تلفزيون المكارثية العربية: صناعة الفبركات والأوهام
2012-02-07 - 4:06 م
مرآة البحرين (خاص):"إذا أردت السيطرة على أحد فأوهمه أنه خائف"، يمكننا أن نقول إن الإعلام الرسمي البحريني بكل أنواعه، قد لعب على هذا الوهم تحديداً، وأنه سخّر كل إمكاناته البشرية والمادية من أجل جعل هذا الوهم يبدو حقيقة، فيما يتعلق بالموقف من المحتجين والحركة الاحتجاجية منذ 14/فبراير 2011.
الفرق بين الإعلام القائم على نقل الحقيقة، والإعلام القائم على الفبركة والتزييف، أن الإعلام الصادق يقول لمتابعه: سأخبرك بما رأيت من حقيقة، وإن لم تصدق اذهب لترى بنفسك ولتتأكد. أما الإعلام المزيف والكاذب سيقول لك: تعال لأعطيك كل الحقيقة، وحذار أن تذهب لترى، سيكون الخطر متربصا بك بشكل شخصي. إعلام الحقيقة لا يخشى ذهابك مكتشفاً، يحرضك عليه لتزول شكوكك. أما المزيف، فسيضع لك من العراقيل النفسية والعملية، ما يصرفك عن أن ترى بنفسك خوفاً من فضح كذبه.
كان هذا تحديداً ما حدث في البحرين، فبقدر ما كان الإعلام المعارض يتمنى على كل أبناء الشعب، بل كل العالم، أن يحضر جهة الحدث ليرى بنفسه، كان إعلام السلطة يحظر على الحدث ويضع العراقيل لوفود الخارج، ويوهم أتباعه في الداخل أنهم مستهدفون ومحاطون بالخطر.
■ عسكرة..
منذ تسلم فواز بن محمد آل خليفة (ابن وزير الداخلية السابق) رئاسة هيئة شؤون الإعلام، عمل على استبعاد عدد من الإداريين الإعلاميين واستبدالهم بآخرين عسكريين. فبعد الرئيس التنفيذي راشد بن عبدالرحمن آل خليفة، عُين علي الرميحي في منصب مدير عام التلفزيون والإذاعة، كما تم إعفاء القائم بأعمال مدير إدارة الأخبار ناصر الذوادي الذي كان يعمل قبل ذلك في ديوان ولي العهد، مقابل تعييين الضابط السابق بوزارة الداخلية محمد القوتي، وإقصاء رئيس القناة الرياضية أحمد عاشور واستبداله بعبدالعزيز الأشراف وهو الآخر عسكري سابق.
قاد مكارثي عام 1950 هجمات مكثفة ضد سياسيين ومثقفين وأصدر (قوائم سوداء) وقضى على الحياة المهنية لكثير من الناس |
■ اختلاق..
يسميه الشارع المعارض "تلفزيون العين الواحدة". أرى أن هذه التسمية تبسيطية. العين الواحدة اقتطاع، بمعنى أن صاحب العين الواحدة يعمل على إظهار الجانب الذي يخدم توجهه أمام العالم ويخفي الجانب الذي يسيء اليه، لكن الدور الذي مارسه تلفزيون البحرين أخطر بكثير، لقد عمل هذا الجهاز على الاختلاق وليس الاقتطاع فقط. اختلاق السيناريوهات والشهادات والأكاذيب والتهم والجنايات والتزييف والفبركة والتأليب والتحشيد وتقسيم فئات المجتمع بتنوعاتها المختلفة إلى قسمين فقط: شريف مخلص (موال للنظام)، وخائن عميل (معارض للنظام).
باشر تلفزيون البحرين بعد 14 فبراير القيام بهذا الدور، بلغ أوجه منذ منتصف مارس 2011. الداخلية تمد الإعلام بالأسماء والمعلومات والصور والتهم والأوامر، تحدد الدور المطلوب في الترويج أو التثبيت أو الاتهام أو النشر أو التحويل إلى الاستهلاك العام. يمكننا إيجاز الاختلاقات الكبرى للإعلام البحريني والتي شارك فيها تلفزيون البحرين في نقاط:
✓ اختلاق رواية أن الحركة الاحتجاجية تستهدف المكون السني بأكمله، لا النظام، وأنها تستهدف ترحيل المكون السني وتهميشه وإقصاءه ونهب حقوقه والاستفراد بالسلطة.
✓ اختلاق رواية أن المحتجين الشيعة يحملون كراهية وحقداً وعداوة تجاه شركائهم في المجتمع وتجاه الجاليات الآسيوية فقط لانتمائها لعقيدة مختلفة وطائفة مختلفة.
✓ اختلاق رواية أن الحركة الاحتجاجية مخطط يعمل وفق أجندة خارجية تستهدف تخريب البلد والعبث بأمنه.
✓ اختلاق رواية أن المحتجين أتباع ولاية الفقيه وحزب الله، وأنهم يستهدفون الاطاحة بالنظام الحاكم لإقامة حكم ولاية الفقيه مكانه.
✓ اختلاق رواية أن المحتجين سعوا لإقامة جمهورية إسلامية جعفرية تابعة لجمهورية إيران الإسلامية.
✓ اختلاق رواية الدولة المهدوية التي تسعى إليها الحركة الاحتجاجية.
✓ اختلاق رواية العلاقة المباشرة بإيران وحزب الله وتلقي التعليمات والأوامر منها والتدريب فيها.
✓ إظهار المحتجين على أنهم خونة، عملاء، متآمرون، مخربون، إرهابيون، عصابة محتلين، قتلة، صفويون .
✓ اختلاق رواية قتل المحتجين وإجراء العمليات الطبية لهم وسكب الدماء عليهم من أجل كسب التعاطف والتأثير على الرأي العام الخارجي.
✓ اختلاق رواية احتلال مستشفى السلمانية ومنع علاج أبناء الطائفة السنية ومنعهم من دخول المستشفى
✓ تكذيب وسائل الإعلام العالمية ومهاجمتها واتهامها بالتآمر لبيع البحرين.
✓ إظهار أن المحتجين لا يمثلون غير فئة قليلة من الشعب وأنه لا أثر لهم.
✓ المطالبة بفصل الناس من أعمالهم والتحقيق معهم ومعاقبتهم قانونياً بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات في الدوار.
■ وهم الاستهداف..
كانت هذه الاختلاقات خلاصة لعبة الوهم التي مارسها النظام ضد المكون السني في المجتمع. عبر ترديد هذه الروايات ليل نهار وبكل طريقة ووسيلة وفي كل مكان. مارس النظام لعبته في تخويف المكون السني من شريكه الشيعي. صار الأخير يتلقى من الإعلام الرسمي كل ما يُسكب فيه دون تفكير. الخوف يشل تفكير صاحبه ويجعله متلقيا فقط. يصير مثل قنينة يجري ملؤها بسوائل قابلة للاشتعال، تنتظر فقط لحظة إشعال الرأس لتنفجر.
في الحقيقة، لم يكن الإعلام البحريني يستهدف الرأي العام العالمي. ليس لأنه غير مكترث به، بل لأنه ليس في يده. لعبة الإيهام الغبي لا تنطلي على الإعلام الخارجي والمنظمات الإنسانية الخارجية التي راحت تفد إلى البحرين لتنقل للعالم ما تشهده بعينها. لم تسلم هذه من الاتهام الصريح بالعمالة والتآمر طبعاً.
الجمهور المستهدف من الإعلام المحلي هو الشارع السني وحده، كان من الضروري إبقاؤه مستفزاً ضد الحركة الاحتجاجية مقاوماً لها. يعلم النظام أن القشة التي تقصم ظهره هي وحدة الشارعين حول المطالب، ونجاته منها في تعميق الانقسام وإظهار أحدهما مستهدفاً من الآخر. نجح إعلام السلطة في جعل الوهم يبدو كحقيقة عند فئات كبيرة من الشارع السني.
■ استنجادات طائفية..
ومن أجل إظهار الوهم أنه حقيقة، سيتم التنسيق بين جهاز الإعلام الرسمي وأجهزة المخابرات عبر توجيه العسكر وأطراف متعاونة معها لإجراء مكالمات هاتفية لتلفزيون البحرين، تروي قصصاً مفبركة وتشكو قيام اعتداء المتظاهرين على المواطنين السنة وتهديدهم وإرعابهم وإرهابهم. ثم يطلب أصحاب هذه المكالمات التدخل الفوري العسكري، أو إنزال أقصى العقوبات وأشدها وأغلظها على (الخونة، العملاء، المتآمرين، المخربين، الإرهابيين، المحتلين، العصابة، أهل الفتنة، الفئة الضالة، أصحاب أجندات خارجية، أتباع حزب الله، أتباع ولاية الفقيه، موالين للخارج، خارجين عن القانون).
وكان الجديد الذي ابتكره تلفزيون البحرين عبر هذه المكالمات الوهمية المفبركة، هو إظهار أن ما يقوم به النظام من تعامل أمني (القمع، القتل، الاعتقال، الخطف، التعذيب، المحاكمات العسكرية، الإذلال، الانتهاك)، هي استجابة لمطالب الشعب الذي راح يستنجد بعد أن عانى من إرهاب المحتجين وإجرامهم. وكان اتصال المدعوة (أم خليفة) وطلبها من الملك دخول قوات درع الجزيرة إلى مستشفى السلمانية قبل أقل من 48 ساعة من احتلال المستشفى أحد هذه النماذج الكثيرة.(1)
ابتكر النظام البحريني المكارثي أيضاً، طريقته الخاصة في النيل من المحتجين والانتقام منهم ومحاكمتهم. سيقدم أكثر من برنامج مكارثي، لكل برنامج وظيفة خاصة تنسجم مع طبيعة مقدميه، لكن سيشترك جميعهم في طبيعة المعلومات الاستخباراتية التي تصل إليهم لاستخدامها في برامجهم، والتقارير المسجلة ذات الطابع الواحد، التي تعرض خلال خلال البرنامج.
■ استجوابات علنية..
سيقوم تلفزيون البحرين بما لم يسبقه إليه أحد في العالم، استجوابات ومحاكمات على الهواء مباشرة. سيأخذ معدو البرامج دور رجال المخابرات، ومقدمو البرامج دور المحققين، الذين لن يتورعوا عن تثبيت التهم، وسوق الأحكام، والمطالبة بإقرار العقوبة.
برنامج (راصد) أيضاً، كانت وظيفته القيام بالدور الاستجوابي نفسه، وبطبيعة الحال الآليات نفسها: عرض الصور، رسم الدوائر، التحقيق المذل، المحاكمة العلنية. سيتم في هذا البرنامج عمل تحقيق إداري فني، لـ علي رضي (الشيعي)، المدير التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل التابعة لولي العهد، وستوجه اليه اتهامات مباشرة بالتواطؤ مع الموظفين الذين شاركوا في الاحتجاجات. المحاكمة العلنية المكارثية ستتدخل في أدق التفاصيل الإدارية لمدير الهيئة، والتي يفترض أن يكون مكانها تحقيقاً إدارياً.
مقدم البرنامج وضيفه النائب البرلماني، سيقومان باستجواب علني لـ (رضي) على الرغم من وجود لجنة تحقيق رسمية منعقدة في الهيئة، على خلفية الأحداث ذاتها. سوف لن يخجل التلفزيون المكارثي من توجيه اتهامات صريحة بأن هذه المؤسسة "تجذرت فيها أذرع الفئة الضالة"، وأنها "ساهمت في تنفيذ المؤامرة على الوطن"، وأنها "تعود لتختبئ وتحاول أن تمحي جريمتها في حق الوطن"، يحدث كل ذلك، قبل أن تنتهي لجنة التحقيق الرسمية من أعمالها داخل الهيئة، وسوف لن يخجل التلفزيون من عرض صور لبعض موظفي الهيئة يشاركون في مسيرات احتجاجية، ويطلبون من مديرها التصريح بأسمائهم أمام المشاهدين، ثم يسائلونه عن إجراءاته التي سيتخذها بحقهم، ويأمرونه بالفصل دون الرجوع إلى دوائر القانون وشؤون الموظفين في الهيئة (4)، (5). تم إقالة (رضي) من الهيئة بعد البرنامج بيومين دون إجراء قانوني مبرر.
■ تجهيزات القمع..
وكما أشرنا سابقاً، كان تلفزيون البحرين مكلفاً بالقيام بدور تجهيز الرأي العام لما ستقوم به السلطة في المرحلة المقبلة، إعطاء المقدمات والمبررات لما ستقوم به السلطة، وهو ما حدث بالإضافة إلى ما سبق، لمقر جمعية وعد المعارضة التي تم تشميعها في الأسبوع الأول من ابريل، بعد يوم من الحملة الإعلامية التي استهدفت الجمعيات المعارضة، وكان إغلاق جمعية الوفاق هي الخطوة التالية، لولا تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في منع ذلك.
صار متعارفاً بين الجمهور المعارض المقولة التالية "إذا أردت أن تعرف ما الذي تنوي السلطة القيام به في نهار اليوم التالي، شاهد تلفزيون البحرين مساءً". هكذا بدأت الحملة على الأطباء والرموز السياسية، وبعد احتلال السلمانية واعتقال الكادر الطبي والرموز، عرج على المعلمين، وبعد اعتقالهم عرج على الرياضيين، وبعد اعتقالهم، على الصحافيين ثم الأدباء والكتاب وهكذا..
■ اكذب ثم اكذب..
برنامج الراصد الذي استفز بطريقته الإباحية حتى موالي السلطة الذين استنكروا محاكماته الهزلية، سيمعن في الكذب وفي فبركة الصور والأحداث التي وثقها كل العالم. سيستنكر مقدم هذا البرنامج فعل تهديم المساجد الشيعية، وسيقول عن من فعلها أنه مجرد من الدين ومن الإنسانية وأنه يستحق سحب الجنسية وترحيله خارج البلاد، لكنه بشكل قاطع، سيتهم المحتجين الشيعة أنهم هم من فعل ذلك من أجل كسب تعاطف العالم معهم (6). تقرير بسيوني سيثبت لاحقاً هدم السلطة للمساجد وستعترف السلطة بذلك بمن فيهم الملك. لكن سيبقى هذا الاتهام نموذجاً للكذب في هذا الجهاز وفي هذا البرنامج.
في هذا البرنامج أيضاً، سيتم فبركة عدد من الصور التي التقطتها كاميرات المحتجين، كما حدث مع صورة الشهيد أحمد فرحان الذي فجر الجيش رأسه، ليتم عرض الصورة في تلفزيون البحرين أن المحتجين قاموا بفبركة الصورة بأخذها من أحداث فلسطين، وأنه لا يوجد من تعرض لهذا القتل البشع. الفيديوات المتعددة للشهيد في مستشفى السلمانية أظهرت الحقيقة، لكن بقى أتباع الإعلام يرددون أن الصورة مفبركة من حدث فلسطيني. صور أخرى تم فبركتها من قبل تلفزيون البحرين، لا يسع التقرير تناولها كاملة، تم فضح عدد منها وكشفها من قبل شباب الثورة وإظهار الصور الحقيقية (انظر يوتيوب (7)).
وكان أصدق اتصال تلقاه هذا البرنامج المحموم بالكذب، هو اتصال غير متوقع من الشاب علي ياسين (السني الأصل)، والذي فاجأ الجميع بتحميل تلفزيون البحرين كل ما حدث في البحرين، ووصفه بأنه يعمل على نشر الطائفية والفتنة وتعزيز الكراهية بشكل متواصل طوال اليوم، وأنه يساهم في زعزعة الأمن تمهيداً لإنزال الجيش والتبرير المسبق له (8). وبالفعل صدق ياسين، فهذا ما كان فعلاً.
■ فضائحيات الحمد..
برنامج حوار مفتوح مع سعيد الحمد، لعب دورا آخر غير الدور الاستجوابي العلني الذي كلّف به الراصد. كان دور برنامج سعيد الحمد فضائحياً. لن يتوانى المثقف اليساري النضالي السبعيني من التعرض لأدق تفاصيل الحياة الشخصية لأي من المحتجين الذين يريد أن ينال منهم. سيتعرض لهم في برنامجه بكل فضائحية. بدا هذا البرنامج متخصصاً في النيل الاعتباري والشخصي من كل من صدر منه موقف مؤيد للاحتجاجات خلال الأزمة أو بعدها، واتهامه بالخيانة والعمالة وولاية الفقيه وخدمة أجندات إيرانية صفوية. لا فرق بين أن يكون صاحب الموقف من داخل البحرين أو خارجها.كان ممن تعرض لهم الحمد في برنامجه كل من الصحافي عباس بوصفوان، والناشط عبدالله الماحوزي، والطالبة آيات القرمزي، والدكتور علي العكري، والصحافي عادل المرزوق، ورئيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين سلمان المحفوظ، والدكتور غسان ضيف، وغيرهم الكثيرون.
رأس أحمد فرحان في فلسطين أم في سترة؟ |
برنامج الحمد أرسى ثقافة جديدة في الإعلام البحريني، أسماها الشارع المعارض بثقافة "العبو والربو والتجمبز"، وهي ثقافة جديدة على الشارع البحريني الذي لم يعتد الهبوط باختلافه إلى حد الإسفاف اللغوي. لكن الأزمة الأخيرة كشفت عن إسفاف إعلامي جمعي، غزا الشارع البحريني الذي أُريد تحريكه من خلال هيجان غرائز الغضب والعصبيات المذهبية، بدلاً التعقل في التعاطي مع الحدث السياسي. هذا الإسفاف، سيؤكده تقرير بسيوني بشكل غير متمعن، لكنه سيوضح في كل الأحوال أن التلفزيون عمل على استخدام لغة مهينه وتشهيرية.
أحد أمثلة هذه الثقافة الدخيلة، هي ثقافة التشفي والاستهزاء بمن تعرضوا للتنكيل من طائفة معينة، إذ عمل الإعلامي سعيد الحمد على التشفي والاستهزاء والنيل من جميع الذين تم توقيفهم عن العمل أو فصلهم إثر الاحتجاجات الشعبية، وكان يسخر منهم بقوله : "خلوا علي سلمان والمحفوظ يشغلونكم ألحين".
الجانب التشهيري الآخر الذي ظهر في برنامج الحمد، هو سلسلة الاعترافات والاعتذرات التي يتم تسجيلها في مخابئ السجون، لعدد من الموقوفين والمعتقلين، يقدمون فيها اعترافاً واعتذاراً، عما صار منهم وما صرحوا به أو قالوه خلال فترة الأحداث، وهو ما حدث للطالبة آيات القرمزي التي كان اعتذارها مقدمة لإطلاق سراحها عقب الضغط الدولي (9)، وما قدم من اعتراف لأحد الأطباء (جعفر طوق)، الذي كان واضحاً من توجيه الاعتراف اتهام الوفاق بفبركة الحقائق من أجل نقلها لقنوات خارجية ضمن الحملة التي استهدفت إغلاقها (10). هذه الاعترافات تكشف كيف تحول الإعلام إلى تابع لوزارة الداخلية بالكامل.
■ تلقين الشاعر..
أما برنامج كلمة أخيرة لسوسن الشاعر، فله أسلوب آخر. ستلعب الشاعر دورها المطلوب منها، وهو الدور التلقيني المفرط في الاستغباء. ستلقن متابعيها رواية الخوف ورواية الاستهداف ورواية الدولة المهدوية ورواية ولاية الفقية ورواية حزب الله ورواية الجمهورية الإسلامية، وغيرها من الاختلاقات التي سبق وأشرنا إليها. ستمعن في تلقين متابعيها أن الحركة الاحتجاجية طائفية وليس لها مطالب وطنية، وأن المعارضة لا تستهدف سوى تحقيق أجندتها الطائفية، وستستخدم مخزونها الفائض من الكراهية والشحن والتشويه والاجتزاء والابتسار للصور والمواقف والشواهد لتثبيت تلقينها. وسيكون هذا مرتكزا أساسيا لبرنامجها للنيل من الحركة الاحتجاجية. سينفي تقرير بسيوني في سبتمبر 2011، أن هناك ما يثبت تورط إيران في أحداث البحرين، لكن ما لقنته سوسن لمتابعيها عبر مقالاتها وبرنامجها التلفزيوني سيبقى غير قابل للتغيير.
ستستخدم الشاعر استراتيجيتها الفضلى مع ضيوفها الذين يختلفون معها في الاختلاق: أنا أعرف أكثر منك (11) لتحذيرهم من المعارضة (الوفاق تحديداً) وتحركاتها وأهدافها ونواياها وما تخفيه هذه وما تظهره وقياداتها ومرجعياتها. ستمارس دائماً دور الملقن لما يجب أن يقوله ضيوفها، وستقوم بالإجابة نيابة عنهم، ستكون دائماً هي المتحدثة أكثر من الضيوف. وستحاول دائماً تعليم ضيوفها، سواء أكان هذا الضيف ولي العهد نفسه، أو القائم بأعمال السفير الأمريكي ستيفني ويلمز (12)، أنها تفهم أكثر منهم وترى ما لا يرون من تفاصيل وحقائق.
ستعرض الشاعر خلال برنامجها صوراً لمواجهات منذ التسعينات على أنها تمثل عنف أحداث فبراير ومارس 2011. وستمارس الفبركة والتضليل والتزييف لتلقن متابعبها عنفية المحتجين. ستقدم من خلال إحدى حلقات برنامجها مسرحية هزيلة تلقينية أخرى، تظهر تلفزيون البحرين وكأنه ذهب إلى منطقة احتجاجات لإجراء لقاء مع ملثمين يغلقون بعض الشوارع وأجرى معهم لقاء، لكن المسرحية الهزلية الهزيلة لن تأخذ باعتبارها، التفاوت الفاقع في حجم أجساد وأعمار الملثمين الممثلين، عن أحجام وأعمار الصبية الصغار الذين يقومون بممارسة الاحتجاجات في الشوارع وإغلاق الطرق. كما ستنسى المسرحية أن الأقنعة التي تم استخدامها في المسرحية هي نفسها تلك التي يرتديها رجال الأمن والعسكر في كل مكان، وهي تختلف تماماً عن تلك التي يغطي الصبية بها وجهوههم.(13)
■ لم ننته..
لم ينتهِ هذا التقرير. هناك سببان، الأول أن ما قام التلفزيون من مكارثية، لا يمكن تغطيتها في تقرير محدود مثل هذا، والثاني أن التلفزيون لا يزال يقوم بالدور نفسه وإن تغيرت بعض أساليبه. سينتهي هذا التقرير حين ينتهي الحدث بانتصار إرادة الشعب وانتصارهم على الوهم والخوف، وحتى ذلك الحين سيبقى هذا الملف مفتوحاً على الزيادة.
هوامش:
- يوتيوب أم خليفة تستنجد من الشيعة.
- يوتيوب حلقة من برنامج (حدث خاص) ومحاكمة الرياضيين.
- حلقة أخرى من محاكمة الرياضيين.
- يوتيوب حلقة برنامج الراصد ومحاكمة استجوابية لرئيس هيئة سوق العمل.
- جزء 2 من حلقة الراصد وسوق العمل.
- مقدم برنامج الراصد يتهم المحتجين بهدم المساجد.
- يوتيوب يوضح بعض فضائح فبركات تلفزيون البحرين.
- يوتيوب اتصال المواطن الشاب علي ياسين.
- يوتيوب اعتذار آيات القرمزي في برنامج سعيد الحمد.
- اعتراف واعتذار الدكتور جعفر طوق.
- انظر مرآة البحرين: سوسن الشاعر مع ستيفني: أسئلة كاذبة وأجوبة صادق.
- يوتيوب يظهر سوسن الشاعر عبر أسئلتها لكل من ولي العهد، والقائم بأعمال السفير الأمريكي كل على حده، وفيها يظهر الشحن الموجه للأسئلة واستراتيجية: أنا أعلم منك.
- يوتيوب المسرحية الهزلية التي عرضت في تلفزيون البحرين لجماعة تخريبية على أنها تمثل الصبية المحتجين في الشوارع.