ابراهيم الأمين يكتب للمرآة، البحرين: الهوية العربية الضامنة للتغيير
2012-02-05 - 6:45 م
بعد أقل من أسبوعين على اندلاع التظاهرات المطالبة باصلاحات شاملة في البحرين. تحدثت إلى صديق نافذ في قناة "الجزيرة" المملوكة من دولة قطر. برر لي سلوك القناة الأكثر شهرة في العالم العربي، المتجاهل لما يجري في البحرين بالقول : إن ما يجري تحرك طائفي تقوده إيران. ولا يمكن مقارنته بما يجري في بقية الدول العربية. بل قال أكثر من ذلك : اسمع، أنا أنصحكم في "الأخبار" بعدم إيلاء موضوع البحرين الكثير.
لم يكن الموقف مفاجئا، بل كان لتأكيد انخراط القناة ومن خلفها دولة قطر في لعبة سياسية كبيرة، تهدف إلى الانخراط في الحراك العربي القائم، لكن ضمن رؤية تقود إلى جعل النتائج تصب في مصلحة قيام محور عربي واسع يكون قادرا على التصدي لايران.
لم أفهم يومها، ولم أفهم حتى اليوم، كيفية ربط المطالب الإصلاحية بالقواعد الطائفية للجمهور. أعرف هذا الأمر جيدا في بلدي لبنان. حيث ادت العصبية الطائفية والسياسية إلى مواقف خرقاء من عمليات إصلاحية تعود بالخير على جميع المواطنين. لكن ما لم أفهمه في حالة البحرين، هو كيفية ربط الموقف من أي ثورة شعبية بالخلفية لطائفية للناشطين فيها. فيكون ذنب المطالبين بالإصلاحات في البحرين أنهم شيعة، وبالتالي هم - برغبتهم او بدونها – صاروا حلقة في مسلسل النفوذ الشيعي الذي تقوده ايران.
وفق هذا المنطق، وليس وفق أي نوع من الحسابات الاخرى، كان قرار دول الخليج إرسال قوات لحماية الملك وعائلته. ووفق هذا المنطق نفسه، تمنعت القنوات العربية الاكثر شهرة، إلى تجاهل حدث البحرين. ووفق المصلحة الكبرى للغرب القائمة على قيام تفاهم مع حكومات الجزيرة العربية تبقي على نفوذ الولايات المتحدة والغرب، جاء الموقف الغربي من أحداث البحرين، مقتصرا على مواقف تشبه بيانات التضامن لجمعيات حقوق الانسان. ووفق هذا المنطق، يتجرأ رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم على اعتبار حدث البحرين امرا لا يستأهل تحركا فعالا للجامعة العربية.
وإذا كانت نتيحة كل ذلك، إبقاء الظلم قائما، وعدم توقع تغييرات كالتي يستحقها شعب البحرين، فانه من غير المنطقي توقع تراجع الحراك عن سعيه إلى تحقيق ما يمكن تحقيقه من أهدافه حيال السلطة ومؤسساتها.
لكن هل يمكن لنا إيراد ملاحظات من النوع الذي يساعد على التفاعل مع حدث البحرين بطريقة تقل فيها الانفعالات ، الطائفية منها أو السياسية؟
أولا، كان ولا يزال على قيادة القوى الحركية في البحرين، البحث دون كلل، عن الإطار الأفضل الذي يجذب فئات كثيرة من المجتمع إلى صفها. وهو امر يحتاج إلى مبادرات مفتوحة طوال الوقت، ويحتاج إلى صبر وإلى عدم الاستسلام لكل الوقائع التي يعمل الاخرون على فرضها لجهة الانقسامات الطائفية والمذهبية.
ثانيا، يجدر بالقائمين على الحراك، فهم المسافة المنطقية، بين الشعارات التعبوية التي ترفع لاجل ثبات حركة الجمهور، وبين الاهداف الواقعية والتي ان تحققت تفتح الباب امام واقع سياسي من نوع آخر. وهذا يتطلب في هذه اللحظات، الإقرار بأن انفجارا كبيرا سوف يقع في منطقة الخليج، إن سعت المعارضة إلى إسقاط النظام القائم بصورة كلية.
ثالثا، وجب على قيادة هذه المعارضة، التصرف على أساس أن شعب الجزيرة العربية، والمفروز الآن في إمارات وممالك، ليس خصما وليس هدفا يجب النيل منه، بل على العكس، فان من واجب هذه المعارضة البحث عن أكبر قواسم مشتركة، من شانها تحويل مطالب شعب البحرين في الإصلاحات، نموذجا لكل شعوب الجزيرة العربية التي تحتاج دولها إلى إصلاحات عميقة في طريق التخلص من آليات الحكم القائمة.
رابعا، من الافصل لقوى الحراك ابراز الهوية العربية، تلك التي لا تلزم احدا بان يكون قوميا عربيا على طريقة البعث او على الطريقة الناصرية، لكن انطلاقا من العالم العربي يحكمه اكثريتان، واحدة اسلامية، وثانية عربية، والثانية، لا تزال تمثل ارضية جاذبة لكل اصحاب المشروع التغييري في العالم العربي، وهي الهوية التي تشكل حلا لازمة الاقليات التي ترافق الحراك في غالبية الدول العربية.
اليوم، ونحن ندخل عاما جديدا سوف يشهد فصلا جديدا من المواجهة القاسية بين المحور الذي تقوده الولايات المتحدة والمحور الذي تقوده ايران، سوف نجد أنفسنا أمام خيارات ضيقة وأمام هوامش أكثر ضيقا، لكن الأساس، الذي يصلح لبناء هوية قوية تعيد الاعتبار إلى مفهوم المواطنة، هو تمسكنا بالسعي إلى استقلال مثلث الأضلاع، استقلال من الوجود العسكري الغربي في بلادنا، واستقلال من التبعية الاقتصادية أو الثقافية لهذا الغرب، واستقلال يعيد الاعتبار إلى الهوية العربية التي لا يخشاها الإسلام، ولكنها تشكل عنصر الوحدة في عالم عربي تمزقه العصبيات الهادفة إلى إبقاء العرب في أسفل درجات سلم الترقي والازدهار.
ليس بمقدور أحد وقف حراك البحرين متى أراد أهل البلد الاستمرار به. وليس بمقدور أحد تجاهل الحدث حتى ولو تعاون إعلام العالم كله على حجب الصورة.
* رئيس تحرير صحيفة الأخبار اللبنانية.