جهاز الأمن الوطني:سلاح التدمير الأخلاقي القذر
2012-06-25 - 8:14 ص
مرآة البحرين (خاص): لن يكون المحامي محمد التاجر الرجل الأخير في قائمة جهاز الأمن الوطني فسلاح التدمير الأخلاقي قابل لأن يستهدف شخوصا آخرين وبالتحديد مجموعة المحامين والناشطين. وليس مهما لدى المشرفين على إنتاج وتسويق هذا السلاح من فريق متخصص في جهاز الأمن الوطني أن يصمهم المجتمع بالحثالة والوضعيين، فهم اعتادوا على تلك الأفعال في عالم الواقع وعلى تلقى مثل هذه الأوصاف. بل إنهم يعتبرونها أوسمة يتنافسون فيما بينهم لحيازتها، فهي الوسيلة الأقرب للترقي واكتساب النفوذ.
فما هي قصة هذا الجهاز وإلى اين يتجه بأعماله القذرة؟
كي تكتمل القصة لن نبدأ من البداية، فالنهاية أشد وضوحا في شهادتها على مرامي وأهداف الوحدة المختصة بسلاح التدمير الأخلاقي. تعود أحداث النهاية إلى مجلس حقوق الإنسان المنعقد في جنيف عاصمة القانون وحقوق الإنسان، فقبل الانتهاء من الجلسة الختامية أثار وفد المعارضة البحرينية الخشية من استهداف أعضاء الوفد عند رجوعهم للبحرين من قبل الأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات.
174 توصية
وفاقمت رئيسة مجلس حقوق الإنسان (لورا لاسيرا) حرج وفد السلطة الذي ترنح من عدد التوصيات الهائلة ( 174 توصية) حين وجهت له صفعة قوية بتوقفها عند الحملة التي يتعرض لها نشطاء المجتمع المدني المشاركين في المؤتمر، وقالت "أعرب عن قلقي من أعمال التخويف التي يتعرض لها المشاركون" ثم راحت تعدد أسماءهم واحداً واحداً. وأضافت موجهة حديثها إلى رئيس الوفد الحكومي "عليكم أن تؤمنوا الحماية اللازمة لكل المشاركين في مجلس حقوق الإنسان"، مصرة على موقفها، حتى بعد اعتراض اليمن والكويت وبيلاروسيا بسبب ما زعموا أن "تدخل رئيسة المجلس في موضوع خارج المراجعة الشاملة يعد سابقة". وسعى رئيس الوفد الحكومي عقب انتهاء الجلسة للحديث مرة ثانية إلى رئيسة المجلس، فيما أعادت الأخيرة موقفها "إنني أطلب منكم حماية الأشخاص الذين تعرضوا إلى التهديدات"، وكررتها مرتين "إنني أطلب لهم الحماية".
وزير الداخلية
على إثر هذا الموقف أصدر وزير الداخلية في اليوم نفسه بيانا نفى فيه تلقيه شكوى بالتهديد من قبل أعضاء الوفد وأن المخاوف التي أثيرت لا أساس لها من الصحة. النفي لدى وزارة الداخلية لا يحمل سوى التأكيد، فمتى نفت وزارة الداخلية أمرا فالواقع يؤكد حدوثه. ربما توقع البعض حملة اعتقال أو استجواب لأعضاء الوفد أو رفع قضايا كيدية ضدهم، فالقانون الذي تدافع عنه الحكومة يضمن تهمة لكل مواطن ويضمن عقد محكمة مسيسة تصدر أحكامها بورقة مكتوب فيها مدة الحكم وكيفية النطق به.
بموقف رئيسة مجلس حقوق الإنسان وضغط الرأي العالمي سقطت الحكومة في شراك خداعها ولم يعد بإمكانها الانتقام الأمني بشكل المباشر، هنا يقف صناع الاستراتجيات الأمنية في البحرين أمام مخزنهم القذر لينتشلوا منه ما يشفي غليلهم. والحكمة العالمية تؤكد أن فقدان الجلاد والطاغية لأدوات البطش والقمع تجعله عاجزا، فيبحث عن أكثر الوسائل إيلاما وهي سلاح التدمير الأخلاقي. يلاحظ أنه كلما ضعفت سلطة القمع الجسدي وقلت فرص القبض والإيلام البدني، تضاعفت فرص اللجوء لسلاح التدمير الأخلاقي لدى سلطة الاستبداد، وهذا تدعمه تجارب عديدة في كل دول التسلط المحكومة من قبل طغاة وحفنة مرتزقة.
خيوط ممنهجة
من هنا تبدأ خيوط نهاية ممنهجة لتبدأ خيوط ممنهجة أخرى أكثر قذارة وأشد إيلاما، فأجساد المتهمين تبقى ناطقة حتى في سلوكها الصامت، فبعد عودة الوفد المعارض من جنيف قامت وحدة مختصة بتقنية المعلومات والتنصت بإرسال قرص مدمج لمكتب المحامي محمد التاجر مكتوب عليه "لسانك حصانك" أي التزم الصمت وإلا نشر هذا القرص.
القرص المشار إليه ليس جديدا بالنسبة للمحامي التاجر فقد عرض عليه قرص آخر أثناء التحقيق معه في النيابة العسكرية، عندما كان معتقلا وكان واضحا أن مصدر القرص هو أغراض التاجر الشخصية التي صودرت أثناء تفتيش منزله. لكن يجب أن نبقى حذرين جدا فمصادرة الأغراض الشخصة ليست هي الوسيلة المفضلة لدى جهاز الأمن الوطني، فمهمة الجهاز الذي ورث تركة جهاز أمن الدولة الأساسية هي الاستفادة من الخبرات السابقة، وإعداد برنامج خاص للقضاء على المعارضة التي بدأت تظهر مجددا، ولكن بإضافة وسائل غير تقليدية. تطلّب ذلك إعادة تأسيس الكيان الأمني الجديد، خاصة بعد مجيء رئيسه الثالث الشيخ خليفة بن عبدالله آل خليفة عام 2007م. وقد قدّمت السعودية جهودا غير محدودة لتعزيز السياسة الأمنية الجديدة و"تطوير" الإمكانات المختلفة للداخلية وللجهاز الأمني.
ويقوم جهاز الأمن الوطني بشكل دائم على إعداد بنية معلوماتية شاملة عن المعارضين والناشطين، وتم ذلك بفضل الأجهزة الحديثة، والتقنيات التي وفّرها جهاز الإحصاء والمعلومات التابعة مباشرة للجهاز الأمني، إضافة إلى شعبة الاتصال في الجهاز، وهي شعبة معنية بالتجسس ومزوّدة بأحدث أجهزة التنصت وتتبّع المعلومات والبيانات، وتشمل كل المتعلقات الشخصية وحركة الاتصالات والعلاقات الداخلية والخارجية.
شركة سمنز
يقتضى إنجاز هذه المهام تدريبا عاليا على مهام التجسس والتلصص على الحياة الخاصة للشخصيات وجمع كافة المعلومات وتتبعها في الوقت نفسه. يتطلب ذلك دعما لوجستيا تقدمه مجموعة من الشركات المختصة في تقنية جمع المعلومات وترقيمها وقد أثير أكثر من مرة تعاون شركة سمنز وشركات أوربية أخرى حول تزويدها النظام البحريني بهذه الأجهزة حيث يستفاد منها في ملاحقة الناشطين وتدبير جرائم لهم.
هل كان على المحامي التاجر أن يكون هو المبادر أولا ليظهر للعلن ما ينوي جهاز الأمن الوطني فعله؟ لم يفعل التاجر هذا الخيار، ربما لقناعته بعدم إقدام جهاز الأمن الوطني على نشر القرص المدمج وأن الخلية المكلفة بإعداد ملفات مشابهة غير جادة في تهديدها.
لقد استمر التاجر في المجاهرة بدفاعه عن حقوق المواطنين، وكان عليه أن يدفع ثمن هذه المجاهرة ويسدد فاتورة غالية الثمن تؤكد على أن جهاز الأمن الوطني لا يتورع عن ارتكاب أي فعل قذر حتى ولو نشر أسرارا شخصية حصل عليها بطرق غير شرعية.
وعندما تداول الإعلام الموالي هدية جهاز الأمن الوطني، شعر أعضاؤه بالفخر والاعتزاز، معتقدين أنهم سددوا ضربة قاضية ومؤجعة لسمعة المعارضة وأقطابها.
قبل اعتقال الناشط نبيل رجب بيوم واحد فقط ( هل كان ذلك مقصودا؟ نعم) جاءه أحد الناشطين المفرج عنهم وأبلغه رسالة شفوية من قبل جهاز الأمن الوطني في مبنى التحقيقات الجنائية، مفادها أن قصة المحامي التاجر سوف تتكرر مع جميع المحامين الناشطين حقوقيا والمدافعين عنكم.
ضربات جهاز الأمن الوطني بسلاح التدمير الأخلاقي أوجدت شعورا بالزهو والانتصار وبدلا من المحافظة على سرية العملية كشف جهاز الأمن الوطني عن نفسه، لينعم بآثار البطولة الزائفة وأرسل ناشطا آخر لمحامية أخرى ونقل إليها رسالة تهديد أخرى من قبل خلية الأمن الوطني المختصة بتتبع حياة الناشطين وجمع أسرارهم.
محمد البوفلاسة
اضغط للتكبير |
بفعل هذا التحليل يظهر جليا مدى الإجرام الذي يمارسه جهاز الأمن الوطني بحق المواطنين والناشطين وهنا تبدأ خيوط قضية الناشط السياسي محمد البوفلاسة كأحد آخر ضحايا سلاح التدمير الأخلاقي وبشكل تتورط معه النيابة العامة التي يفترض بها أن تكون حيادية لكنها في هذه القضية وغيرها تبرز للإعلام ما يود جهاز الأمن الوطني قوله وبكل التفاصيل الملفقة والغريبة.
بالعودة للشريط التاريخي الخاص بجهاز الأمن الوطني ومدى فعالية التدمير الأخلاقي، فهي المرة الأولى التي يقدم فيها على نشر ما يمتلك وكان يتعمد في كل القضايا التي آثارها على الإعلام والتشويه السمعة وتلفيق القضايا، كما حدث لأكثر من شخص إلا أنه وبحكم التقنيات الجديدة التي حصل عليها النظام من قبل شركات أوربية ومدربين أجانب مختصين صار أكثر جرأة لقناعته التامة بغياب المحاسبة والمساءلة ليس من قبل الأجهزة القضائية المحلية والدولية بل حتى من الضحايا أنفسهم في بعض الأحيان.
هناك حاجة ضرورية ليتم العمل بأسرع ما يمكن لإيقاف جهاز الأمن الوطني عن استخدام التدمير الأخلاقي كآلية من آلية الصراع السياسي، وهذا يقتضي من المجتمع الدولي أن يمارس الضغط على الشركات المتعاونة مع النظام وأن يصدر إدانة واضحة لتعقب الناشطين في حياتهم الشخصية.
- 2024-11-25هل تُقفل السلطة ملفات الأزمة في ديسمبر 2024؟
- 2024-11-13صلاة الجمعة.. لا بيع أو شراء في الشعيرة المقدّسة
- 2024-11-13ملك المستعمرة أم ملك البحرين: كيف تتعامل المملكة المتحدة مع مستعمرتها القديمة؟ ولماذا لم تعد تثير أسئلة حقوق الإنسان على فارس صليبها الأعظم؟
- 2024-11-05الجولة الخائبة
- 2024-11-03هكذا نفخت السلطة في نار "الحرب" على غزة كتاب أمريكي جديد يكشف دور زعماء 5 دول عربية منها البحرين في تأييد عمليات الإبادة