» رأي
(يسقط حمد) شعارٌ أم مطلبٌ سياسي؟
عباس المرشد - 2012-06-15 - 9:25 ص
عباس المرشد*
في مقابلته مع مجلة دير شيغل قال الملك حمد أنَّ مجرّد رفع شعار يسقط حمد لا يُعدُّ جريمةً يُعاقِب عليها القانون، وأنّه غير مكترث بذلك. بالطبع فإنَّ القانون البحريني يُعاقب على رفع هذا الشعار، وكان مجلس النواب قد رفع مُقتَرحًا بقانونٍ لتشديد العقوبة على توجيه إهانات لملك البلاد، والتي من بينها شعار يسقط حمد، وهو ما يكشف عن وجود ازدواجية مُخطّط لها بين تصريحات المسؤولين الرسميين، وحتى الكبار منهم، وما بين التطبيق الفعلي للقانون، وما يجرى على أرض الواقع. فعلى أرض الواقع يكفي أن يُطلِق أحدٌ ما صوت نغمة يسقط حمد حتى تنهال قنابل الغاز على كلِّ المنطقة.
انطلق شعار يسقط حمد منذ الأيام الأولى لثورة 14 فبراير، ولحد الآن لم يُعرف مُصمّم النغمة الشهيرة التي كانت السيارات تُطلقها عند التوجّه للمسيرات السلمية، المرعية من قبل التنظيمات الشبابية آنذاك، قبل تشكيل ائتلاف 14 فبراير، بعد 17 مارس 2011
ازدادت وتيرة رفع الشعار في النصف الثاني من شهر مارس 2011، وكان الصوت المدوّي وقت اقتحام دوار اللؤلؤ من قبل قوات الجيش والحرس الوطني هو صوت قرع الأحجار على السياج الحديدي بنغمة يسقط حمد. لقد تحوّل شعار يسقط حمد بعد ذلك لأيقونةٍ خاصة بالثورة، لمواجهة آلة القمع وسطوة الحقد والتطهير الطائفي. ويُمكن القول بثقة أنَّ شعار يسقط حمد كان الشعار الأكثر تداولًا والأكثر بقاءً من بين غالبية الشعارات التي رُفعت، بل إنَّ هذا الشعار تجاوز شعار الثورة الرئيسي وهو الشعب يريد إسقاط النظام.
في محتوى الدلالة التي يُشير إليها الشعار، هو يشير إلى نقطة جوهرية ومفصلية تختلف حولها أُطُرُ القوى السياسية المُعارضة، ففي الوقت التي تسعى فيه قوى التيار الإصلاحي، مُمثَّلة في الجمعيات السياسية، لفتح باب حوارٍ وطني جدِّي وحقيقي ومُثمر، فهي لا تُحمِّل ملك البلاد مسؤوليةً جنائية، وإن كانت تُلوِّح ببعض المسؤولية السياسية، مُقابل ذلك فإنَّ قوى المُمانَعة، أو قوى الثورة، ترى أنَّ الملك يتحمّل مسؤوليةً جنائية وسياسية، وأنَّ عليه التنحّي لفتح باب الحرّية في اختيار النظام السياسي وفق سُبُلٍ ديمقراطية. لذا فإنّ شعار يسقط حمد هو من إنتاج قوى المُمانعة، لكونه يُحمِّل الملك مسؤولية ما يجري وما جرى في البحرين منذ 14 فبراير 2011 وحتى ما قبل ذلك.
بإمكان القوى الممانعة الآن أن تجد ترجمةً سياسية لهذا الشعار وتُحوِّله لمطلبٍ سياسي واضح ومُحدّد، يُراعي الشعور والانفعال، لكنّه لا يلغي السياسة وفنونها، ففي الثورة السورية، وكنوعٍ من ترجمة يسقط بشار لمطلب سياسي، طالب المجلس الوطني بتنحّي الأسد وتسليم القيادة لنائبه، مع اشتراط تشكيل حكومةٍ انتقالية، وفي مصر كان الوضع مشابهًا أيضًا عبرَ تسليم السلطة من قبل حسني مبارك لنائبه، ومن ثمَّ للمجلس العسكري، وهكذا تمت ترجمة شعارات يسقط حسني، ويسقط بشار، ويسقط بن علي، ويسقط علي، لمطالب سياسية واضحة تُمهّد لتغيير النظام واستبداله. وربّما كان طرح حقِّ تقرير المصير واحدًا من مصاديق ترجمة شعار يسقط حمد لمطلبٍ سياسي، وهو ما تتميّز به الثورة البحرينية عن سائر ثورات الربيع العربي التي ظلّت تُرواح بين إسقاط النظام (مصر ، تونس) والتدخّل العسكري (سوريا ، ليبيا).
الآن، وبعد أن جدّد الأمين العام لجمعية الوفاق رفضه لرفع شعار يسقط حمد، تجب الإشارة إلى أنّ هذا الموقف ليس جديدًا بالنسبة للأمين العام نفسه، كما أنّه ليس جديدًا على خطاب بعض قيادات المُعارضة، ومن أبرزهم القيادي الأستاذ عبد الوهاب حسين، عندما حثَّ الجماهير المُعتصمة في دوّار اللؤلؤ على تجنُّب رفع شعار الموت لآل خليفة، وعلّل ذلك بوجود أشخاصٍ في العائلة الحاكمة غير متورطين أمنيًّا أو سياسيًّا. الجديد إذن في رغبة الأمين العام لجمعية الوفاق هو إرجاع وقع الشعارات الشعبية إلى حيِّز الشعارات الحزبية الخاضعة بطريقةٍ ما للتدقيق السياسي، وفق ظروف الصراع والتفاوض والفُرص المتاحة والخيارات.
من المعقول إذن، وفق صياغة خطاب جمعية الوفاق، تنحية شعار يسقط حمد، لأنّه شعارٌ تصعب ترجمته سياسيًّا بالنسبة للتيّار الإصلاحي، وبالنظر للخيارات السياسية المطروحة حاليًّا، وفي المستقبل القريب، فترجمة الشعار على أرض الواقع تعني الانتقال بالثورة من طابعها السلمي لحراكٍ مُسلَّح وعنيف، وهو ما يصطدم جملةً وتفصيلًا مع أطروحة العمل السلمي.
قد يجتهد البعض في تأويل خطاب الأمين العام في هذا الشأن ليصل إلى أنَّ صفقةً ما فُرِضت على الجمعيّات السياسيّة، للتصدّي لما يُثير شعورَ العائلة المالكة، وعلى رأسها الملك حمد، ومع أنَّ السياسة وحقلها بإمكانهما تأكيد مثل هذه الاجتهادات وغيرها، بيد أنَّ الرجوع لوتيرة الخطاب السياسي والخطاب الوعظي الصادر من الجمعيات السياسية، ومنها جمعية الوفاق، يتبين منه بُطلان هذا الاجتهاد، لوجود قناعة ذاتية، لا تُحبِّذ مثلَ تلك الشعارات، تتفق مع الرؤية السياسية والمطلبية أولًا، وتتفق مع المسار الأخلاقي (ثانيًا)، حيثُ ترى جمعية الوفاق أنّها مسؤولة عن تحسين سمعة المُعارضة وتهذيبها.
بعيدًا عن المُناكفة المُثارة حول خطاب الأمين العام لجمعية الوفاق في احتفالية سار، وطلبه القديم الجديد حول عدم رفع شعارات التسقيط والموت للأشخاص، فإنَّ التمعّن في بعض الشعارات، وإعادة النظر في رفعها، هي مسألة جديرة بالاهتمام، بل هي خطوة جيّدة في مسار النقد الذاتي، مهما كان الاختلاف حول نتائجها، فوجود مراجعات دورية دليل على حالة صحّية تعيشها قوى المعارضة. في الوقت نفسه فإنّ وضعية المُراجعة والنقد الذاتي من المهم لها أن تُخضع نفسها للمُراقبة أيضًا، وأن لا تكون حالة انفلات وتشتت أو حالة من حالات التراجع والنكوص. بمعنى آخر إنَّ مُجرّد النقد لا يكفي لأن يكون ناجحًا أو صائبًا، لذا فإنّ وجود أُطُر ومُحدّدات أشبهُ بالقواعد المنظِّمة للخطاب السياسي والخطاب الجماهيري هو أمرٌ جوهري وأساسي لعملية المُراجعة والانتقاد.
إنَّ فتح أبواب النقد والانتقاد على مصراعيها دون الالتزام بالثوابت والأُطُر الخاصّة بالثورة، سواءً من قِبَل الجمعيات السياسية، أو من قوى أخرى، من شأنه أن يقوِّضَ عملية التصحيح التي تحتاجها الثورة في أشدِّ مراحلها.
* كاتب بحريني