اعتقال البحرين للصحفيين الأمريكيين يكشف سياسة اضطهاد تدعمها واشنطن

أليكس شامس - هافينغتون بوست - 2016-02-20 - 12:41 ص

ترجمة: مرآة البحرين

اعتقلت، نهار الأحد، الشرطة في مملكة البحرين الصغيرة أربعة صحفيين أمريكيين خلال تغطيتهم للوضع السياسي في البلاد. لم يتم من بين الأربعة إلاّ التعريف عن آنا تيريز داي، بيد أنّه تمّ اتّهامهم جميعًا بـ "إعاقة حركة المرور بشكل مخالف للقانون والمشاركة في تجمهر غير مشروع". وعقب يومين من الاعتقال، أطلق سراحهم يوم الثلاثاء وتمّ ترحيلهم إلى الولايات المتّحدة.

وعلى الرغم من أنّ الإفراج عن الفريق يثير الفرح، فإنّ الكثير من البحرينيين لا يزالون خلف القضبان في هذا البلد الشرق أوسطي الصغير. ومن بين سجناء الرأي الكثيرين، يقبع 10 صحفيين بحرينيين على الأقل في السجن، وجريمتهم الوحيدة هي أنّهم احتجّوا على الحكم الملكي المطلق. وعلى مرّ السنوات الخمس الماضية، تمّ سجن العشرات، أو تعذيبهم، أو التحرّش بهم، أو نفيهم خارج البلاد، بالإضافة إلى آلاف الناشطين والمواطنين العاديين الذين انتهى بهم الأمر في السجون كذلك.

يعدّ الاضطهاد جزء من سياسة كبرى هدفها سحق المعارضة، اتّبعتها الحكومة البحرينية منذ العام 2011، عندما شارك مئات الآلاف في انتفاضة شعبية للمطالبة بالحرية والديمقراطية.

أُلقي القبض على الفريق الصحفي الأمريكي في الذكرى الخامسة لليوم الذي بدأ فيه الأمر كلّه، في 14 فبراير/ شباط 2011، عندما حوالى نصف البلد الذي يبلغ عدد سكّانه 1,3 مليون، بحسب بعض التقديرات، خرج إلى الشارع في تظاهرات. وكانت الانتفاضة، إلى حد بعيد، الأكثر انتشارًا في تاريخ البحرين المعاصر، إذ اجتمع فيها الكثير من أطياف المجتمع البحريني المختلفة - علمانيين ومتديّنين، وسنّة وشيعة، من مختلف طبقات المجتمع - موحّدين بأمل أن يشعر موطنهم بطعم الحرّية للمرّة الأولى منذ استقلاله عن الحكم البريطاني في العام 1971.

ولكّن النّظام - الذي تحكمه عائلة آل خليفة، التي تتولّى زمام السلطة منذ العام 1783 - كان له مخطّطات أخرى. وسرعان ما ردّ النظام البحريني على المحتجّين، في حين كانت التظاهرات تزداد كثافةً في العاصمة المنامة، وغيرها من البلدات والقرى في الجزيرة.

قُتِل العشرات في الأسابيع التي تلت ذلك، إذ فرّقت الشرطة المتظاهرين، وأزالت مخيّمات الاحتجاج، وانهالت بالضرب على المحتجّين، ومن ثمّ اعتقلت الآلاف من الذين شاركوا. وفي أبريل/ نيسان 2011، تدخّلت القوّات السعودية، ودخلت البلاد ملبّية طلب النظام للمساعدة على سحق المعارضة. وقد قًُتِل ما يفوق الـ 80 بحرينيًّا في السنتين التاليتين، مع استمرار المسيرات الاحتجاجية بشكل يومي تقريبًا.

وعلى مرّ الأشهر والسنوات التالية، فرّ مئات المعارضين من البحرين خوفًا عقب زج زملائهم في السجون وتقييد حدود الخطاب العلني المقبول على نحو شديد. وحتّى تم سجن الأطباء والممرضين لمعالجتهم المحتجّين الذين جُرحوا بسبب الشرطة، في تحوير مريع للعدالة الذي كان مؤشّرًا مخيفًا على مدى خطورة الحكومة البحرينية وقمعها.

حدث كل هذا الأمر بدعمٍ من الولايات المتّحدة، التي لها قاعدة عسكرية كبرى في البحرين وثبتت على معارضتها لأي خطوة قد تخل باستقرار البلاد - الذي بلا شك قد يسبّبه توسيع نطاق حرّية المواطنين، نظرًا لطبيعة النظام القمعية الحالية. وحتّى في الأشهر التي سبقت انطلاق الانتفاضة، كانت الولايات المتّحدة قد باعت 200 مليون دولار أمريكي من الأسلحة للنظام.

وبالتالي، ساعدت الولايات المتّحدة على سحق ثورة للحرية في البحرين ودعمت حليفتها السعودية بقيامها بالعمل المشين. ولم تكن الولايات المتّحدة الوحيدة في هذا الشأن - كانت المملكة المتّحدة أيضًا مقرّبة من النظام البحريني علانيةً، إذ باعت للبحرين أكثر من 60 مليون دولار أمريكي من الأسلحة منذ اندلاع الثورة.

واليوم، وسط الصراعات المستمرة في مجموعة من الدول في المنطقة، من السهل أن ينسى المرء أنّه لم يكن يُفترض أن تؤول الأمور إلى هذه الحال. إذ تُظهر تجربة البحرين مدى انتشار الرغبة في تحقيق الحرية والديمقراطية في العالم العربي، ولكن في كثيرٍ من الأماكن تمّ القضاء عليها من قبل القوات القمعية بتواطؤ من قوى الغرب.

ومع تعرّضهم للضرب، والتعذيب، والنفي، والقتل من قبل قادتهم (في السلطة) وتجاهلهم من قبل المجتمع الدولي، لم يبق للمعارضين البحرينيين إلّا القليل من الخيارات للإصلاح في البلاد.

ومع ذلك، يؤكّد الخطاب السياسي في الغرب في بعض الأحيان أنّ العرب والمسلمين غير مستعدّين للديمقراطية. فما الذي كان على البحرينيين فعله لإظهار أنّهم مستعدّون للديمقراطية أكثر من قيادة أشهر من التظاهرات والإعلان عن مطالب في غاية الوضوح للحصول على حرية أكبر؟ فمن الأمور الأشد سخرية في الوضع الحالي هو أنّه في دولٍ، كالولايات المتّحدة حيث كان دعم الحكومة فيها للأنظمة العربية القمعية الأكبر، لا يزال هناك الكثير من الأشخاص الذين يلقون اللّوم على ضحايا تلك الأنظمة نفسها على القمع والعنف اللذين يُجبرون على تحمّلهما.

كانت عواقب تجاهل الثورة البحرينية وخيمة في المنطقة. إذ يتولّى الحكومة البحرينية زمرة صغيرة يغلب عليها المسلمون السنّة التي ترفض منح الأغلبية المسلمة الشيعية في الجزيرة إمكانية متساوية للحصول على الفرص، والوظائف، والتمثيل السياسي. ولرشّ الملح على الجرح، يقوم النظام أيضًا بتكفّل انتقال مواطنين سنّة في دول أخرى إلى البحرين مقابل الحصول على ولائهم، من أجل المساعدة على تغيير التوازن الديمغرافي لصالحه. وبسبب ديمغرافية البلاد ولأنّ الشيعة هم من عانوا وطأة السياسات الحكومية، كانت أغلبية المتظاهرين من المسلمين الشيعة.

وبينما يميل الكثيرون في الغرب - بما فيهم الرئيس الأمريكي أوباما - إلى تخيّل الانقسامات الطائفية في الشرق الأوسط كما كانت عليه منذ آلاف السنين، يُظهر مثال البحرين كيف أنّ الصراعات في المنطقة اليوم هي نتيجة قرارات سياسية محدّدة جدًّا تمّ اتّخاذها لأسباب محدّدة جدًّا من أجل كلٍّ من المصلحة والكسب السياسيين.

ويقف وراء الكثير من هذه القرارات الدعم الأمريكي. وإن كان يوجد أمر واحد لا بدّ للحكومات الغربية أن تعلمه حتّى الآن هو أنّ دعم الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط دومًا سيطاردهم في نهاية المطاف.

كانت آنا تيريز داي وفريقها في البحرين من أجل إعطاء صوتًا لمئات الآلاف من البحرينيين الذين خرجوا إلى الشارع ليروا أحلامهم تُدمر. وعلى الرغم من ادّعاءات الحكومة البحرينية، فإنّه يبدو أنّ جريمة الفريق الوحيدة هي أنّهم صوّروا الناشطين الكثر الذين لا يزالون يعانون من أجل تحقيق التغيير.

وبينما نحتفل بالإفراج عن الصحفيين، دعونا لا نغفل عن الصورة الكبرى، وأؤلئك الذين يعانون وطأة الدعم الأمريكي لاستبداد البحرين.

وبينما نحتفل بحرية الفريق، دعونا نتذكّر مئات آلاف البحرينيين الذين لا يزالون ينتظرون اليوم الذي تتحقّق فيه حرّيتهم.

النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus