محمد خاتم: "لقد تعبت"
2018-08-28 - 8:49 م
مرآة البحرين (خاص):
إنّها العبارة التي تكرّرها في كلّ مرة يا (محمد خاتم).. "لقد تعبت"..
تكرّرها كلّما أعيتك الحيلة، ولم يعد باستطاعتك فعل شيء لنفسك أو لعائلتك. تقول "لقد تعبت" وفي صوتك لوعة، لكنك لا تقولها مستسلماً لعوزك وضيقك وحاجتك، بل مستأنفاً للمطالبة بحقّك. تقول تعبت، ثم تذهب للاعتصام وحدك، حاملاً لافتتك على ظهرك مثل صليب، واقفاً تحت شمسنا التي تميع الأشياء تحتها، كما تميع كل قضايانا في هذه الجزيرة الصغيرة.
لقد تعبت يا محمد، تعبت أمام عجزك عن توفير قوت يومك، عن تأمين حاجات أطفالك الأربعة البسيطة، لكن الأساسية. كم هو شعور قاتل أن يأتيك أحد أطفالك: "بابا لقد ضاقت ثيابي وصارت صغيرة"، ويأتيك آخر: "بابا أريد تناول الغداء من المطعم الفلاني"، ويأتيك الثالث: "بابا أريد الذهاب إلى اللعب كبقية الأطفال"، ويأتيك الرابع: "بابا أريد مصروفاً..."، وتمرّ عليك الأعياد، وتجد نفسك على عتبات المدارس ومتطلباتها، وجوابك الذليل في كلّ مرة: ما بيدي!
ثم يشتدّ بك العجز المقيت أمام أبنائك، فتقوم بتصوير فيديو تشرح فيه وضعك الإنساني، وتناشد الملك مباشرة: "ماعندي مصروف، والله العظيم صابر، لكن المعاناة التي لا أستطيع الصبر عليها معاناة عيالي، الناس تاكل عيالي ما تاكل، الناس تلبس عيالي ما تلبس، الناس تطلع عيالي ما تطلع". وخوفاً من أن يتم تحميل طلبك أي محمل سياسي أو أن تزعج السلطة، تؤكد: "اتمنى أن تصل رسالتي إلى الملك ورئيس الوزراء وكل المسؤولين، وأن يتعاملوا معها بالإيجاب لا بالسلب"، ثم تكررها مرّة أخرى مؤكداً أكثر "بالإيجاب لا بالسلب"..
لقد تعبت يا محمد وأنت تناشد، ولا تتحدّى، تكررها في كل مرّة "أنا محمد خاتم المواطن الذي يبحث عن عمل. لا أتحدى أحد، لا أتحدى مسؤول ولا أتحدى حكومة"، لقد خرجت تطالب بعودتك إلى عملك الذي فصلت منه تعسّفياً قبل 5 سنوات، أو أي عمل آخر يؤمّن لك قوتاً ليومك وعيالك. لقد تعبت وأنت تراكم ديونك، ولا تستطيع دفع مستحقاتك الشهرية، ويتم توقيفك في كل مرّة بسببها، ولا سبيل لديك إلى دفعها عن نفسك. أنت لا تريد صدقة من أحد ولا معونة تشبه معونة العاجز، ما دمت في صحتك وشبابك وقوّتك، بل تريد عملاً يعينك على العيش مع عائلتك بكرامة، عمل يكفيك شرّ العوز المهين والفاقة المذّلة.
المواطن الذي يبحث عن حقه محمد خاتم #البحرين pic.twitter.com/kE493lDMdV
— محمد خاتم (@khatam_mohd) August 27, 2018
أعلنتها منذ 14 يوليو 2018: "سأخرج إلى الشارع بشعار أنا مواطن بحريني لا أملك قوت يومي لنفسي وعائلتي"، وقفت أمام مقرّ الحكومة في المنامة، ورفعت اللافتة التي لم يكن معك غيرها، ولعبت الشمس التي زادت درجة حرارتها عن 40 درجة مئوية فوق رأسك، وظننت أن يُنظر إليك، أو يبتُّ في أمرك، فإذا بالجواب يأتيك على صورة اعتقال لمدة أسبوعين، وحجة الاعتقال: تعثّرك في سداد الديون.
لقد تعبت يا محمد، فلا أكفر من الفقر إلاّ الدين، ولا أذلّ من الفاقة إلاّ السؤال، ولا أحد يلتفت إليك، لكن لماذا قد يُلتفت إليك؟ فأنت لست سوى بحريني قروي بسيط، ومن فئة لا تستحقّ الالتفات إليها، بل تستحق التضييق عليها أكثر وتجويعها.
من يعرف يا محمد ماذا تعني عبارتك المتهدّجة "لقد تعبت"؟ من يعرف حجم الأسى الذي تحمله في داخلها، وثقل المعاناة التي لم يعد بامكانك تحمّلها أكثر، أو التعامل معها؟
هل يفهم عبارتك "لقد تعبت"، وزير شئون مجلس الوزراء محمد المطوّع الذي يتبجّح في المحافل الدولية بأن البحرين قضت على الفقر بكافة أشكاله؟ في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من 51 ٪ من الشعب البحريني يعيش تحت مستوى خط الفقر.
هل يفهم عبارتك "لقد تعبت" يا محمد، أولئك المترفين الذين تعبوا من فرط امتلاكهم أتفه تفاصيل الحياة وكمالياتها، الذين يرتدي أبناؤهم الماركات العالمية، ويتناولون أشهى الوجبات، ويتعلمون في أغلى المدارس الخاصة وجامعات العالم، أولئك الذي لا يتعبون في حصد الملايين، ولا يعلمون أن هناك من يعيش أسوأ حالات البؤس في هذا البلد، فتراه يسأل: هل حقاً لدينا فقراء في البحرين؟!
هل يفهمها أولئك الذين حوّلوا البحرين إلى مملكة المجنّسين، حتى صار (المجنّس أولاً) محل (البحريني أولاً)، فهو الأول في الوظيفة والسكن والخدمات والعطايا، والبحريني مواطن الدرجة الثانية؟
هل يفهمها أصحاب الشهادات المزوَّرة الذين حظوا بالمناصب الكبيرة في الدولة، ويتنعّمون بأعلى الرواتب والمكافآت والهبات والعطايا على حساب قوت أمثالك يا محمد؟
هل يفهمها أولئك المنشغلون في ماراثون الاستحواذ وتملّك الأراضي ونهب البحار وحجزها وتحويلها إلى أملاك خاصة على حساب أرزاق الناس ومصالحهم ومتنفسهم مع عوائلهم؟
هل يفهمها أولئك الفاسدين الذين أغرقوا البلاد في الديون تاركين البحرين ضمن 4 دول عربية معرّضة للإفلاس في العام 2018، فيما حساباتهم في البنوك العالمية تغثّ بما نهبوه من أملاك الدولة وما زالوا طليقي اليد في نهب المزيد؟
من يفهم عبارتك هذه يا محمد غير أمثالك من الفقراء المتعبين الموجوعين، الذين لا يجدون قوت يومهم ولا يعرفون ماذا ينتظرهم في الغد. لست وحدك في الفقر يا محمد، لست وحدك في البطالة، ولست وحدك في العوز الذليل، لكنك وحدك من أطلق ثورة الجياع، ووحدك من رفض الخضوع لليأس، ونهض طالباً بحقّه محارباً من أجله برقي وتحضّر وسلمية.
أنت وحدك يا محمد، من خرج صباح أمس 27 أغسطس 2018 معلناً للجميع: "متوجه إلى المنامة بكل سلمية.. أنا مضرب عن الطعام.. فإن تركوني سأموت على شوارع المنامة، وإن اعتقلوني سأموت في سجونهم".
نعم يا محمد، لقد كان ذلك قبل ساعتين من تغريدتك الأخيرة: "لقد اُعتقلت الآن"!