ما رأيته في القلعة آلمني كثيرا.. يوسف قدرت لمرآة البحرين: أمضيت الوقت مع المعتقلين السياسيين واندهشت لصمودهم

2012-02-01 - 10:44 ص


مرآة البحرين (خاص): التقت مرآة البحرين بنائب رئيس جمعية الإخاء الوطني المعارضة يوسف قدرت، الذي اختطف من مقبرة المحرق أثناء تشييع الشهيد يوسف موالي من قبل رجال ملثمين يتبعون وزارة الداخلية، ثم عثر عليه بمركز شرطة المحرق ليفرج عنه في اليوم التالي.

وقدم قدرت عبر (مرآة البحرين) شكره الخاص إلى المصور الذي قام بتسجيل فيديو اختطافه، وأثنى عليه كثيرا، وأشار إلى أن أكثر ما أثر فيه وآسفه هو دخوله مبنى وزارة الداخلية (القلعة)!

فيما يلي اللقاء الذي أجرته مرآة البحرين مع يوسف قدرت.

مرآة البحرين: بداية، كيف كانت خطة التشييع؟

قدرت: كان الأهالي والناس غاضبين ومتحمسين وأرادوا أن يكون تشييع الشهيد مهيبا، ويليق بمقامه، بعد الظلم الذي وقع عليه، فقد اختطفوه وقتلوه وألقوا جثته في البحر ظلما.
رغبة أهله ووالدته كانت أن ينطلق التشييع من مأتم كريمي إلى مقبرة المحرق، لكن الداخلية لم تأذن بذلك رغم دخولنا في مفاوضات معها. في النهاية قررنا أن نخرج بالجنازة من الباب الجنوبي للمقبرة جهة جامع كانو، ثم نسير حوالي المقبرة حتى ندخل من الباب الآخر.


مرآة البحرين: ما الذي حدث خلال التشييع؟

قدرت: قبل أن ينتهى من تغسيل الشهيد، كان الشباب المتجمعون خارج المغتسل يرفعون شعارات غاضبة. خرجت لأهدأهم، وقلت لهم إننا نريد أن يسير التشييع في أمان، وطلبت أن يخففوا من حدة الشعارت ويركزوا على مظلومية الشهيد.
بدأت الشعارات تتغير وكان الشعار الأبرز "بالروح بالدم نفديك يا شهيد". أحضرت السماعات وانطلقت مسيرة التشييع الكبيرة التي قادها الرادود مهدي سهوان وكانت الشعارات منضبطة. تحركنا من المغتسل قاصدين الباب الجنوبي حتى نخرج من المقبرة في خط السير المقرر.
ونحن نسير خلف الجنازة، جاءنا شباب وقالوا إن مجموعة (سموهم بلطجية) أغلقت الباب حتى تمنع خروجنا. أسرعت أنا وبعض القيادات السياسية بالذهاب للباب، لتفادي أي اصطدام بين الشباب وبين هذه المجموعة. 
التقيت بهذه المجموعة وسألتهم "لماذا تغلقون الباب؟" وأخبروني أن لديهم جنازة، قلت لهم "أين هي وأين المشيعون؟" فقالوا "في الطريق" ترحمت عليه، وقلت لهم نحن جنازتنا جاهزة، دعونا نخرج بها حتى تصل جنازتكم. 
أحد الأشخاص (الذي قاد المجموعة على ما يبدو) غضب كثيرا وقال "لا، لن ندعكم تخرجون" قلت له "على أي أساس، بصفتك من، هل تمثل أحد؟ 
 
هل لديك أي سند قانوني؟" فرد علي صارخا "لا، فقط لن ندعكم تخرجون"
الشباب المشيعون كانوا غاضبين وفي هياج، وصلوا إلى الباب وكان يهزونه إلى أن فتحوه. الأفراد الذين أرادوا منعنا أقاموا سلسلة بشرية وصنعوا حائط صد لمنع خروج المسيرة!
قلت لهم "هل ستستطيعون أن تمسكوا هذه الآلاف؟" ثم أخذتهم أنا وزملائي من أيديهم ونحّيناهم عن الطريق بكل ود، بل قبلت رأس أحدهم طالبا منه الابتعاد والهدوء. 


مرآة البحرين: ماذا حدث إذا حين خرجت الجنازة؟

قدرت: في هذه الأثناء خرجت الجنازة مع جزء من المشيعين. فجأة ظهر لنا رجال الشغب من خلف جامع كانو، ومباشرة أطلقوا علينا قنابل الغاز بشكل كثيف وعشوائي. ذهبت قريبا من الشغب وكان الهواء معاكسا عليهم وعلي. سألتهم بصعوبة أين الضابط؟ فصرخوا في وجهي "امش، ابتعد"
المشيعون الذين خرجوا فعلا ركضوا بالجنازة بعيدا ومشوا مع سور المقبرة، لكن الطلق يبدو أنه وصلهم ومنعهم من التقدم أكثر، فقرروا تمرير الجنازة إلى المقبرة عبر السور، كما أوضحت لكم الصور.
ذهبت مسرعا إلى داخل المقبرة، وقد عمها الهياج والصراخ، والناس تتفرق فيها. حاولت أن ألمهم وأهدأهم، لكن الغريب أن قوات الشغب اقتحموا داخل المقبرة وواصلوا في الإطلاق علينا. كان الوضع مخيفا جدا وكان صياح النساء مرتفعا.
ذهبت للأمام وكنت أفكر ماذا أستطيع أن أفعل؟ كان الشباب يقاومون قوات الشغب بحذف الحصا عليهم، صرخت فيهم ومنعتهم. ثم تفاجأت بنفس الشخص (الذي تحدثت له في الخارج عند الباب) يشير علي ويقول لي "تعال"!


مرآة البحرين: ماذا دار بينك وبينه؟ ولماذا أنت تحديدا؟

قدرت: ظننت أنه يطلبني للتفاهم، وأنني سأتحاور معه لإيقاف المشكلة، وكنت سأخبره وأخبر رجال الأمن أن المشيعين في الداخل الآن فلماذا يضربونهم؟
ذهبت إليه وتفاجأت به يمسكني من يدي، ثم تحتوشني مجموعته الملثمة وتدفعني. صرخت فيه "اتركني، دعني أتفاهم معك" لكنه كان يصرخ في وجهي ويقول "أنت السبب أنت "السوسة"، سنأخذك إلى هناك ونريك شغل الله".
 طوال هذه الأثناء ومنذ أن خرجت من المقبرة ثم عدت، كان هناك مصور تابع للداخلية يصور الحدث. لبسوني "الهفكري"، واقتادوني في سيارة مدنية إلى مركز الشرطة مباشرة.


مرآة البحرين: كيف كانت المعاملة في المركز، هل اعتدي عليك، وكيف كان التحقيق؟

قدرت: وصلت المركز الساعة 4 مساء، هناك جاء ضابط برتبة رائد وقال إنه حضر خصيصا لقضيتي. أخذوا إفادتي وإفادة ذلك الرجل الذي اقتادني، وعرفت لاحقا أنه يعمل معهم!
لم يعتدى علي إلا حين دفعت وسحبت في المقبرة، أما في المركز فكانت معاملة هذا الضابط وزملائه غاية في الاحترام، بل أنه أعطاني عشاءه أيضا.
عاتبت الضابط وقلت له أنا كنت أهدئ الأمور وأوقف التصادم ثم كانت هذه مكافأتي. أنا عضو في جمعية سياسية، ووظيفتنا أن نهدئ الأمور ونتفادى أي تصادم بين الأمن والجماهير.
أخبرني الضابط أن ذلك الشخص ادعى أنني أهنته وأسأت إليه بالألفاظ وغيرها. قلت له أنت تعرفنا جيدا، وأنا لن أحضر لك شهود، فقط أحضر الكاميرا التي صور بها موظفكم كل الحدث وانظر ماذا فعلت له وماذا قلت؟
أحضر الضابط الكاميرا وشاهد التسجيل، ثم قال لي "لم يثبت عليك شيء فعلا" وضحت للضابط أنني أصلا لم أعلم أنه رجل أمن، فقد كان بلباس مدني، وقلت له كان يفترض أن تحضروا رجال أمن عسكريين بزي رسمي إذا كانت لديكم أوامر بمنع الناس من الخروج وليس رجالا مدنيين سيعتبرهم الناس "بلطجية" ولن يمتثلوا لهم. كان الضابط مقتنعا بكلامي.
أخبرت الضابط أيضا أن لديه ضباط وموظفون يعملون في المركز، وهم يعرفون كيف أتعاون معهم في تنظيم المرور خلال خروج مواكب العزاء في أيام المناسبات الدينية، وطلبت منه أن يسألهم عن ذلك، ففعل، وشهد هؤلاء لصالحي.


مرآة البحرين: يبدو أن موقف ذلك الشخص صار ضعيفا جدا، فلماذا أبقوك في السجن؟

قدرت: قال لي الضابط بأن هذه إجراءات ونحن مضطرون للتحفظ عليك رغم أنك لست مذنبا كما يبدو كما أنه ليس لديك سوابق. أثار ذلك استغرابي وقلت له "بعد كل هذا تتحفظون علي؟!"
قال لي قد تعرض غدا على النيابة العامة ثم تخرج بكفالة. عرفت أنه أمر صادر من جهات عليا. اقتدت بعد ذلك إلى مركز شرطة "القلعة" في المنامة، هناك فقط تأسفت وتأثرت كثيرا لما جرى لي!


مرآة البحرين: ما السبب؟

 
قدرت: من باب القلعة وحتى داخل العيادة، كل الذين يعملون هناك كانوا أجانب، رجال الأمن الذين اقتادوني في "جيب الشرطة" أجانب، والشرطة الذين استلموني أجانب، والموظفون الذين فحصوني في عيادة القلعة أجانب. كل من التقيتهم هناك أجانب، ومن جنسيات مختلفة. لم أر أي بحريني، البحريني الوحيد بينهم هو أنا وكان علي "هفكري" لأنني "المتهم". كان المشهد مؤلما ومؤثرا.
بعد ساعتين، صار معي 7 شبان بحرينين، كانوا من العكر والمعامير، لكنهم مثلي "متهمون"! قبض عليهم من المظاهرات التي تحدث هناك، وكانوا مضروبين بشدة، لكنهم كانوا "صمود"
الأجانب كانوا مرتاحين ويضحكون، بعضهم يشاهد التلفاز، وبعضهم يعمل، مستأنسين كثيرا. صار لديهم جزءا من الروتين، أن يشاهدوا البحرينيين يسحبون ويهانون ويضربون كل يوم.  أحسست أنهم يعاملون كأنهم هم الوطنيون، وكنا نحن المجرمين وليس "عيال الديرة".


مرآة البحرين: كيف كان سجن الحوض الجاف، وكيف أفرج عنك؟

قدرت: اقتدت بعدها إلى سجن الحوض الجاف، وقضيت هناك ساعات ممزوجة بين الألم والمتعة. أمضيت الوقت مع المعتقلين السياسيين الذين كانوا في عمر الزهور، اندهشت من درجة صمودهم وثباتهم، كانوا أقوياء جدا ومواظبين على الصلاة والدعاء، وفي قمة الانضباط. إلا أن الوقت لم يسعني لأستمع إلى قصصهم جميعا.
في الساعة 5 من مساء اليوم التالي أخذوني إلى النيابة العامة، دخلت مع المحامية إلى وكيل النيابة وسألني "ما هي أقوالك في الاتهام الموجه إليك بإهانة رجال الأمن والتحريض على التعدي عليهم؟" قلت له "كل ذلك كذب وافتراء، وأخبرته التفاصيل" بعد 5 دقائق، أفرج عني بكفالة.

مرآة البحرين: هل تحب أن توصل رسالة معينة؟

قدرت: أود أن أهنئ أهل الفقيد الشاب يوسف موالي بنيله شرف الشهادة في سبيل الوطن، وأريد أن أشد على صمودهم وثباتهم. أؤكد أن الشهيد موالي تعرض لمظلومية كبيرة ومن نوع خاص، فقد اختطف وعذّب وقتل، ثم احتجزت جثته في المشرحة ظلما، وزوّر سبب وفاته رغم كل الشواهد على جسمه الطاهر، ثم ظلم في تشييعه ودفنه ولم تسلم حتى جنازته، وفي مراسم ختام العزاء منع الناس من زيارة قبره.
أريد كذلك أن أقدم شكري الخاص إلى المصور الذي قام بتسجيل فيديو الاختطاف، فقد قام بعمل كبير يستحق كل الثناء والتقدير. وأشجع جميع البحرينيين على الاستمرار في توثيق هذه الجرائم عبر كاميراتهم لتكون الحقائق مكشوفة دائما، وكما ساعدني هذا الفيديو فكل تصوير إذا كان في الوقت المناسب يمكن أن يساعد وينقذ أشخاصا كثيرين.
كما أتقدم بالشكر الجزيل لكل الجمعيات السياسية والناشطين والمغردين والناس الذين تضامنوا معي واهتموا لأمري جميعا، وأتقدم بالشكر للجهات الصحفية التي تحدثت عني وشكر خاص مني لمرآة البحرين. لقد عودنا الشعب على التكاتف والتضامن مع جميع المعتقلين، وهو ما يجعل كل شخص واثقا ومطمئنا من أن أحدا لن ينساه حين يعتقل، وسيكون الجميع معه في الخارج.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus