أوبن ديموكراسي: ازدواجية الدّيمقراطية في البحرين: كيف تروي الحكومة صيف القمع؟

سام جونز - أوبن ديموكراسي - 2016-09-24 - 5:52 م

ترجمة مرآة البحرين

منذ بداية شهر يونيو/حزيران، نفت الحكومة البحرينية النّاشطة زينب الخواجة قسرًا، وسحبت جنسية عالم الدين الأبرز في البلاد، آية الله الشّيخ عيسى قاسم، وحلّت أكبر جماعة معارضة، جمعية الوفاق الوطنية الإسلامية، وأعادت اعتقال المدافع البارز عن حقوق الإنسان نبيل رجب، ووجهت تهمًا جنائية ضد عالم الدين المعروف عالميًا الشّيخ ميثم السّلمان، وضايقت قضائيًا أكثر من 60 شخصية دينية شيعية بارزة على خلفية ادعاءات ترتبط فقط بالخطب والتّظاهرات السّلمية.

هل يمكنك الكلام عن  "انتصار ديمقراطي"؟

يبدو أن خليفة الفاضل، وهو أستاذ قانون في جامعة البحرين وعضو معين من قبل الأسرة المالكة في معهد البحرين للتّنمية السّياسية الذي تديره وزارة شؤون الإعلام، يعتقد أن الأمر واضح. في مقالين متشابهين نُشِرا مؤخرًا في ريل كلير بوليتيكس وأوبن ديموكراسي، "الخطوة الدّيمقراطية غير المعروفة في البحرين" و"تعليق الوفاق: انتصار للدّيمقراطية في البحرين" -، يصف الفاضل العام 2016 بأنه عام فاصل في مسيرة البلاد، مؤكدًا أن الحكومة هزمت أخيرًا قوى القروسطية الجديدة باسم التعددية، والليبرالية السّياسية من خلال إغلاق الوفاق ومنع الزعماء الدينيين من المشاركة السّياسية.

ومخاطبًا صانعي السّياسة في المقال الأول، يدعو الفاضل إلى صورة كاريكاتيرية للعلمانية والإيرانوفوبيا والخوف من الإسلام، قائلًا إن "البعض وصفوا الوفاق بأنها جمعية معارضة في البحرين, ليست هذه الحقيقة كلها... الوفاق، في الواقع، هي وكيل لإيران في البحرين. إنها منظمة دينية شيعية متطرفة تتنكر كحزب سياسي".

ووفقًا لما أشارت إليه تقريبًا كل منظمة غير حكومية وحكومة أجنبية خارج دول مجلس التّعاون الخليجي، فإن الأمر بعيد  فعليًا عن كونه الحقيقة كلها.

لكن المشكلة ليست ببساطة في أن كتابة الفاضل تعج بالتّضليل؛ إنها تكمن في تقديمه مزاعم لا أساس لها كتعليق مستقل. بدلًا من ذلك، يتلاءم مقاله مع نمط أوسع نطاقًا من "الطّائفية الاستراتيجية" -وهو هجوم من قبل وسائل الإعلام الممولة من قبل الدّولة لتشويه سمعة أي معارضة من خلال مزيج من الاتهامات التي لا أساس لها والتّهنئة الزّائفة للنّفس.

استنادًا إلى خبيري الخليج مارك أوين جونز وجستن غينغلر، تموضعت الحكومة البحرينية من خلال هذه "المنهجة المستهدفة للخطاب الطّائفي"، في الوقت ذاته، "كمصدر أولي ونصبت نفسها كحل لانعدام الأمان الطّائفي" الذي ولده التّهميش السّياسي المستمر. يمكن إيجاد حجج شبه متطابقة في كل شيء، من الحسابات الأوتوماتيكية على تويتر إلى وسائل الإعلام الرسمية، بما في ذلك البيانات من مسؤول الفاضل، وزير شؤون الإعلام.

إن كان مثل هذا الطاب يكشف أمرًا جوهريًا، عندها، فإنه يكشف عن الإطار الطّائفي الدّائم الذي يدعم الحملة العنيفة المستمرة ومؤخرًا المكثفة للحكومة ضد الأصوات المعارضة. مقالات الفاضل بارزة جدًا، وتقدم فرصة لتفكيك اللغة الأورويلية [نسبة إلى جورج أورويل] للدكتاتورية الطّائفية التي تسهل العلاقة الرمزية بين التّمييز الدّيني والقمع الشّامل في البحرين.

في نهاية المطاف، فإن الاستدعاء المفرط للشّعارات الليبرالية من دون قصد يشير إلى إرادة المملكة الدّوس على أبسط القيم الدّيمقراطية الأساسية - الاعتقاد والتعبير والتجمع الحر وتكوين الجمعيات- بهدف مواصلة حرمان الغالبية المضطربة في البلاد.

الاستخدام المتكرر لكلمة "حزب"، على سبيل المثال، يوحي بالافتراض المضلل بأن البحرين تتصرف وفق ديمقراطية حزبية: هي لا تفعل ذلك. الأحزاب السّياسية الرّسمية ما تزال غير شرعية ويتم إجراء الانتخابات فقط من أجل مجلس النّواب، وهو جسم تشريعي مقيد بشدة يتبع لكل من مجلس الشّورة المعين ملكيًا وللملك. ومع إغلاق الوفاق، يبدو من المرجح، على نحو متزايد، أن الحكومة قد تحظر "الجمعيات السّياسية"، أي الشّكل الغامض من الجمعيات السّياسية المسموح به حاليًا في البحرين.

ويشيد الفاضل على نحو مماثل بالتّعديل الأخير للحكومة بشأن تشريعات المجتمع السّياسي -الذي يمنع الشّخصيات الدّينية من مناقشة السّياسة في الخطب أو المشاركة في الجمعيات -كإنجاز جفرسوني إيجابي: " هذا الحظر هو ربما الخطوة الأكثر دلالة باتجاه الدّيمقراطية في التّاريخ السّياسي المعاصر للبحرين". لا يشير إلى كيفية استخدام "الحظر المفروض على العمائم" -كما هو معروف داخل المجتمع الدبلوماسي- "بشكل حصري" لاستهداف الزّعماء الشّيعة، على الرّغم من وجود حركة إسلامية سنية.

يفشل الفاضل كذلك في التّوفيق بين هذا الالتزام المزعوم بالحكم العلماني وبين إعجابه الواضح بالسّعودية-وهي مملكة دينية مطلقة- وحربها المفترضة ضد "التّعصب الإسلامي" المتمثل في إيران. ظاهريًا، تنطبق القروسطية فقط على الحركات السياسية الشّيعية.

الجدير ذكره أن الحكومة طابقت موجة الطّائفية الاستراتيجية الأخيرة هذه مع نماذجها القديمة من توزيع الدّوائر الانتخابية والهندسة الديموغرافية الرّامية إلى تقويض مشاركة الغالبية في العملية السّياسية. لطالما التزمت الحكومة البحرينية على مدى عقود بالتّمييز في عملية توزيع الدّوائر السّياسية للتّخفيف من قوة التّصويت الشّيعي، وتعزيز أصوات أنصار الحكومة، وعلى وجه الخصوص، منع الوفاق من الحصول على نسبة كبيرة من الأصوات.

وعلى الرّغم من ادعاءات الفاضل، وجد غينغلر مؤخرًا أن إعادة التّوزيع وفق "نهج طائفي" أضر إلى درجة كبيرة بـ "الفرص الانتخابية للمرشحين الشّعبيين والعلمانيين"، ما أدى إلى مجلس نواب "منقسم بشكل دائم بين الإسلاميين السّنة والمستقلين القبليين المخلصين" في أعقاب مقاطعة الوفاق للانتخابات في العام 2014 وحلها في وقت لاحق.

في الوقت ذاته، وكما وثق خبراء الأمم المتحدة الأمر، زادت الحكومة من استخدام أحكام سحب الجنسية بشكل تعسفي لمعاقبة مئات النّشطاء والناقدين والمدافعين عن حقوق الإنسان من الغالبية الشّيعية، وترحيلهم في نهاية المطاف.

الوجه المقابل لهذه السّياسة -أي تجنيس الحكومة لآلاف عناصر الأمن من الأجانب السّنة- خدم هدفها الإضافي بتعزيز قاعدة دعمها السّنية وتحصين الأجهزة الأمنية ضد الغالبية السّكانية في البحرين.

لماذا يبدو "الانتصار الدّيمقراطي" للبحرين ضيق الأفق بشكل بارز؟

ربما لأن العام 2016 هو عام حاسم حقًا بالنّسبة للبحرين-حيث تم إظهار الاستبداد الطّائفي هذا العام على أنه إصلاح تقدمي. واصفًا حراك العام 2011 المطالب بالديمقراطية الذي شارك فيه أكثر من نصف عدد مواطني البحرين بأنه "انتفاضة طائفية مدعومة من إيران"، يؤكد الفاضل أنّه على الحكومة أن تواصل "استبعاد الجهات المتعصبة التي لا تلتزم بالمبادئ الدّيمقراطية"، و"عرقلة العقد الاجتماعي"، و"تقويض إرادة النّاخبين الشّيعة".

في رؤية الفاضل للنظرية السّياسية اللّيبرالية، فإنها ليست ملكية شبه مطلقة تلك التي تعوق العقد الاجتماعي، بدلًا من ذلك، إنها الملكية وحدها التي تستطيع حماية الدّيمقراطية من الجماهير. علاوة على ذلك، لا يجب على الملك وحكومته أن يحددوا فقط مضمون المبادئ الدّيمقراطية ولكن إرادة الغالبية الشّيعية، التي أشار الفاضل إلى بعض أفرادها باستخدام المصطلح الطّائفي "الروافض".

بالإضافة إلى هذا العذر الأبوي من أجل الإصلاح الدّيمقراطي، فقد عيّرت الحكومة استخدام الخطاب الطّائفي لإثارة المخاوف الأمنية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول مجلس التّعاون الخليجي بشأن التّأثير الإيراني في حين تفرض قيودًا معتمة أوسع على أي شكل من أشكال المعارضة، سواء كانت شيعية أو غيرها. وعلى الرّغم من استنتاج اللّجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، التي لم تجد أي دليل على التّدخل الإيراني في الحراك المطالب بالدّيمقراطية في البلاد، وصفت السّلطات البحرينية باستمرار المتظاهرين السّلميين بالّطابور الخامس المتطرف  الموالي لإيران.

وفي نسخة آلية من الحجج المعادة صياغتها للفاضل، وجد جونز مؤخرًا أن الحكومة و/أو أنصارها أنشأوا مئات الحسابات المزيفة على تويتر من أجل هدف واضح هو "الدعاية المتكررة التي تصل أعمال العنف والإرهاب والاضطرابات بالعرب الشّيعة وإيران". وعلى الرّغم من أن تويتر أحاط علمًا بهذا التّحقيق وحظر حوالي 1800 حسابًا آليًا، إلا أن الحسابات الطّائفية بقيت مسؤولة عن أكثر من نصف التّغريدات التي تضمنت هاشتاغ البحرين في يونيو/حزيران الماضي.

عندما كان الوقت مناسبًا -وغالبًا ما ساعده الموقف الإيراني من دون قصد- استغلت السّلطات البحرينية هذه الطّائفية المسندة، التي برزت في تنازلات "ديمقراطية" متقلبة للحصول على مساعدات دفاعية من الولايات المتحدة.

في وسط الصّفقة النووية الإيرانية في العام 2015، على سبيل المثال، أفرجت الحكومة البحرينية في وقت مبكر عن الأمين العام السّابق لجمعية  وعد المعارضة، ابراهيم شريف، وحثت وزارة الخارجية الأمريكية على رفع حظر عقابي عن الأسلحة. وبمجرد استئناف مبيعات الأسلحة الأمريكية، أعادت السّلطات البحرينية اعتقال شريف على خلفية تهم تتعلق فقط بخطاباته السّياسية - تغيير كامل ومفاجئ سرعان ما أصبح تكتيكًا شائعًا لدى الحكومة.

مع ذلك، هذه الحالة مفيدة بشكل خاص لفهم الطّائفية الممنهجة كأداة في البحرين، لأن شريف ليس شخصية دينية شيعية، إنه سني، ووعد تتألف بشكل أساسي من علمانيين يساريين. في العام 2011، حكمت محكمة عسكرية على شريف بالسّجن خمسة أعوام على خلفية انتقاده السّلمي للحكومة والدعوة إلى "نظام جمهوري". أمضى شريف أربع سنوات من محكوميته، وكذلك فترة لاحقة بلغت عامًا، لكن النيابة العامة استأنفت القضية الأخيرة بنية تمديد فترة عقوبته.

هل شريف هو أيضًا بعبع غير ليبرالي يهدد الدّيمقراطية العلمانية الوليدة للفاضل؟ أو أنه ممثل لآلاف سجناء الرأي البحرينيين المحتجزين فقط بسبب معتقداتهم الدّينية أو السّياسية، وآلاف الضّحايا "غير المعروفين" للاستبداد الذي يزداد عمقًا، والذي تحميه الطّائفية الاستراتيجية؟ نظرًا للمقياس الحالي للقمع في البحرين، يصبح الجواب الحقيقي أكثر وضوحًا كل يوم.

في نهاية المطاف، في حال واصلت الحكومة سجن أو ترحيل كل صوت منتقد -تحت غطاء رواية طائفية مسبكة بإحكام - فإن تشويه الفاضل للدّيمقراطية قد ينتصر في البحرين. وفي تلك المرحلة، لن تسمعوا بالتأكيد أي معارضة.

النّص الأصلي    


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus