النيويورك تايمز: آنا تيريز داي: الصّحافية نزيهة سعيد تواصل نضالها من أجل حرية الصّحافة في البحرين

آنا تيريز داي - النيويورك تايمز - 2016-08-23 - 4:04 ص

ترجمة مرآة البحرين

غالبًا ما يشير النّاجون من التّعذيب  إلى الأثر المذهل لعصب العينين. ربما على نحو غير متوقع،  يصف الكثيرون هذا الحرمان الحسي كنوع من التّعذيب النّفسي يسبب الشّلل والأرق كما العنف نفسه. ويذكرون العجز في وجه المجهول، والخوف المزعج من الخطوة التّالية، والرّعشة التي لا يمكن التّنبؤ بها بين الصّمت النّذير وتفجرات العنف، كصدمة دائمة تبقى مستقرة في ذاكرة النّاجين لفترة طويلة بعد شفاء الجراح الجسدية.

عصب العينين يضاعف كل همسة، رائحة، ضحكة خبيثة، صرخة، أو محادثة في الغرفة. تشتد كل عضلة، وتستعد بتخوف، لأن كل دقيقة تمتد إلى ساعات ولأن كل دقة قلب تغير مقياس الوقت. يشعر الضّحايا بالحرارة بسبب أي وجود في وسطهم ولكن يبقون عاجزين عن توقع اتجاه الضّربة المقبلة.

وفقًا لما تمت الإفادة عنه على نطاق واسع، وحتى تمت الإشارة إليه في تقرير اللّجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، المُفَوضة من قبل ملك البحرين، تم تعذيب الصّحافية نزيهة سعيد، الحائزة على جوائز دولية، أثناء احتجازها من قبل الشّرطة في العام 2011. وعند استدعائها للاستجواب على خلفية تقديمها تقارير صحافية، وادعت نزيهة سعيد أنّه تم عصب عينيها ولكمها وركلها وضربها بأنبوب بلاستيكي وتعريضها للصّدمات الكهربائية. أحد عناصر الشّرطة وضع رأسها في المرحاض وحذاء في فمها؛ شرطي آخر وضع البول على وجهها في حين أجبرها شرطي ثالث على النّهيق كالحمار والسّير كالحيوانات.

وعند الإفراج عنها أخيرًا بعد 13 ساعة، وبعد أن تم إجبارها على الإدلاء باعترافات زائفة، بالكاد استطاعت المشي.

وبالتّفكر في معركتها القانونية التي امتدت لعامين، والتي نتجت عنها تبرئة عناصر الشّرطة، قالت نزيهة سعيد إنّ "قضيتي كانت أول قضية تعذيب [من بين عشرات الادعاءات ضد الحكومة البحرينية] تم التّحقيق بشأنها من قبل القضاء [البحريني]. كنت أعتقد أني سأحصل على العدالة لكن يبدو أنّه لم يكن عليّ أن آمل الكثير".

وأضافت نزيهة سعيد أنّه "من المؤلم التّفكير أن الأشخاص الذين عذبوك أحرار في فعل ذلك مرة أخرى... حين سمعت القرار، بدأت بالبكاء".

منذ أسبوعين، توفي حسن جاسم حسن الحايكي، وهو معتقل بحريني يبلغ من العمر 35 عامًا، في السّجن. وتطالب عائلته، وكذلك المنظمات الدّولية لحقوق الإنسان بالإفراج عن جسده وسط ادعاءات جديدة عن التّعذيب من قبل الدّولة في البحرين.

ليس الحايكي إلا الضحية الأحدث في الحملة المتجددة للمملكة البحرينية لقمع شعبها. على مدى الشّهرين الماضيين، حظرت الحكومة البحرينية الجمعية المعارضة الأبرز في البلاد وسحبت جنسية عالم دين شيعي بارز، وسجنت المدافعين عن حقوق الإنسان، بمن في ذلك النّاشط الشّهير في أرجاء العالم نبيل رجب.

في يونيو/حزيران، مُنِعت نزيهة سعيد من مغادرة البلاد، واكتشفت أنّها وُضِعت على لائحة حظر السّفر إلى جانب نشطاء حقوق الإنسان وأعضاء المعارضة. في يوليو/تموز، أُعلِمت بأنها تواجه تهمًا جديدة على خلفية "العمل بشكل غير شرعي لوسائل إعلام دولية".

وقالت نزيهة سعيد، من المنامة عاصمة البحرين، لمنظمة نساء من العالم إنه "قد فوجئت. لم يكن لديّ أدنى فكرة عما سيحدث لاحقًا".

في يوليو/تموز، دعت 43 منظمة غير دولية من أجل حرية التّعبير الحكومة البحرينية إلى احترام حرية الصّحافة و"وضع حد للأعمال الانتقامية بحق نزيهة سعيد ورفع حظر السّفر وإسقاط كل التّهم الموجهة إليها".

وقال جو ستورك، نائب مدير مكتب الشّرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان صحفي صدر مؤخرًا إن "البحرين تجعل أي شخص ينتقد السّياسات التي تزداد قمعًا للحكومة مجرمًا"، وأضاف أنّ "أي حكومة تزعم أنّها تدعم حرية الصّحافة تحتاج إلى الجهر بصوت عال وبوضوح دعمًا لنزيهة سعيد". وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد اعترفت بنزيهة سعيد ونضالها من أجل حرية الصّحافة في البحرين، وموّلت حتى مشاركتها في مؤتمر وزارة الخارجية الأمريكية لسلامة الصّحافيين في العام 2015. مع ذلك، وحتى الآن، بقيت وزارة الخارجية صامتة بشأن التّطورات الأخيرة في قضيتها.

وعلى الرّغم من كونها جزيرة صغيرة، إلا أن البحرين موطن للأسطول الخامس الأمريكي، وهو قاعدة حاسمة للعمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة. ويُنظَر إلى الأسطول الخامس الأمريكي أيضًا على أنّه ضمان لإمدادات النّفط في العالم، نظرًا لموقعه الاستراتيجي في الخليج بين السّعودية وإيران والعراق.

قبل حملة القمع التي شنتها المملكة البحرينية في العام 2011، باعت الولايات المتحدة تجهيزات عسكرية فاقت قيمتها 1.4 مليار دولار إلى البحرين منذ العام 2000. صانعو تجهيزات الدّفاع الأمريكية، مثل لوكهيد مارتن وبيل هليكوبتر، استفادوا على نحو واسع من مبيعات الأسلحة إلى البحرين؛ مع ذلك؛ في العام 2011، عرض نشطاء بحرينيون كيف أن الأسلحة المصنوعة في الولايات المتحدة استُخدِمت ضد المتظاهرين من قبل النّظام الملكي البحريني.

ويمنع كل من قانون مراقبة تصدير الأسلحة وقانون ليهي الولايات المتحدة من الموافقة على مبيعات الأسلحة من قبل مُصَنعي أسلحة الدّفاع الأمريكية إلى البلدان التي تنتهك حقوق الإنسان.

علّقت الولايات المتحدة مؤقتًا مبيعات أسلحة تبلغ قيمتها 53 مليون دولار أمريكي إلى البحرين، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النّظام الملكي في العام 2011. وبحلول العام 2015، استأنفت وزارة الخارجية الكثير من المساعدات العسكرية إلى البحرين، ذاكرة إصلاحات إيجابية من قبل الحكومة البحرينية وكذلك حاجة ملحوظة للتّعاون الأمني مع النّظام الملكي البحريني في حربه ضد داعش.

مع ذلك، في 30 يونيو/حزيران من العام الحالي، وجّهت مجموعة من نواب الحزبين، الجمهوري والدّيمقراطي، رسالة إلى وزارة الخارجية الأمريكية، عبر فيها النّواب عن قلقهم من حملة القمع المتصاعدة في البحرين. وطلبت الرّسالة المزيد من المعلومات من وزارة الخارجية في ما يتعلق بعملية الإصلاح والمصالحة الجاريين بين النّظام الملكي والمعارضة، والتي كان استئناف مبيعات الأسلحة سابقًا متعلقًا بها.

ومع ذلك، في 6 يوليو/تموز، وجه ثلاثة نواب من الحزب الجمهوري رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الدّفاع آش كارتر ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس يدعون فيها إلى استئناف المبيعات العسكرية إلى البحرين. وتشمل المبيعات معدات من شركة لوكهيد مارتن، وهو مُصَنّع لمعدات الدّفاع في الأمريكية، يتلقى منه النّواب الثلاثة مساهمات في حملاتهم الانتخابية.

المخاوف بشأن حقوق الإنسان في رسالة أعضاء مجلس الشّيوخ في الولايات المتحدة تتلاقى مع مزاعم المنظمات البحرينية لحقوق الإنسان. يشير هؤلاء النّشطاء إلى أنّه، من بين الإصلاحات الـ 26 الموصى بها في عملية المصالحة، تم تنفيذ اثنتين فقط بشكل كامل، في حين تبقى 24 منها مُنَفّذة بشكل جزئي أو غير منفذة على الإطلاق.

وفي حين تواصل الولايات المتحدة المراوغة بشأن مبيعات الأسلحة إلى البحرين، يواصل النّظام الملكي البحريني حملة القمع ضد مواطنيه، مثل نزيهة سعيد، والذين ينتظرون مصيرهم بخوف. مع ذلك، على الرّغم من التّطورات الخطيرة، ستواصل نزيهة سعيد وفريقها القانوني محاولة التّعاون مع السّلطات.

وكتبت سعيد قائلة: "ما فعلوه غيّر حياتي إلى الأبد... في عيون بعض النّاس، جعلتني محنتي عضوًا في المعارضة. إنّهم مخطئون". وأضافت "سأظل صحافية موضوعية . لقد حاول النّظام أن يجعل مني ضحية، لكنه لم ينجح في ذلك".

وفي أعقاب محنتها -التّعذيب واللّجوء الفاشل إلى القانون، أصبحت  نزيهة سعيد  مدافعة علنًا عن الصّحافيين الآخرين الذين يواجهون قمعًا مماثلًا. تحتل البحرين المرتبة 162 من أصل 180 وفقًا لمؤشر حرية الصّحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود. على الأقل عشرة صحافيين وعاملين في وسائل الإعلام مسجونون اليوم في البحرين، بمن في ذلك سيد أحمد الموسوي، وأحمد حميدان، وحسين حبيل، ومحمود الجزيري، وقاسم زين الدّين، وجعفر المرهون، وأحمد زين الدّين، ومصطفى ربيع وحسام سرور.

وكتبت نزيهة سعيد في العام 2013 عن قضيتها: "لكن لأن وسائل الإعلام الدّولية اهتمت بقضيتي، استطعت جذب الانتباه إلى مصير الصّحافيين هنا". وأضافت أنّه "الآن لدي هدف في حياتي -الدّفاع عن حرية الصّحافة. أدافع عن حقوق الصّحافيين في نقل الأخبار بشكل عادل ومحايد. كثير من الصّحافيين الآخرين تعرضوا للضّرب والتّعذيب".

التّاريخ: 16 أغسطس/آب 2016

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus