وزارات وصحف مدّت صفحاتها للرد على بيان الأسطر الثلاثة

الصحافة الحكومية
الصحافة الحكومية

2018-04-30 - 8:00 ص

مرآة البحرين (خاص): بيان لم يتجاوز أسطر ثلاثة، وقع عليه أربعة من كبار علماء الدين الشيعة في البحرين هم السيد عبد الله الغريفي، الشيخ عبد الحسين الستري، الشيخ محمد صالح الربيعي، الشيخ محمد صنقور بتاريخ 26 إبريل 2019. وصف قرار الملك بـ"إلغاء أحكام الإعدام" عن المتهمين في قضية الشروع باغتيال قائد الجيش، بأنه "خطوة مشكورة ومثمنة". قال البيان:

إن إلغاء أحكام الإعدام خطوة مشكورة ومثمنة، ونتمنى أن تتسع هذه الخطوة إلى بقية المحكومين، بل نتطلع إلى وطن لا يبقى فيه سجين ...

إننا ندعو إلى وطن المحبة والتسامح، وإلى وطن العدل والازدهار ...

كلُّ الدعاء أن يكون الوطن في أمنٍ وأمان، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

انتهى. هذا كل ما جاء في البيان المقتضب، لكن الشديد الوضوح.

تلقى البحرينيون البيان بإيجابية، عبروا من خلال مواقع التواصل المجتمعي عن احترامهم إلى اللغة المتزنة التي نطق بها، رأوا فيه قدراً رصيناً من الحكمة، سيّما في ظل انقطاع كل أشكال التواصل بين الرموز الدينية للشارع الشيعي وبين رموز السلطة على مدى سبع سنوات عجاف. تلمّس البحرينيون في خطوة الملك إلغاء حكم الإعدام وما تبعه من بيان مثمّن لهذه الخطوة، خيطاً قد يقود فيما بعد إلى التمهيد لحلحلة ما، خاصة بعد إعلان السيد الغريفي قبلها بأيام، عن تلقيه تطمينات من قبل مسؤولين في السلطة، بقرب انفراجات سياسية، الأمر الذي أثار جدلاً في مواقع التواصل المجتمعي بين متأملٍ للانفراجات ومشكك فيها ومُنكر لها.

لكن مثل هذه الحكمة والرصانة في الموقف والخطاب، لا تُعجب أهل الفتنة والشقاق، أولئك الذين تتعارض مصالحهم ومناصبهم مع أي خطوة قد تصب في تهدئة الوضع الملتهب.

ما حدث في اليوم التالي، لم يكن في توقع أي واحد ممن قرأوا البيان وحمّلوه على محامل حب الخير للوطن. تفاجأ الجميع في 27 إبريل بتصريح مجلجل لوكيل وزارة العدل فريد المفتاح حول البيان الصادر، آثر أن يسمّي الموقعين على البيان بـ(المدعو عبدالله الغريفي ومجموعته)، وهو توصيف هابط يترفّع عن استخدامه حتى من نسميهم بصبية الشوارع. قال "من غير المقبول أن يحاول المدعو عبدالله الغريفي ومجموعته القفز على ما اقترفه المحكومون من جرائم إرهابية خطيرة، واستغلال الإعلان عن التصديق الملكي بتخفيض العقوبة كفرصة للدسّ في تصريحهم بالمطالبة بالعفو عن الجميع وتطلعهم إلى عدم بقاء أي سجين"، وخلص في تصريحه الذي تجاوزت كلماته 10 أضعاف كلمات البيان، بأن البيان جاء "أعوراً شائهاً يغض الطرف عما اقترفه هؤلاء المجرمون تاركاً الطريق مفتوحاً لغيرهم ليلحقوا بهم".

كان ذلك أول ردّ فعل من طرف رسمي، بدأ بنفث تأجيج وتحشيد واضح ضد السيد عبدالله الغريفي الذي يحظى باحترام كبير عند البحرينيين من المعارضين والموالين، محمّلاً البيان مقاصد تجريمية.

في اليوم التالي 28 إبريل جاءت خطوة أخرى تابعة للأولى ومتعلّقة بها، وجّهت وزارة الداخلية رسائل شخصية إلى الموقعين على البيان، محذّرة إياهم من اتخاذ إجراءات قانونية ضدّهم في حال تكرار تصريحات أو مطالبات مماثلة لما جاء في بيانهم.

وكررت وزارة الداخلية ما قاله قبل يوم وكيل وزير العدل من أن الموقعين على البيان قاموا بتوظيف قرار الملك في تحقيق مكاسب سياسية شخصية والعمل على تأجيج الشارع، عبر مطالبتهم بتخفيف أحكام الإعدام الأخرى، وإطلاق سراح المساجين، واعتبرت الداخلية بيان العلماء بمثابة دعوة مبطنة لإثارة الرأي العام وتشويه الحقائق والوقائع.

اليوم التالي 29 إبريل، صار الأمر مكشوفاً، فبعد تصريح وكيل العدل، ثم تهديد الداخلية، جاء دور الصحافة التي ستقوم بدور الفزاعة المهيّجة للرأي العام، والتي ستقرع أجراس الإرهاب، سنقرأ عناوين الصحف لهذا اليوم "بيان الغريفي رسالة تشجع الارهاب وتؤجج الفتنة.."، وسيتكرر العنوان نفسه مرة أخرى "بيان الغريفي رسالة مبطنة لتشجيع الإرهاب وتأجيج الفتنة"، سيتكرر قول ذلك على لسان كل كاتب في هذه الصحف وكل من تستنطقهم على مدّ صفحاتها ممن تسميهم فعاليات سياسية ووطنية ودينية ونواب وشوريين، سيتحول الدعاء لأمن الوطن وأمانه إلى إرهاب وتأجيج للفتنة وتشجيع لها.

سيكون واضحاً بعد كل ذلك أن الأمر لا له علاقة بالبيان الذي ثمّن خطوة (تخفيف) أحكام الإعدام، بل يتعلق الأمر بإرادة رسمية معاكسة والخوف من أن يكون لهذا البيان أثر ولو بعيد، في خطوة (تخفيف) أخرى. إنّه هيجان ضد أي شكل من أشكال التخفيف، لا شيء مقبول غير تصعيد الأزمة. يجب أن يبقى الوضع مشتعلاً بالبطش والكراهية والانتقام. إنّهم يقتاتون على الخراب والدمار. الفتنة هي الدجاجة التي تبيض لهؤلاء ذهباً، وتغدق عليهم المناصب والهبات والعطايا، وأية أُمنية بخطوة قد تقود إلى تهدئة ما، هي تهديد مباشر لبقاء دجاجتهم وما تغدقه عليهم من بيضها. الأمر الذي استدعى كل هذه النقنقة الهائجة التي تصمّ الآذان، حتى لتكاد تظن أن سكيناً مسنونة قد وضعت على رقبة تلك الدجاجة.