمع الأدلة ضد الجمعية. وكان المثير في الموضوع أنه يجيب على كل سؤال يوجه إليه أمام القاضي والنائب العسكري: لا أدري .. كل شي موجود عندكم في الملف، وحينما جئنا بشهود النفي تم تحديد العدد ورفضوا الشهود الخاصين بأبوديب، بعد طلب محاميه.

الاعترافات كلها أخذت منا تحت التعذيب النفسي والجسدي الشديد، وبالتالي يجب إسقاطها قانونياً. حتى الوقت الذي اخذنا فيه للنيابة العسكرية متأخر جداً على ما يسمح به القانون، أنا أخذت بعد 44 يوما للنيابة فيما القانون يفترض 10 أيام كحد أقصى، ونفس الحال بالنسبة لأبوديب.. الفترة الزمنية تبطل الأقوال، ناهيك عن التعذيب، بالتالي يجب أن تلغى الاعترافات.

سبب محاكمتنا هو بيانات الجمعية بالدرجة الاولى، فيما المنظمات الحقوقية والدولية التي حللت البيانات جاءت بنتيجة (وهي ليست سراً)، أنها لا تعدو كونها تعبيراً عن الرأي، لهذا يفترض، وبعد تقرير بسيوني خصوصا، ألا تكون هناك قضية. يجب أن يكون أبوديب بين أولاده وأهله، مضى على اعتقاله أكثر من 8 أشهر.

آمل في جلسة الاستئناف أن ينظر بموضوعية وقانونية إلى كل حيثيات القضية ويتم الأخذ بتقرير بسيوني وما جاء فيه بخصوص التعذيب وحرية التعبير عن الرأي وضرورة تطبيق القوانين الدولية.

نحن كجمعية غير حكومية، القانون الدولي يحمينا في مواضع إبداء الرأي، ويحمي الجمعية من موضوع حلها. في التجمهر السلمي لا أحاسب لأني منتمية لجمعية أو لإبداء الرأي. يفترض أن نكون محميين بتغطية دولية من القانون، لكننا كنا عرضة لاشد انواع البطش كأفراد وجمعية، لا قانون دولي ولا محلي حمانا.

المرآة: أبوديب منذ اعتقاله لم يفارق القضبان، وأنت اعتقلت مرتين قبل الإفراج عنك مؤخراً، بخلاف التعاطي مع محكومين في قطاعات أخرى، لماذا أنتما بالذات؟

هناك استهداف واضح للمعلمين، فنحن ومنذ أسسنا الجمعية كانت وزارة التربية والتعليم تنظر إلينا كعنصر مشاغب، في حين أننا كنا نقوم بدورنا القانوني برعاية مصالح المعلمين. ومع مضي السنوات وتقادم الجمعية بدا دورها يبرز على الساحة. تنامي هذا الدور برز بوضوح أثناء الاحتجاجات. نحن كأعضاء بالجمعية لا نتجاوز ألف معلم، لكن من شاركوا في الاحتجاحات يتعدى تسعة آلاف معلماً.

هم يعتقدون أن الوجود العددي الكبير للمعلمين بسبب الجمعية، لذلك نحن مستهدفون، في حين أن السبب هو قناعات المعلمين كأفراد والعاطفة الجياشة لهم في تلك الفترة وبسبب الرغبة بحياة أفضل.

أيضاً، الإعلام الرسمي هاجم أبوديب منذ بداية الأحداث، خلق رأيا كبيرا مضادا له خاصة عبر تلفزيون البحرين، لهذا فقد كان أبو ذيب يتعرض للصراخ والاهانة بمجرد معرفة اسمه حتى في المحكمة، عاش لمدة 65 يوما في حبس انفرادي، وكانت آثار التعذيب واضحة جدا عليه يوم محاكمته.
 
المرآة: هل توقعت الحكم الصادر بحقكما، أم كان "مفاجئاً"؟


حينما قابلنا لجنة بسيوني في المعتقل، سألت رئيس فريق المحققين "خالد أحمد" عن رأيه في قضية المعلمين، قال لي: (بيني وبينك انتو ما عملتوش حاجة، مجرد مخالفة إدارية). ولهذا تفاءلت كثيرا بقناعة كبير المحققين في اللجنة، لكن كانت نتيجة الحكم مختلفة جداً!

جمعية المعلمين البحرينية منظمة أهلية في المجتمع، أعضاؤها منتخبون، تدافع عن حقوق منتسبي المهنة. اعتمدت البيانات لعدم وجود قناة اتصال واضحة مع وزارة التربية والتعليم في تلك الفترة.

المرآة: الاتهامات مقابل الإنجازات، كيف هو وضع جمعية المعلمين في هذا الإطار؟

العنوان الرئيسي لتهمنا هو سوء إدارة جمعية المعلمين واستخدامها لأمور عدة تنطوي عليها بقية التهم. بفضل جهود جمعية المعلمين حققت ثلاث زيادات لرواتب المعلمين خلال سنتين فقط، وهذا ما لم تحققه اي جمعية مهنية في البحرين. نحن حركنا موضوع كادر المعلمين وسعينا لتصحيح مساره، وكنا نناقش كل ما نريد بحرية مع وزارة التربية عبر لجنة يرأسها وكيل الوزارة، صحيح أن النتائج لم ترق لطموح المعلمين، لكننا سعينا لتطوير اوضاعهم.

كما استحدثنا برنامج التدريب المستمر للمعلمين، يقدم دورات لكل معلمي البحرين بدون استثناء وبمبالغ رمزية جدا، لأن هدفنا الأول هو الارتقاء بالمعلمين. أضف لذلك اننا على مستوى محلي ودولي وعلى مستوى الخليج واليونسكو واتحاد المعلمين العرب والاتحاد الإسلامي للمعلمينأاعطينا صورة مشرفة جدا عن ماهية المعلم البحريني.


المرآة: هل من جهة خذلتكم؟

لن أقول جهة، بل سأقول أفراداً .. صدمنا بهم .. ولن أزيد.

المرآة: مشاعرك اليوم، كيف هي؟

أنا الآن لست خائفة من شيء، بقدر خوفي من ترك أطفالي، هم صغار بحاجة لي. لحد الآن لا أشعر بالءمان، لاسيما بعد الاعتقال الثاني، صرت "أحاتي"، وصعب علي أن أنام الليل، لا أريد ترك أولادي، وهم أمجد الابن الاكبر عمره 11 سنة، نوراء 9 سنوات (لديها ورم في رجلها، وهناك مخاوف من أن يتحول لورم خبيث)، وحوراء 6 سنوات.إنهم يعاقبون أهلي وكل من حولي ينالهم العقاب، لست أنا فقط!

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus