جمال فخرو.. الليبرالية في عمر الستين
2016-10-30 - 3:49 ص
مرآة البحرين (خاص): لا يسخر جمال فخرو من الأهالي "المحاصرين في الدراز"؛ لكنه في الحقيقة يسخر من الوجه النيو - ليبرالي الذي مثله. نحن أمام خطاب ذكوري برّي فاقع يذكرنا بمجالس الجواري أو تقاليد السبي؛ حيث تباع النساء وتُشرى. باستدعائه لصورة عارضة التعرّي جايلين أوجيدا، الصدر الناهد وراء القميص الخليع الشفاف وتعليقه الممهور عليها "إهداء للمحاصرين في الدراز" يضعنا جمال فخرو أمام عقليّة رجل شرقيّ ادعائي تافه. الحقيقة هو الرجل إيّاه الذي قدّم نفسه على مدى سنوات بوصفه نقيضاً له.
الليبرالي الجديد "المضروب" ذو الستين عاماً ها هو يضبط متلبّساً إذاً. نصير المرأة التنويري ليس سوى بروفة "داعشي" صغير. المرأة مجرّد آلة إغواء للمتعة أو مجرد "شيء" يتصرّف فيه من موقعه المصطفى كرجل. يبيعها جمال فخرو أو يهديها كفائض قيمة، بكرمه كرجل بزنس، إلى "المحاصرين في الدراز"؛ أما داعش فتبيعها أو تهديها كغنيمة حرب، بتوحّشها كقوة إرهابية، إلى جنودها المتعطشين في الموصل أو الرقة.
ما الفرق؟ بلى، هناك فرق واحد. هو الفرق إيّاه بين ما يُعرف بالبيع على الخارطة والبيع نقداً. في الأوّل أنت تبيع وهماً لمّا يصبح في حوزتك بعد. وفي الثاني أنت تبيع أصلاً امتلكته. لم يتملك جمال فخرو جسد العارضة جايلين أوجيدا بعد. لم يتمكّن من سبيها بأمواله أو استدماجها كجارية تحت شركة "كي بي ام جي" فخرو التي يستحوذ من خلالها على العديد من مناقصات الدولة. هي مجرّد صورة. ومضة برْق تلمع في السوشيال ميديال.
ومع ذلك؛ فهو يريد إدخالها ضمن نطاق ممتلكاته وتعاملاته السوقية. جسد للإغواء مرسوم على الخارطة بلغة "البيكسل" يقدّمه كهديّة لأولئك "المحاصرين في الدراز". "داعش" لم تتقن أنظمة البيع الجديدة في زمن العولمة؛ لذا فهي تعتمد نظام البيع الآخر، الكلاسيكي القديم. تسبي النساء مباشرة وتبيعهم.
ماذا يعني "تشييء" المرأة الذي تحاربه كل الحركات النسوية؟ إنه هذا الخطاب بالضبط. هذا النموذج إيّاه. الأمر لا يتعلّق بزلّة لسان تركها جمال فخرو في مجموعة "واتس اب" خاصّة بأعضاء السلطة التشريعية. إنما يتعلّق بتلك المنطقة السحيقة في المخ. حيث تستقرّ كل أنواع البلاهات والتفاهات والقيم الرّجعية. تلك المنطقة التي لا يمكن للمساحيق أن تطالها أو تجمّلها. لقد ورث جمال فخرو ثروة طائلة من والده الذي كان يطلق عليه "نص الدنيا" كناية عن بحبوحته وسعة ثرائه. لربما تخيّل فخرو في يوم ما أن يستطيع بواسطة هذه الثروة الطائلة امتلاك جسد جايلين أوجيدا وإدخالها في "نص الدنيا".
لكن ماذا سيفعل مع منطقة اللاوعي؟ المنطقة التي تحتفظ بكامل "داتا" الأهواء والولاءات الخفيّة التي تثبت كم هو رجعيّ وبذيء وتافه. هل يظن أن باستطاعته إدخال اللاوعي في "نص الدنيا" أيضاً!
لا يتلاشى الحوار السياسي في البحرين فقط؛ بل يصل مستوى المتبقي منه إلى الانحطاط. مسئولون وصل لديهم بؤس لغة التخاطب مع بعضهم ومع الشعب إلى درجة الوضاعة. وزير تتم إقالته لتصويره إصبعه الوسطى لحظة سخريته من نشاط رياضي لابن الملك. ناطق باسم جهاز أمني يجبر على مسح حسابه في "تويتر" بعد وصفه مواطنيه بأن "ربهم بشر ومعصومهم إله وعمائمهم تزني بهم". نائب رئيس أمن يجبر على حذف حسابه في "انستغرام" بعد أن نعت فئة من مواطني البلاد بأنهم "نغول وأبناء زنا المحارم ويتبادلون زوجاتهم".
وهكذا دواليك؛ وصلات متوالية من السباب والشتائم يندر رؤية مثيل لها، كوسيلة للتخاطب عند مسئولي الشعب، في أي من دول المنطقة.
ها هو ذا مسئول تناهز سنوات شغله عضوية مجلس الشورى المعيّن من الملك نحو العشرين عاماً يخاطب أهالي واحدة من القرى الفقيرة في بلاده مسخدماً صورة "بورنو" لعارضة تعرّي. "إهداء للمحاصرين في الدراز".
في كلّ ذلك، يمثل تحقير المرأة وجه الشراكة الأبرز في كل هذه الخطابات. إنها امرأة واحدة مشحونة بكلّ متخيّل التخلف للرجل البدائي في مجتمع ما قبل التمدّن: المرأة التي تزني بها العمائم. المرأة التي تمنح أولاداً من المتعة. المرأة التي تُقدم هدية للمحاصرين في الدراز. إنها امرأة واحدة. أما الرّجل فأشكال وألوان ومناصب. سلفي في مرّة: الناطق باسم الجيش البحريني خالد البوعينين. أمنيّ من العائلة الحاكمة في مرّة: نائب رئيس الأمن العام خليفة بن أحمد آل خليفة. ومرّة ليبرالي جديد: نائب رئيس مجلس الشورى جمال فخرو.
يشبه هؤلاء بعضهم البعض. أما أهالي الدراز المحاصرين فلا يشبهون سوى أنفسهم. الناس الفقراء الصامدون منذ أربعة أشهر؛ بل منذ ست سنوات بلا كلل، والمصرّون على أخذ حقوقهم؛ سيأخذونها. أما جمال فخرو فدعه يتعفن من التلصص - مثل مراهق في الستين - على جسد جايلين أوجيدا.