» رأي
الملك يتحدى الحركة الاحتجاجية
عباس بوصفوان - 2012-01-15 - 3:11 م
عباس بوصفوان*
سبق للملك حمد بن عيسى آل خليفة أن تحدث إلى شعبه وفي يده السيف، (خطاب العشر الأواخر من رمضان)، وسبق له أن قال أن الديمقراطية في البحرين لم يحن وقتها (خطاب افتتاح البرلمان).
في هذه المرة (خطاب 15 يناير 2012)، ينطلق الملك من تقييمه للحالة السياسية في البلاد، المضطربة صحيح، لكنه يعتقد أن الحركة الاحتجاجية في وضع لا يأهلها لتكون في خانة المنازعة على السلطة، كما في فبراير ومارس 2011، كي يكون مجبرا لتقديم تنازلات ذات مغزى.
في الدواخل ينزع الملك للدكتاتورية، لكنه رجل سياسة أيضا، وإذا اضطره الوضع لتقديم ألف دينار عطية للناس (فبراير 2011)، أو الذهاب "زاحفا" إلى معقل الحركات الاحتجاجية في سترة (2001)، كي يحصل على دعم أبنائها في التصويت على الميثاق، فإنه سيفعل.. كما أنه لن يتردد في الاعتذار علنا عن قتل العزل (15 فبراير 2011)، أو تقديم مبادرة ولي العهد التي تتسم بالأهمية (مارس 2011).
إذا، فإن الأوضاع تحكم القرار، لا النوايا الإيجابية تجاه الشعب. ذلك أن الملك ليس إصلاحيا بطبعه، وليس رجلا توافقيا بطبعه، إنه ميال لـ "التطهير"، كما يتضح بجلاء من تركيبة المؤسسة العسكرية التي أسسها، والتعيينات في السنوات العشر الأخيرة، وعموم السلوكات التي عرى جانبا منها تقرير البندر الشهير.
وإذ يتجاهل الملك في خطابه الأخير مطالب القوى الوطنية المعارضة، فإنه ينطلق من قراءة، يجدر التنبه لها، والتصارح بشأنها، وإن أزعجت جمهور 14 فبراير.يرى الملك أن الحركة الاحتجاجية لم تخمد، مازالت مزعجة، وتسبب الأذى سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وتسوّد صورة الحكم الخليفي على المستوى الدولي، لكن الملك يرى أيضا أن ثورة اللؤلؤة على طريقة منتصف فبراير ومارس الماضيين، والتي كانت تهدد النظام وتشل العاصمة، قد أجهضت.
وهو يرى أن التظاهرات الراهنة غير قادرة على زعزعة السلطة، التي قد تتحول مع الوقت إلى أشبه بحراك التسعينات، المحصور في القرى والمناطق السكنية، المزعج للسلطة والمؤذي للاقتصاد والمسيء لهيبة الحكم والمشكك في شرعيته، لكنه غير القادر على اسقاط النظام.
وسواء تم الاتفاق مع هذا التحليل أم لا، فإنه يبقى مهما، لأنها قراءة الخصم للثورة. وبالتالي يجدر التعاطي مع هذه القراءة على نحو جدي، من قبل الأطراف المنخرطة في حراك 14 فبراير، التي يتوجب عليها الإدراك أن هذه القناعة قد تكون تسللت أيضا إلى الدول الغربية والإقليمية، التي يمكن أن تساهم في الضغط على الحكم لتصحيح بعض الأوضاع، لكنها قد لا تكون مضطرة الآن وعاجلا.
كما يبدو أن فكرة انحسار التظاهرات قد تسللت إلى القطاع الإعلامي، بما في ذلك الوكالات الإخبارية الرصينة، مثل رويترز والفرنسية والألمانية، التي تشير عادة في تقاريرها، المحايدة عموما، إلى أن السلطة قمعت في منتصف مارس اعتصامات دوار اللؤلؤة الحاشدة، وحجمتها.
وتدرك مجمل القوى الدولية، والجهات الإعلامية، أن الحركة مستمرة لكنه ذورتها قد يكون تم بلوغها في مارس الماضي. وصراحة، فإنه يجدر بالقوى السياسة والشبابية أن تسأل نفسها عما يتوجب فعله لتكون السلطة مضطرة للنظر في مطالب قوى المعارضة.
وبالعودة لتحليل الأرضية التي ينطلق منها خطاب الملك، فإنه من دون شك، أن الرجل يذهب في معاداته للآخر إلى اتباع سياسة حافة الهاوية، وحتى قطع شعرة معاوية. في الذهنيات العقلانية، فإن السلطات تصحح ما أمكنها من سلبيات تفاديا لتفاقمها، بيد أن سلوك الملك حمد في السنوات العشر الماضية، وهو في عز حضوره الشعبي، ذهب في اتجاهات أساءت كثيرا لتجربة البحرين التاريخية، كما لم يفعل أي حاكم خليفي آخر، وهذا سبب الهبة الشعبية غير المسبوقة التي انطلقت قبل نحو عام، ومازالت مستمرة.
وينصح الكثير الملك، حتى وهو يعتقد أنه قادر على احتواء الداخل، بل لأنه يرى الوضع بهذه الطريقة، يتجه لإصلاح حقيقي يقي البلاد شر الأخطار.النصحية تلك جدية، وببساطة لأن الملك غير قادر على التحكم بمساحات كبيرة من الأوضاع، داخليا وإقليميا: قد يتوفاه الله في أي وقت، أو قد يرحل ولي عهده أو رئيس وزرائه، وقد يرحل الأمير نايف آل سعود أو الملك السعودي عبدالله، وقد يكون هذا الرحيل متتاليا ومباغتا.. هذا، في أقل الظروف، وقد يحدث ما هو أخطر.
ودعني أذكر الملك بأن أحداث فبراير لم تكن متوقعة أصلا قبل عدة أسابيع من حصولها، حتى رحل بن علي ومبارك بصورة مفاجئة.ولعل الملك عاش مرحلة صعبة، وصلت حد الهلوسة، خصوصا وهو يحضر تجمع الفاتح عبر طيارته الخاصة.. ويمكن مراجعة أهل الفاتح الذي راقبوا الحدث في فبراير، والذين رثوا حال الملك حينها.
إذا، وفقا لقراءة الملك، فإن الأوضاع ـ إجمالا ـ تحت القبضة العنيفة، وهذا يستدعي مواصلة المضي في الخيارات الأمنية القمعية والتطهيرات والعقابات الجماعية.. على أمل أن يحل 2014، وتكون الحركة الاحتجاية قد أرهقت وتم استنزافها، ويتم إجراء انتخابات جديدة، ولا يكون الشيخ خليفة بن سلمان أحد عناصر المشهد.
وحتى إذا اضطرت الدولة الذهاب إلى طاولة حوار، فإن لديها نقاط ولي العهد السبع، وسيسبق ذلك ويليه تهديدات وبروفات لعنف ميليشوي وبلطجي، خصوصا في نقاط التماس (بني جمرة/ البديع، در كليب/ مدينة حمد، أحياء المحرق المتداخلة، سماهيج والدير/ قلالي والبسيتنن).
أمام مشهد كهذا، تبدو الأوضاع آخذة في التصاعد، لأنه لا شيء سيجبر الناس على العودة إلى بيوتها. ولعل الحركة الاحتجاجية مجبرة للذهاب إلى ما هو أكثر من التعاطي الراهن، دوليا وميدانيا، ذلك أن الملك يتحداها في خطابه المتعالي على واقعه المأزوم.
*صحافي بحريني.