‏لماذا غيّر وزير النفط البحريني تصريحاته حول اكتشافات النفط الصخريّ؟

ولي العهد البحريني يسلم رئيس الوزراء عينّة من النفط الصخريّ المكتشف
ولي العهد البحريني يسلم رئيس الوزراء عينّة من النفط الصخريّ المكتشف

2018-04-03 - 12:05 ص

مرآة البحرين (خاص): بين صورة عيّنة النفط الصّخري التي نشرتها وكالة أنباء البحرين "بنا" اليوم (2 أبريل/ نيسان 2018) والتي عنونتها بالمانشيت التالي: "سمو رئيس الوزراء يتسلم عينة من باكورة إنتاج الاكتشاف النفطي‎"، وبين التاريخ الفعليّ للكشف النفطيّ ما يزيد على ستّة أشهر من الزّمان. إذ تحتوي الصورة أيضاً على شهادة شركة نفط البحرين "بابكو" المهداة مع قنّينة العيّنة الصخرية إلى رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة والّتي كتب فوقها "عيّنة من حقل البحرين المكتشف في سبتمبر 2017".

ماذا يعني ذلك؟

أن إعلان اللجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الاقتصادي برئاسة وليّ العهد سلمان بن حمد آل خليفة عن "اكتشاف أكبر حقل للنفط في تاريخ البحرين" قد جاء بعد الاكتشاف الحقيقي له على أرض الواقع بزهاء ستّة أشهر.

شهادة "بابكو" تشير إلى أنّ الكشف عن النفط الصخري تمّ في سبتمبر 2017    

الحقيقة أنه ليس ثمّة جديد في ملاحظتنا هذه. فقد سبق لوزير النفط محمد بن خليفة آل خليفة أن تطرّق في كلمة له (6 مارس/ آذار الماضي) خلال افتتاح مؤتمر الشرق الأوسط الثالث عشر للعلوم الجيولوجية (جيو 2018) والذي أقيم في العاصمة البحرينيّة المنامة، تطرّق إلى أن "البحرين كشفت عن نفط صخريّ في المناطق المغمورة". لكنّ الجديد في الأمر هو إشارته في نفس هذه الكلمة إلى أنّ النفط المكتشف غير تجاريّ. قال "اكتشفنا نفطاً صخرياً في المناطق المغمورة جنوب شرقي البحرين؛ ولكن تلك الاكتشافات غير اقتصاديّة الجدوى".

كانت تلك هي كلمات وزير النفط البحرينيّ أمام مديري 100 شركة عالمية يمثلون 19 دولة شاركت في المؤتمر. فماذا جرى في ظرف ثلاثة أسابيع فقط ليصبح الاكتشاف ذا جدوى؟

لا يُجيب وزير النفط عن ذلك. بل أن تصريحاته الجديدة لتلفزيون البحرين بشأن الاكتشاف النفطي الذي أعلن عنه ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة بصفته رئيساً  للجنة العليا للثروات الطبيعية والأمن الاقتصادي تزيد من غموض الأمر أكثر ممّا توضّحخ. إذْ لم تحوِ أية تفاصيل أو معلومات تُذكر سوى القول "إن الهيئة الوطنية للنفط والغاز بصدد عمل مسوحات جيولوجية لتحديد الكميات التي من الممكن استخراجها، تليها دراسات لكيفية استخراجه بأفضل التكنولوجيا التي في ضوئها ستُحدد كلفة الاستخراج، على أن تُحدد أخيرا مواقع الاستخراج".

الحقيقة أنّ "كلفة الاستخراج" ينبغي أن تكون مفتاح السرّ لتناول حقيقة هذا الاكتشاف. فهي "كعب أخيل" البحرين الّذي ينبغي أن يجعلنا حذرين من الذهاب بعيداً في التصفيق له. وطرح تساؤلات ضروريّة حول ما إذا كان إعلان "أكبر اكتشاف في تاريخ البحرين منذ عام 1932 من النفط الصخري الخفيف والذي تقدر كمياته بأضعاف حقل البحرين"، هو أمر حقيقيّ أو نوع من البروباجندا الإعلاميّة للتّغطية على مشكلات اقتصاديّة حقيقيّة.  

إن بيان الإعلان عن الاكتشاف نفسه قد حوى في آخر فقراته على ما يصلح أن يكون الفقرة الأولى فيه. إذ أشار إلى "أن وليّ العهد وجّه لتحديد جدوى الكميات القابلة للاستخراج من هذا الحقل الجديد ووضع الخطط لتطويره بالمدة الزمنية مع مراعاة الطبيعة الجيولوجية للموقع وتكلفة الاستخراج".

لكن ما هي كلفة الاستخراج حقاً؟ ليس ثمة كلفة ثابتة لاستخراج النفط بصورة عامّة، سواء بالنسبة إلى النفط الصخريّ أو النفط التقليديّ. إن هذا مبدأ عام، فقد تختلف كلفة الاستخراج بين حقل وآخر داخل الدولة الواحدة؛ ولكنْ هناك مدى للكلفة. فمثلاً يتراوح مدى كلفة استخراج النفط التقليدي في دول الخليج العربيّ بين 5 و15 دولار للبرميل الواحد. يقدر اقتصاديّون 15 دولاراً كلفة استخراج النفط للبرميل الواحد من "حقل البحرين" بسبب قدم الحقل. بينما في المقابل تهبط كلفة استخراج النفط من حقل "أبو سعفة" إلى 5 دولار فقط للبرميل الواحد!

أمّا استخراج النفط الصخريّ فيزيد مدى كلفته نحو الأربعة أضعاف. وهي تتراوح بين 50 و80 دولاراً لبرميل النفط الصخريّ الواحد. وإذا ما عرفنا أنّ سعر البيع لبرميل النفط حالياً هو 60 دولاراً للبرميل الواحد نفهم لماذا الحديث عن الجدوى الاقتصاديّة يكون ملازماً على الدّوام للحديث عن النفط الصخريّ.

تعتمد الكلفة بشكلٍ أساسيّ على الطبيعة الجيولوجية للأرض وعلى توافر أطقم الحفر الملائمة والبنية التحتيّة اللّازمة. فمثلاً استخراج النفط الصخريّ من الآبار العميقة جدّاً يختلف عن الآبار القريبة من سطح الأرض. بعض الآبار في الولايات المتحدة لا تتعدّى كلفة إنتاج النفط الصخريّ منها 40 دولاراً؛ بينما تتجاوز  كلفة استخراجه من آبار أخرى في الولايات المتحدة نفسها حاجز 100 دولار.

ويجادل اقتصاديّون بأن كلفة إنتاج النفط الصخريّ البحرينيّ ستتخطّى الكُلف الحاليّة بكثير؛ وذلك لأنّ المناطق الجديدة المكتشفة هي "مناطق مغمورة". إن استخراج النفط من المياه المغمورة أعلى كلفة نظراً للحاجة إلى تشييد منصّة في البحر قبل بدء الحفر. كما أنّ خدمة المنصّات البحريّة من البرّ ونقل المواد أعلى كلفة من تلك الّتي في البرّ. وهو الأمر الذي يجعلنا نفهم لماذا أشار وزير النفط البحرينيّ في  كلمته خلال مؤتمر "جيو 2018" إلى أنّ "تلك الاكتشافات غير اقتصاديّة الجدوى".

المعادلة العامّة إذن، هي الكلفة "غير" الاقتصاديّة لاستخراج النفط الصخريّ والّتي تزيد عن سعر بيعه.  يتواجد النفط الصخريّ بكميات هائلة تفوق مخزون النفط التقليدي في غير واحدة من بلدان المنطقة مثل السعودية وإيران وليبيا والجزائر. ولكنّ أيّاً منها لم يرفق هذه الاكتشافات بفرقعات إعلاميّة لعلم مسئولي هذه الدّول بالتحدّيات الاقتصاديّة المصاحبة. بينما تنأى الشركات العالميّة الكبيرة بنفسها عن الاستثمار في تطوير تكنولوجيات إنتاج النفط الصخريّ نظراً لأنه غير ذي جدوى اقتصاديّة. ويقتصرُ تطوير هذه التكنولوجيّات على الشركات إمّا الصغيرة أو المستقلّة. فماذا لدى البحرين من جديد على هذا الصّعيد؟  لنترك الأمر إلى وزير النفط محمد بن خليفة آل خليفة كي يحلّ لنا لغز تغيّر تصريحاته في ظرف ثلاثة أسابيع. أما ولي ّالعهد سلمان بن حمد آل خليفة فالدّعوة له بأن يحلّ مشكلته مع تصريحات وزير النفط.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus