» تقارير
محمد البوفلاسة: معنى أن تكون معارضاً سنياً
2012-06-24 - 10:10 ص
"ليست الشجاعة في المخاطرة بلا خوف، بل في الإصرار على قضية عادلة".. بلوتارخ
مرآة البحرين (خاص): لم تكن شجاعة محمد البوفلاسة في مخاطرته بلا خوف، فلقد كان حذراً حصيفاً، يعرف جيداً ماذا يعني (بالنسبة للنظام) أن تكون معارضاً سنياً، لهذا كان يقول لمن يطلب منه أكثر: "أن تكون شيعياً ليس مثل أن تكون سنياً"، لكن شجاعته الحقيقية، تجلت في إصراره على قضيته العادلة التي يؤمن بها: إصلاح سياسي حقيقي.
النظام الموتور..
قبل اعتقاله للمرة الثانية في 18 يونيو 2012، كتب تغريدته الأخيرة، وجهها لحساب وزارة الداخلية: "أحتاج الرقم المباشر لتقديم بلاغ بخصوص سوء استغلال السلطة من قبل أحد منسوبيكم في أحد المراكز واستمرار المضايقات تجاهي" بعدها صمت.
تغريدة قديمة نسبياً، تفيد بتعرض البوفلاسة لمضايقات من قبل الضابط سيء السمعة تركي الماجد. هدده فيها الأخير: "مع الأسف ما استلمتك يوم.....". ما جعل البوفلاسة يرد عليه مستنكراً: هل تفتخر وتعترف بخيانتك للأمانة العامة والوظيفة لكونك تهدد مواطن سمحت حكومته بعد ثقتها بك أن تستغل منصبك في تعذيبه؟".
التغريدة السابقة جعلت البوفلاسة يكتب للداخلية بشأن تقديم بلاغ مباشر ضد الماجد كما يبدو، أما الأخير فقد ألغى حسابه في الليلة نفسها التي هدّد البوفلاسة، بعد أن شن عليه عدد من المغردين حملة ضده.
هل كانت هذه التغريدات السبب الحقيقي لاعتقال البوفلاسة؟ هذا ما يُعتقد، لكن هناك من يرى أيضاً أن زيارة البوفلاسة للحقوقي نبيل رجب في بيته بعد الافراج عنه (قبل أن يتم اعتقاله ثانية)، والصورة التي انتشرت لهما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان لها دور كبير في استفزاز النظام الذي يريدها طائفية بحتة.
جاء ذلك في ظل توتر السلطة المتزايد، جراء تزايد عدد الاصوات (السنة) المعتدلين في تويتر مؤخراً، إذ برزت عدد من الحسابات بعضها بأسماء حقيقية وأخرى باسماء مستعارة، تميزت بجرأتها في تشكيل رؤيتها الخاصة، وقربها من نبض الشارع، وتعاطيها مع التيارات السياسية المختلفة، وتعبيرها عن رأيها بحيادية، وإعلان موقفها من المطالب الديمقراطية المعتدلة، كما ميزها ابتعادها عن النفس الطائفي ورفضها لكل أشكال التحشيد الطائفي الذي تنتهجه السلطة ومؤسساتها. شكلت هذه الأصوات توتراً إضافياً للنظام الذي طالما عمل على حفظ نفسه من خلال تشطير المجتمع لنصفين: شيعي معارض وسني موالي.
لا يتجرأ أحد منكم بعده
البوفلاسة دفع ثمن موقفه من المطالب الوطنية، كأول معتقل سياسي في ثورة 14 فبراير، مباشرة بعد إلقائه كلمة مرتجلة قصيرة في دوار اللؤلؤة، لم يتجاوز سقفها المطالبة بإصلاح حقيقي. اختفى من ليلتها. لأسابيع لم يعرف عنه شيء. أعلن بعدها وجوده في سجون النظام. أصدرت المحكمة العسكرية حكماً بسجنه لمدة شهرين. أفرج عنه بعد أربعة شهور في 24 يونيو 2011. عبر اعتقال البوفلاسة أرادت السلطة توصيل رسالتها إلى الطائفة السنية بكاملها: لا يتجرأ منكم أحد بعده!
بعد الإفراج عنه، وُضع البوفلاسة تحت الإقامة الجبرية، منع من التصريح للإعلام، ضيق عليه بكل السبل، بقى تحت المراقبة، مُنع من السفر، ولم يتمكن حتى من زيارة والدته المريضة في قطر. وكان وسط كل ذلك حذراً في التعامل مع هذا الواقع، متجنباً الذهاب في مخاطرة (مواجهة) جديدة مع النظام، لكنه لم يتخلّ لحظة عن قضيته العادلة.
هموم البوفلاسة
بالحذر ذاته، بقى البوفلاسة يتأنى في كتابة تغريداتٍ جريمتها عشق الوطن وإنسان الوطن. فأشد ما يؤلمه هو التشطير المجتمعي الذي أريد له أن يصنف إنسان هذا البلد: "من يصنف الدماء الى تصنيفات بحسب المصلحة وبحسب النفسية السياسية وغاياتها يحتاج لمراجعة مع النفس أمام الله فالدم لا يقبل التصنيف" يكتب مغرداً.
يحزنه النفاق السياسي والفئوي: "العدو الحقيقي للسلطة هم المنافقون عمال الفاسدين لا المعارضة التي تكشف مكامن الخلل ومواضع فساد المتنفذين الذين يسيئون للسلطة بسلوكهم".
يستفزه المتكسبون على حساب السلطة والناس: "فرق بين من يكتب ويتكلم مطالبا بحقه وحق غيره من المواطنين ومن يكتب ليبقي على ما استولى عليه أو اكتسبه دون استحقاق على حساب المواطنين".
يدافع عن حق المواطن في المطالبة بتعديل أوضاعه: "عندما نتحرك لتوصيل فكرة معينه أو رأي مغاير لسياسة بعض الجهات فنحن نمارس حقنا الطبيعي في المطالبة بمعالجة أوضاع صعبة تواجهنا كمواطنين"
متحمس لولي العهد ولإصلاح النظام الحالي، يصفه محمد الزياني "بوفلاسة الذي أعرفة قاتل قتال الشجعان دفاعا عن ولي العهد أمام المعارضة بشقيها السني والشيعي وعلى سلامة واستمرارية النظام الحالي".
ويحزّ في نفسه الانحدار الأخلاقي والإنساني الذي بلغه البعض في النيل من خصومهم السياسيين: "بديت احس ان ابليس شريف وصاحب مبادئ بالنسبة لبعض البشر اعوذ بالله من شر شياطين الانس والجن فلا فرق بينهم في الشر والخبائث".
من حيث تقزّز..
لكن هذه التغريدة الأخيرة التي عبر فيها البوفلاسة عن تقززه من الأساليب القذرة التي يتم فيها النيل من الخصوم السياسيين. لم تكن بعيدة عنه. فما استخدم للنيل من الحقوقي التاجر والناشطة القرمزي من تشهير رخيص واقتحام للحياة الشخصية، هو ذاته ما استخدم لمعاقبته والنيل منه والتشهير به. بين الحادثتين لم يمر شهر. من وصفهم البوفلاسة بأنهم أشد من إبليس في الشر والخبائث، كانوا يدبرون له من شرهم وخبائثهم ما لم يكن يتوقع يوماً.
في 18 يونيو الحالي يعتقل البوفلاسة مجدداً. النيابة تعلن التهمة سريعاً وتنشرها هكذا دون اعتبارات أخلاقية: التحرش بقاصر، ليس هكذا فقط، بل وتنشر أيضاً أن القاصر هي ابنته البالغة من العمر 14 عاماً. ينصعق الشارع الذي لم يعتد في تاريخه عرض قضية أخلاقية لمواطن بحريني بهذا الفضح. هذا الفضح المخل للأصول يكفي لوحده أن يوحي أن في الأمر لعبة قذرة.
ورغم أن القضية خاصة وعادة ما يتم حل قضايا الأسر ودياً وفق ما صرح بذلك محامون في تويتر من بينهم محسن العلوي، فإن النيابة سلكت مسلكاً وصفه العلوي بأنه "غير طبيعي"، مبرراً أن " السرعة في الإجراءات، وحبسه (يعني البوفلاسة) رغم أنها قضية عائلية وعادة النيابة تمشي فيها ببطء. دائماً تطلب النيابة في قضايا الأسر الحل الودي ولكن مع البوفلاسة رفضت مواجهته بطفلته ورفض السماح له بأي تأجيل لكي يتكلم معها".
لم تلبث النيابة أن أصدرت في اليوم التالي، بيانا تفصيليا مطولا استهجنه الشارع البحريني بشقيه السني والشيعي، اعتذرت صحيفة الوسط عن نشره بالكامل، لـ "تضمنه عبارات وألفاظ تخدش بالحياء"، فيما قامت باقي صحف النظام الرسمية بنشره بالكامل.
ويوحّد الشارعين
تتصاعد ردود الفعل المستنكرة والمستهجنة من تصرفات النيابة العامة، اعتبرها الشارع غير أخلاقية وغير إنسانية ومسيئة للنظام قبل أن تسيء لأحد آخر، وعلى خلاف ما أرادت السلطة، يتوحد سواد الشارعين الموالي والمعارض لأول مرة منذ عام ونصف، في الرفض القاطع لتركيع البوفلاسة عن طريق أساليب وصفت بالساقطة والقذرة.
لم تلبث أن بدأت اللعبة تتكشف. السلفي المعتدل محمد الزياني (عقيد سابق)، فجر عبر تويتر الحقيقة عندما كتب "من بيت محمد البوفلاسة، ابنته التى اتهم بالتحرش بها، تقول: أبي أنظف من أن يضع يده على كتف امرأة لا تحل له، فكيف يتحرش بي؟؟". ثم يوضح الزياني على لسان الابنة: "خالاتي أوهموني أن أبي أصبح شيعيا وسينقلب على جلالة الملك وسيعين الخميني ملك على البحرين والسجن مكان آمن لأبيك ووفاء منك للملك"، وتضيف: "خالاتي أوهموني أن كل ما نأكل أو نشرب أو نلبس من مال حرام أتى به أبوك من على سلمان وعيسى قاسم"، وتوضح "خالاتي قالوا لي أن أبي سيطلق أمي ويتزوج بحرانية والسجن سيمنعه من ذلك".
تلك التغريدات التي انتشرت في تويتر مثل النار في الهشيم، تسببت في ردود فعل هائجة وغاضبة من قبل الشارع الذي شعر بخطورة الاستقطاب الطائفي الهابط الذي تريد السلطة إيقاعه فيه. كلا الشارعين (السني والشيعي) صعدا من خطابهما المتقزز من هذه اللعبة غير المسبوقة أخلاقياً واعتبرها انحذاراً جديداً يضاف للسلطة في البحرين.
سحب البلاغ مع حبس الاب والبنت
أدركت الطفلة اللعبة التي تم استخدام براءتها وسذاجتها فيها، وكيف تم استغلال ما أسمته والدتها بـ (خلاف بسيط) بينها وبين والدها للنيل منه. أهل والدتها الذين يحملون خلافا قديما مع البوفلاسة، قاموا بتعبئة رأسها بالأوهام الساذجة للتشهير بوالدها، لم يُعرف حتى ذلك الوقت ما إذا كان تصرف هؤلاء (الأخوال والخالات) شخصياً، أم بتكليف مباشر من أحد.
لكن الخيط الأخير من اللعبة ينكشف حين تذهب الطفلة مع والدتها لتقديم تنازل عن البلاغ، تقوم النيابة باحتجازها 4 أيام بتهمة البلاغ الكاذب في سجن الأحداث، دون أن تجعل الطفلة توقع على محضر التنازل الذي جاءت لتقديمه، ودون الإفراج عن البوفلاسة طبعاً. في الوقت نفسه منع محامو الطفلة من الالتقاء بها، يكتب محسن العلوي في تويتر "حوالي 40 دقيقة مع محامية الطفلة فاطمة ضيف والنيابة ترفض دخولنا التحقيق بل وترفض استلام خطاباتنا بطلب دخول التحقيق".
حتى اليوم، يبقى كل من الأب والابنة معتقلان، في محاولة للضغط على الطفلة وأمها للتراجع عن موقفها اللاحق، والإبقاء على بلاغها الأول. بهذا تنكشف اللعبة الأخلاقية الرخيصة التي تحركها السلطة ضد البوفلاسة، عقاباً له على جريمته الوحيدة التي ارتكبها: تمسكه بقضيته العادلة، ولم يجبن ولم يتخاذل أمام محاولاتهم لإسكاته. الشجاعة تميز بها البوفلاسة في وقت فقدها كثيرون. فالشجاعة "ليست في المخاطرة بلا خوف، بل في الإصرار على قضية عادلة".
محاصرة الفلاسيين
تحاول عائلة البوفلاسة التصريح للإعلام المحلي لكشف جزء من ملابسات قضية البوفلاسة، لكن لا يُسمح لها. يكتب أخوه في حساب خاص على تويتر موضحاً بعض ما تعرض له البوفلاسة من ملاحقات ومضايقات: "حاولوا الإيقاع به مراراً وتكراراً على مرأى من زوجته وأسرته ببائعات الهوى والساقطات، لكنه رجل شريف عفيف حاج ما يحب الدونية والحرام"، ويضيف "أعياهم والله أعياهم، جن جنونهم يستفزونه بشتى الطرق ويعطلون اموره حتى يفقد اعصابه ويفقد السيطرة على نفسه فيقع في محظور قانوني، لكن هو فاهمهم".
يكمل متكهناً بما يراد لأخيه البوفلاسة: "السيناريو المرسوم لقضية محمد البوفلاسة مماطلة في الإفراج عنه لتسجل ضده قضية إخلال بالشرف، ثم يفرج عنه ويرفع حظر السفر، ولايستطيع العمل هنا ولا في الخارج، لانه ما بتطلع له شهادة حسن سيرة وسلوك بناء على القضية المسجلة ضده حتى لو كان بريئاً، وهم بذلك يريدون الحكم عليه بالإعدام حياً لا عمل ولا عيشة ولا أي بلد تسمح له بدخولها والعيش فيها، لقد نفذوا تهديدهم بأحقر السبل، الخيانة أسلوبهم الخيانة وشراء الذمم بحطام الدنيا وشهادة الزور".
اقرأ أيضا
- 2024-11-25هل تُقفل السلطة ملفات الأزمة في ديسمبر 2024؟
- 2024-11-13صلاة الجمعة.. لا بيع أو شراء في الشعيرة المقدّسة
- 2024-11-13ملك المستعمرة أم ملك البحرين: كيف تتعامل المملكة المتحدة مع مستعمرتها القديمة؟ ولماذا لم تعد تثير أسئلة حقوق الإنسان على فارس صليبها الأعظم؟
- 2024-11-05الجولة الخائبة
- 2024-11-03هكذا نفخت السلطة في نار "الحرب" على غزة كتاب أمريكي جديد يكشف دور زعماء 5 دول عربية منها البحرين في تأييد عمليات الإبادة