هدم محراب مسجد الشيخ عزيز... مرحباً بكم في "داعش" فرع البحرين
2015-08-23 - 3:46 ص
مرآة البحرين (خاص): لغاية شهر يوليو/ تموز الماضي كان بوسع المواطنين الشيعة في البحرين ارتياد مسجد الشيخ عزيز الذي يقع وسط تقاطع يصل المناطق الغربية من البلاد بتلك الواقعة جنوبي العاصمة المنامة، للصلاة والتبرك. يمثل مساء يوم السبت تقليداً اجتماعياً قديماً لالتقاء المصلّين الشيعة في هذا المكان الذي يقال إنه يحوي ضريح أحد الأولياء وهو الشيخ عزيز البحراني الذي عاش في أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر الهجري.
لكن هذا الشهر أغسطس/ آب قررت السلطات التي تقود حملة منذ العام 2011 على شعائر الشيعة أدت - بحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق - إلى هدم 34 مسجداً لهم، قررت وضع حدّ لذلك.
أظهرت صور الأسبوع الماضي عدداً من العمّال الآسيويين بالسقّالات وهم يقومون بهدم محراب المسجد ويستبدلونه بجدار عازل من الطوب "الطابوق". ونقلت مواقع إخبارية عن إدارة الأوقاف الجعفرية التي يتم تعيينها بمراسيم من ملك البلاد بأن "إزالة المحراب هي بقصد تحويل المسجد إلى مزار للتبرّك" وهذا يعني منع صلاة الجماعة التي تمثل تقليداً يعود إلى تسعينات القرن الماضي.
لقد أدى هدم محراب المسجد الذي يعود بناؤه الحالي إلى العام 1977 إلى استعادة الذاكرة المتعلقة بقصص هدم المساجد الشيعية خلال الفترة التي أسميت "السلامة الوطنية" مارس/ آذار وأبريل/ نيسان 2011 والتي يقول محامون إنها تسمية مخففة - لكنها أسوأ - لحالة "الطواريء". فيومها شاهد البحرينيون الكسارات وآلات الحفر تقوم برفقة عربات الشرطة بإزالة الأضرحة والمساجد المملوكة للوقف الشيعي. فيما استغلّ عدد من عناصر الأمن الفرصة للتوقف عند ركام المساجد لالتقاط صور "السيلفي" ورفع شارات النصر.
ويقول المحامي عبدالله الشملاوي إن "تحويل مسجد شيخ عزيز لمزار فقط هو إتمام لجريمة هدم مساجد الشيعة أيام الأحكام العرفية"، مستدركاً "لكن هذه المرة بنيران يفترض أنها صديقة".
يغمز الشملاوي من قناة إلى إدارة الأوقاف الجعفرية. يترأس رجل الدين الشيخ محسن العصفور، وهو قاض شرعيّ جرى عزله في وقت سابق من قبل الملك، بعد ثبوت تورطه في قضايا فساد عديدة، حالياً الأوقاف الجعفريّة. وقد جيء به من "عزلته" بمرسوم ملكي آخر لتولّي عمليّة تقليم أظافر الشيعة على الجبهة الدينيّة، استكمالاً للعمل الذي تقوم به مؤسسات الدولة الأخرى، وخاصة وزارة الداخلية، على الجبهة السياسيّة.
وليس غريباً لذلك، تواجد قوّات الأمن لحظة هدم محراب المسجد وتصديها لاعتصامات المصلين السلمية التي انطلقت مستنكرة ذلك. وكذلك قيام وزارة الداخلية باستدعاء العديد من المشاركين في هذه الاعتصامات. ويوم أمس (21 أغسطس/ آب 2015) قام مركز شرطة الخميس باستدعاء أفراد العائلة التي تتولى القيومية على هذا المسجد منذ سبعينات القرن الماضي، الحاج سلمان أحمد علي ناصر وأخيه، للتحقيق معهما وتوقيعهما على تعهدات.
تقوم إستراتيجية العصفور على محورين: أولاً، إعادة تركيب سرديّات جديدة للمقامات والأضرحة على خلاف تلك التي استقرّت لسنوات في أذهان الشيعة. وثانياً، الاستفادة من قبضة الأمن في فرضها والتعامل معها كحقائق. وقد علّل قيام السلطات بهدم المسجد المعروف بـ"البربغي" في خلال فترة الطواريء بالقول إنه "لا يوجد دليل على شرعية وقفية مسجد بربغي وليس له أي جذور تاريخية". وهو يتبع نفس الأسلوب مع مسجد الشيخ عزيز.
تصميم لمشروع "جامع الشيخ عزيز" نشرته الأوقاف الجعفرية 2014 |
إن مطالعة النبذة التعريفيّة لمسجد الشيخ عزيز المنشورة على صفحة "الأوقاف الجعفرية" التي يترأسها، تعطي مثالاً جيّداً لعمل هاتين الإستراتيجتين. فالنبذة تركز على أن المسجد عبارة عن "مقام لشخصية مجهولة الهوية، ليس لها ذكر في كتب تراجم علماء البحرين". وتضيف بأن "ما ذكر عنه (الشيخ عزيز) مجرد قصص وكرامات يحكيها بعض أهل تلك المناطق، (لكن) يبقى غير معلوم: من هو وما نسبه؟"، على ما يرد نصّاً في صفحة الأوقاف الرّسميّة.
إنّ وضع سرديات جديدة لأحداث سابقة هو عمل فكري له فرع في العلوم التاريخية يدعى "إعادة كتابة التاريخ". لكن حين تتصدّى قوات الأمن لأمر حراسة هذه السرديّات الجديدة وفرضها قسراً - مثل هدم المساجد أو المحاريب - فإنها لا تعود كذلك؛ بل تصبح عملاً من "أعمال السلطة". الحقيقة أن العديد من رجال الشيعة لديهم تحفظات هم أيضاً على مدى واقعية تلك القصص التي تنقل عن هوية صاحب ضريح الشيخ عزيز. لكن الفرق بينهم وبين رئيس الأوقاف الجعفرية المعين هو أن الأخير يستخدم "عصا" الشرطة الغليظة لتنزيلها كحقائق واستغلالها في التضييق على الشيعة.
ومن هذا المنطلق يمكن أن تُفهم جميع عمليّات الهدم والتفجير التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي "داعش" في العراق والشام للمقامات والمساجد السنية اعتماداً على فهم جديد؛ إما لتاريخها أو لدورها في حياة المؤمنين.
في يناير/ كانون الثاني 2014 أعلن رئيس الأوقاف عن مشروع لإعادة بناء مسجد الشيخ عزيز وتحويله إلى "مركز الشيخ عزيز الإسلامي". ووزع على الجرائد صورا ومخططات هندسية لما قال إنها "تصميمات ستحول المسجد إلى تحفة إسلامية معمارية تحمل الطابع الهندسي الإسلامي العريق ممزوجاً بالتصاميم الهندسية الابتكارية التي تتناسب مع أجواء التسامح والتعددية والحريات الدينية". لكن بعد نحو العام ونصف العام من هذا الإعلان، وبدلاً من رؤية معالم للبدء في إنشاء المشروع الجديد، فقد قامت السلطات بهدم محرابه. وتحوّل مسجد الشيخ عزيز الذي لم يكن يصدر منه أي نشاط سياسي إلى حافز لإقامة التظاهرات وتجديد المشاعر المؤلمة المتعلقة بهدم المساجد.
إذا كان هناك من عنوان لسيادة التشدد في العالم الإسلامي في هذه المرحلة فهو "هدم المساجد". يمثل هدم المساجد أو محاريبها استبدال "سلطوي" لحقيقة دينيّة بحقيقة أخرى. تفعل هذا "داعش" والسلطات البحرينية على السواء. كله على اسم الله!