» رأي
هل عاد بسيوني للبحرين مستشارا أم قاضيا؟
عباس بوصفوان - 2012-02-05 - 7:05 ص
عباس بوصفوان*
لم يصدر من السلطات البحرينية إعلان رسمي عن المهام الجديدة المناطة بالرئيس السابق للجنة تقصي الحقائق محمود شريف بسيوني، الذي وصل البحرين مطلع فبراير الجاري، قبيل أيام من الذكرى الأولى لانتفاضة اللؤلؤة، المطالبة بالديمقراطية.
توافقت السلطات وبسيوني أن يعلن الأخير عن مهمته الجديدة من خلال "رويترز"، أكثر الوكالات الدولية الاخبارية نفوذا، واهتماما بملف البحرين، وليس من خلال خطاب ملكي، كما حدث في يونيو الماضي حين عين رئيسا للجنة التقصي، أو من خلال مؤتمر صحافي يعقده البروفيسور في القانون الجنائي الدولي للإعلان عن مهامه الجديدة وتفاصيلها، كما تم في يوليو الماضي.
اختير لبسيوني هذه المرة الحديث مع رويترز، وأبلغها أنه في مهمة جديدة في البحرين، من أجل كتابة تقرير يقيّم مدى تنفيذ حكومة آل خليفة للتوصيات التي تضمنها تقرير لجنة التقصي المستقلة، الذي تسلمه الملك حمد في 23 نوفمبر الماضي.
السلطات قالت إنها ستنتهي من تنفيذ التوصيات في فبراير الجاري، فيما قال بسيوني أن مهمته تنتهي في مارس المقبل، وهو الرجل الذي بات خبيرا في الشأن البحريني.
وليس واضحا بعد طبيعة الاتفاق الذي أبرمه السيد بسيوني مع السلطات البحرينية. في يونيو الماضي، حين كلف برآسة لجنة مرموقة لكتابة تقرير عن الانتهاكات المروعة في البحرين، صدر مرسوم ملكي يحدد اختصاصات اللجنة، وأعضاءها، ومكافآتهم، وطريقة إصدار النتائج، وعلنيتها، والجدول الزمني لذلك.
وللمراقب أن يقول، إن ما يحدث الآن يبدو مثيرا للدهشة والتساؤل، ولا يعرف فيما إذا كان بسيوني تم تعيينه مستشارا لحكومة البحرين، بما يقتضيه ذلك من التزام بأهدافها، أم أنه سوف يعمل قاضيا، وفق الشروط والأصول ذاتها التي اشتغل بها بين يوليو ونوفمبر الماضيين، وهذا ما أظنه مرجحا.
والفرق كبير بين الحالتين: ذلك أن بسيوني المستشار للحكومة سيكتب، بالضرورة، تقريرا إيحابيا عن تنفيذ السلطات لتوصياته، وإن ضمنها ملاحظات فلن يتم إعلانها، فيما عمله قاضيا يفرض عليه الالتزام المهني والحياد.
وبينما كانت العلنية أمرا أساسيا في تقرير لجنة التقصي، فإن هذا البعد ليس واضحا في مهمة بسيوني الجديدة، وربما على المعارضة أن تستفسر عن كل الأسئلة التي تحيط بمهمته، التي بدا مفاجئا إعلانها، فيما أهدافها السياسية تحتاج إلى مقاربة أكثر عمقا.
بسيوني لم يعد رئيسا للجنة التقصي، التي صفيت، وانتهت مهمتها رسميا في ديسمبر الماضي. لذا فإنه يعود للمنامة هذه المرة من دون اللجنة التي كان ترأسها، والتي ضمت عددا من القضاة من ذوي الوزن الثقيل، أمثال الكندي فيليب كيرش، والبريطاني نايجل رودلي، وقد ساعد ذلك كثيرا في كتابة تقرير أشاد به المجتمع الدولي.
ويضع ذلك بسيوني أمام مسئولية كبيرة، خصوصا أنه كان قد أبلى بلاء حسنا في كتابة تقرير تاريخي تضمن إدانات واضحة للسلطات البحرينية، بما في ذلك وزير الداخلية ووزير الاستخبارات، ووجه ضربة قاسية أطاحت بصدقية النظام القضائي في البحرين، ونفى ما يقال عن التدخلات الإيرانية، وأكد سليمة الحركة الشعبية، ودعاء إلى عودة المفصولين والافراج عن المعتقلين السياسيين وإعادة بناء المساجد المهدومة.
ومن المتوقع أن يتقبل العالم التقرير/ التقييم المرتقب بصدر رحب، بعد أن أثبت بسيوني أنه قاض نزيه ومتوازن. وبسبب ذلك قد تواجه المعارضة إشكالية ضخمة، إذا افترضنا احتمال أن يقول بسيوني إن الحكومة نفذت التوصيات، أو هي في طريقها إلى ذلك.
إن ذلك سيضع المعارضة وجها لوجه أمام المجتمع الدولي، الذي لم يقم أصلا بالكثير بعد تقرير بسيوني، سوى قليل من الكلام الفضفاض عن وجوب تنفيذ التوصيات، الذي يقترن أيضا بالدعم والمساندة للجهود الإصلاحية للملك حمد!
وللقارئ أن يتصور بأي برود سيتعامل المجتمع الدولي مع خطاب المعارضة في حال قلل بسيوني من شكواها الدائمة من أن الحكم لم ينفذ التوصيات.
يجدر الالتفات هنا إلى أن المعارضة قد تبدو حذرة وتتفادي توجيه سهام نقدية للدكتور بسيوني، بعد أن كتب تقرير أدان العنف الرسمي، وخرج بتوصيات قد يؤدي تطبيقها إلى هزة عنيفة في النظام.
وبين يوليو ونوفمبر 2011، تلقى بسيوني نقدا حادا من أطراف في المعارضة، معتبرة جهوده ترمي إلى تبييض وجه السلطة، وتبرئها من العنف، بيد أنه كتب تقرير يصعب القول أنه غير متوازن، وإن ظل تحت سقف "الانتهكات حدثت والدولة بريئة".
وتتبنى المعارضة توصيات بسيوني كجزء من خطابها الداعي إلى تغيير الحكومة الحالية، التي يترأسها منذ أربعين عاما خليفة بن سلمان آل خليفة. بيد أن خطاب المعارضة مازال خجلا تجاه وزراء الجيش والأمن ووزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة الذي يعتبر رئيس الوزراء الفعلي للبلاد، والساعد الأيمن لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، الذي أدار البلد في السنوات العشر الأخيرة وأدخلها نفقا مظلما.
في كل الأحوال، بسيوني لا يشتغل لوحده في الساحة الحقوقية، وقد أعلنت جهات دولية، بما في ذلك المفوضية السامية لحقوق الانسان، أن السلطة البحرينية لم تقم بما يتوجب عليها تجاه تنفيذ التوصيات والمصالحة الوطنية وبناء الثقة. وكل ذلك مدخله الإصلاح الجدي الذي مازال غير مطروح في ذهنية الملك حمد، الذي مازال يفضل التعامل كحاكم مطلق.
*صحافي بحريني.