» رأي
مثقفو الخليج وربيع الحنظل
علي داوود - 2012-02-18 - 6:39 م
علي داوود*
لم يجد أهل البحرين في محنتهم الأخيرة من يسندهم خليجياً في دفاعهم عن الحرية والديمقراطية التي تذكرنا صور الضحايا والمفصولين والمسجونين والهاربين إلى المنفى بحجم الكلفة التي يراد لهذه الجزيرة أن تدفعها لتقطف ثمار نضالها الذي لم يبدأ اليوم، وإنما من لحظة الاستقلال وبعدها لحظة التأسيس لأول مجلس نيابي في مطلع السبعينيات..فعدا الأصوات القليلة جداً التي حاولت مقاربة المظلومية التي يحياها هذا الشعب، ظلت الأصوات المثقفة والوجوه السياسية الشعبية تحاول إما أن تأنى عن الخوض في هذا الشأن، أو تفضل البقاء في منطقة السجال حول طائفية الحراك وباقي التهم التي روجت لها قنوات التخويف الطائفي.
السطور التي كتبتها هذه النخبة لم تشأ أن تنصف الإنسان البحريني، بل راحت تستثمر في "صراع الهوايات" لتشرعن به كل الخوف الرسمي الخليجي والذي مهد لعبور قوات درع الجزيرة إلى البحرين، فتحوا كل الدفاتر القديمة ليتربعوا على عقد التفريس وتهم التمجيس، فكان أن أشبعوا الصفحات بالحديث عن عرض الأمة، ووحدة الأمة، وقادة الأمة، بينما كان الناس في الشارع البحريني لا يرون إلا الدم و لا يشمون إلا الغازات ولا يسمعون إلا القنابل الصوتية، ولا يعرفون إلا المضايقات والمداهمات والاعتقال، وكان صراخهم يصل للسماء، ولكل أطراف الأرض، لكنه لا يصل غالباً إلى حدود الجيران المسورة بمخاوف الانتقال من البدوقراطية إلى ديمقراطية تحرك كل الكراسي في الخليج.
صحيح أن الربيع العربي بعمومه كشف عن نفعية المثقف العربي ووصوليته، عن نفسه الطويل في المداهنة والانتفاع من الأمر الواقع، غير أن ربيع البحرين كشف أيضاً عن تبعيته للمتغلب، وعن ارتهانه لخطاب السلطة المنذور لحسابات القبيلة والطائفة..كانوا لا يجدون حرجاً في تقلبهم، وفي تغنيهم بكل الشعارات الثورية بعد فترة التردد أو التآمر- إن شئنا القول- والتي ذكرتنا بطفيلية هذا اللون من المثقفين، الذين كانوا أول الناس تشكيكاً في تلك الثورات وآخر الناس إنصافاً للمشاركين فيها.
هزائم السلطة وحدها من حرك هذا الطابور الطويل من مثقفي الخليج من مواقعهم، وجعلهم يتموضعون على أطراف الاستحقاق الجديد، باتوا بعد كل سقوط مدو لحاكم عربي أول المهللين والجاردين لحساباته، وكذلك أول المذكرين بأن الخليج في منأى عن تداعيات هذا الربيع، ولأن البحرين لم تصل بعد إلى لحظة الحسم يفضل المتنفعون الاستمرار في مقاومة أحلام الناس بأقلامهم ومواقفهم التي تشربت كل ظنون الصحراء البليدة، وباتت نسخة كربونية من كل جاهلية سياسية مرت بها، لا يريدون أن ينحوا جانباً هواجسهم الطائفية ليقاربوا حدثاً إنسانياً بامتياز، هم أمينون على صورة المجتمع ماقبل المدني، يصعدون من أفعال الخراب الفكرية، ويطرزون حكايات لليل حول نزاعات الفرس والعرب، المجوس والمسلمين، والشيعة والسنة، حتى لا يرون بعدها أثراً لصراع بين دعاة الديمقراطية ودعاة الاستبداد.
خرج تقرير بسيوني ملوناً بألوان الظلم التي نالت المشاركين في احتجاجات البحرين، ولم يخرج مثقفو السلطة من شرنقة التأويلات البليدة، أغمضوا أعينهم ثانية، وثالثة، من أول الخليج إلى آخره، عن انتهاكات حقوق الإنسان، عن قائمة انتقام طويلة من كرامة وهوية وإرث أبناء هذا الوطن، كل هذا لم يكن يساوي في حساباتهم شيئاً يذكر، ظلوا جوقة تغني لخليج متخيل، خليج يراد للمثقف فيه إن يكون ملمعاً لجوخ الساسة.
هم أكثر من أن تحصيهم مقالة، غير أنهم في نفس الوقت أصغر من أن يعطلوا الطريق على الناس الذاهبين للحرية، والحاصل أنه كما في الربيع العربي من ورود وأزهار هنالك ثمار مرة كهؤلاء المثقفين الذين كانوا للأسف حنظل هذا الربيع، وحصاده المر.