إيمان شمس الدين: الإعدام والقمع السياسي
إيمان شمس الدين - 2017-01-15 - 6:34 ص
أثبتت تجارب الثورات في المنطقة كمصر وتونس واليمن والبحرين، بل والنظريات السياسية والتاريخ السياسي، أن الدول التي تعيش أزمات سياسية وحركات مطلبية، تكون فيها الاعتقالات تعسفية ذات خلفية سياسية، ويكون القضاء مسيسا وغير مستقل، وبالأخص في الدول التي تكون فيها الأنظمة شمولية ومهيمنة على مفاصل الدولة، وعلى ثرواتها وتتحكم في كل موارد الحياة لشعبها.
ومع غياب مجالس المحاسبة والمراقبة، أو وجودها كظاهرة شكلية تخدر المراقبين الدوليين والسذج من الشعب، وتعطيل وظيفتها الرقابية والتشريعية من خلال هيمنة السلطة عليها، تصبح الأحكام القضائية بحق المعارضين خاصة، لا تخلو من شبهة الانتقام السياسي، وحتى أحكام الإعدام لا تخلو من نفس هذه الشبهة.
وما حدث مع عباس السميع لدليل واضح على تسييس الأحكام الصادرة من القضاء، فقد حكم بالإعدام لاتهامه بتفجير وقتل ضابط إماراتي ، وهو يعمل مدرس تربية بدنية، وبالرغم من إقرار مدرسته الروابي بكتاب رسمي بوجوده في دوامه أثناء الحادثة، إلا أن القضاء أصر على التهمة وبنى على ضوئها وأصدر حكمه بالإعدام .
و ما يستطيع الشعب القيام به رفضا لهذه الأحكام وللسلوك التعسفي بحقه خاصة بحق المعارضين منهم، هو التظاهر السلمي والعصيان المدني، واللجوء للمنظمات الحقوقية للضغط على الدول المؤثرة في القرار، لاتخاذ إجراءات تصعيدية بحق تلك الأنظمة التعسفية الشمولية.
وبنظرة سريعة نجد أن العصيان المدني له أثر كبير في الضغط على النظام، كونه يعطل مصادر تمويله وخطوط تجارته، وتعطل مصالح الشعب ومنافعها، وتعهداتها تجاه الدول التي تسبب له خسارات مالية ومعنوية كبيرة، لكن في الحالة البحرينية لا تستطيع المعارضة تفعيل هذه الوسيلة، كون السلطة قامت بتفريغ الجهات الحكومية والخاصة من كل المعارضين أو المشتبه بانتمائهم للمعارضة، وبذلك تكون سحبت ورقة العصيان المدني من يد المعارضة، وقامت بعقاب جماعي يطال أرزاق المعارضين ومصادر عيشهم بكرامة.
هذا فضلا عن تفريغ المعارضة من رموزها الفاعلين المؤثرين من خلال الاعتقال أو التهجير أو سحب الجنسية، بما يجردهم من مواطنيتهم وانتمائهم بالتالي لا يحق لهم المطالبة ولا حتى المشاركة في حراك الشعب المطلبي.
لكن، هل يعني ذلك الاستسلام والخضوع لهذا الانحراف السياسي والممارسات التعسفية؟
بالطبع لا، فما زالت هناك وسائل نضالية كثيرة يمكنها تحقيق نذر يسير من التقدم على مستوى الحراك المطلبي، منها المسيرات الرافضة، والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ومنها المطالبات الحقوقية من خلال منظمات دولية فاعلة قادرة على صنع وعي غربي للشعوب ويمارس ضغطا على الحكومات المؤثرة، والتي بدورها قد تُحْرَج أمام شعوبها فتضطر لأخذ بعض الخطوات الإجرائية للضغط على النظام، ليخفف الضغط على الشعب.
ولكن أيضا أمام معضلة تواطؤ هذه الحكومات الغربية المؤثرة في القرار مع النظام يبقى لدينا نضالان :
- داخلي بالاستمرار في الحراك والتظاهرات السلمية، ومحاولة إثبات الانتهاكات والتعسف الذي يقوم به النظام، والاعتصامات التي تمنع اعتقال مزيد من الرموز القيادية، هذا فضلا عن الفعالية في وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال صوت الحراك موثقا مدعما بالأدلة إلى كل مدى يمكن الوصول إليه.
- خارجي من خلال المعارضين الذين باتوا ينتشرون في دول محورية ومؤثرة كثيرة، من خلال الإعلام والمنظمات الحقوقية، ومحاولة صناعة وعي آخر لدى النخب الغربية المؤثرة لإطلاعهم على حقيقة ما يجري من قبل النظام بحق الشعب ومطالباته الحقوقية والسياسية، وما تقوم به حكومته من مساندة للنظام وازدواجية معايير تكرس الاستبداد وتهميش الشعب ومطالبه المحقة.
وفيما يتعلق بالأحكام القضائية المسيسة، لابد من المطالبة بمراقبين محايدين دوليين للاطلاع والتأكد من عدم تسييس الأحكام، ومن منع أي أحكام تقضي بإعدام المتهمين في ظل وجود اضطرابات سياسية، لأن النظام لن يكون محايدا ولهيمنته على كل مفاصل الدولة، فلن يكون القضاء مستقلا وستكون كل الأحكام بحق المعارضين مسيسة وفيها شبهة الانتقام السياسي، وهو ما يستدعي تدخل خارجي يراقب ويشرف على الأحكام الصادرة بحق المعارضين ومن ينتمي إليهم سياسيا وفكريا.
وهذا يتطلب حراك قوي وضاغط للمعارضة في الخارج لإثبات تسييس الأحكام، وتحرك المنظمات الدولية الحقوقية الفاعلة لمنع الإعدامات في ظل الاضطرابات السياسية في البلاد.
*كاتبة كويتية.