ضياء عيّاد: العلاقات الخليجية - الإسرائيلية من قمقم السرية إلى العلن...البحرين كانت سبّاقة

سلطان سلطنة عمان قابوس البوسعيدي مستقبلا رئيس وزراء إسرائيل بنجامين نتنياهو
سلطان سلطنة عمان قابوس البوسعيدي مستقبلا رئيس وزراء إسرائيل بنجامين نتنياهو

ضياء عيّاد - 2018-10-28 - 10:26 ص

يمرّ الصراع العربي-الإسرائيلي الْيَوْمَ بأسوأ مراحله منذ توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر و"الكيان الإسرائيلي" في الولايات المتحدة الأميركية عام 1979 حيث تزيد الأنظمة العربية من سرعة جريها باتجاه إسرائيل، ففي الوقت الذي يمعن فيه "الإسرائيلي" في غطرسته على الفلسطينيين وتغلي فيه المنطقة العربية جرّاء انشغالها بهمومها الداخلية يقدم الزعماء الخليجيون الذين تحرّكهم هواجس البقاء على رأس سلطات بلادهم على تكريس التطبيع من خلال إخراجه من قمقم السرية إلى العلن وإضفاء صبغة الرسمية عليه.

قام "الكيان الغاصب" قبل أيام فقط بسلسلة زيارات متلاحقة إلى عدّة بلدان خليجية، والتي تمثّلت في أبشع صورها في زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنجامين نتنياهو إلى سلطنة عمان ولقاء سلطانها قابوس لبحث عملية "السلام" الفاشلة في الشرق الأوسط، كما كان قد سبقها زيارة لوزيرة الرياضة والثقافة ميري ريغيف إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي في إطار بطولة «غراند سلام أبوظبي للجودو» لعام 2018، بالإضافة إلى قيام قطر باستضافة فريق إسرائيلي للجمباز على أراضيها وسماحها للنشيد الوطني الإسرائيلي بأن يدوّي في سمائها، ناهيك عن أنّ "إسرائيل" كانت قد أرسلت طائرات هيليكوبتر إلى الأردن بناءً على طلب الأخيرة لمساعدتها في كارثة "البحر الميت" حسب ما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، والتي جرفت حافلة كانت تقل ٤٤ طفلاً ومعلماً في رحلة مدرسية في منطقة البحر هناك.

لقد جاء التطبيع العلني الخليجي "المتوحّش" ليكشف حجم التباين الكبير بين الموقف الرسمي والشعبي، هذا الأخير الذي ملّ الخيبات، أصيب بخيبة أمل جديدة من قادة الأنظمة العربية فاستشاط غضباً على منصّات مواقع التواصل الإجتماعي معبِراً عن رفضه لمسيرة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي والتأكيد في الوقت نفسه على التمسك بالقضية الفلسطينية، كما أنه جاء ليؤكد أيضاً على تزايد حجم "الاستهتار" الرسمي الخليجي بقضية فلسطين في ظلّ تصاعد وتيرة القتل والهدم والتهجير والاستيطان الذي يمارس بحق الفلسطينيين، وبعد أشهر على إقرار قانون "القومية اليهودية" الذي يُكرّس يهودية الدولة ويمنح اليهود وحدهم حق تقرير المصير ويعتبر القدس عاصمة لكيانه الغاصب وينتزع صفة الرسمية من اللغة العربية إلى جانب "العبرية"، وفِي ظلّ الجهود الدؤوبة للتحشيد ل "صفقة القرن" التي لم تحرّك بعض الأنظمة العربية ودول الخليج خاصة تجاهها ساكناً لا وبل أنها تدعم تنفيذها في السرّ مقابل الحفاظ على عروشها بشكل "طائش" و"ساذج".

وفِي هذا الإطار سبقت البحرين جيرانها حيث استضافت في يونيو الماضي وفداً إسرائيلياً في مؤتمر "لجنة التراث العالمي" المنبثقة عن الأمم المتحدة، كما أن ملكها حمد بن عيسى آل خليفة كان قد أرسل وفداً بحرينياً من جمعية "هذه هي البحرين" إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة محمَّلاً برسالة للإسرائيليين لنشر التسامح والحوار بين الأديان فيما يقمع هو الأغلبية الشيعية في البلاد.

فإذا كانت متطلبات الحياة اليومية تفرض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس مفاوضات نتيجة ارتباط الحياة الفلسطينية حكماً بالتواصل معها لأن الكهرباء تأتي من هناك ولأن الرواتب تتحول عبر البنوك الإسرائيلية، وإذا كانت مصر تبرّر علاقتها مع الكيان الإسرائيلي بحجّة "سيناء" وبحدودها المشتركة مع غزّة، بمعنى آخر إذا كانت بعض الأنظمة العربية تبرّر وضع يدها في يد ملطّخة بالدماءُ العربية والفلسطينية بحجة المصالح الاستراتيجية كالأردن ومصر والرئيس الفلسطيني  فما الذي يلزم سلطنة عمان بالتطبيع مع "إسرائيل" في هذا التوقيت بالتحديد؟ الجواب على ذلك بسيط جدّاً. لا شيء سوى مزيد من "الذلّ والخنوع"، حيث أنّ أحداً لم يطلب منها ذلك، بالإضافة إلى أنها بعيدة جداً عن الموضوع سياسياً وجغرافياً، لذلك فإن اللقاء الذي جمع سلطان عُمان مع نتنياهو لا حاجة له والحديث عن دفع عملية السلام هو حديث "واهي" يدور في فضاء فارغ أصلاً لاسيما وأنه يأتي بالتزامن مع الفشل الأميركي والأوروبي ومعهما المنظومة العربية "الهشّة" في إحداث أي خرق في عملية السلام "المزعومة"، فما لم يفعله العالم في هذا الإطار لن تحققه السلطنة في هذا الزمن الذي اعتبر فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب "القدس" عاصمةً لما يسمى "إسرائيل" ويبقى التطبيع تطبيعين والجريمة جريمتين.

فعن أي سلام يتحدث العرب؟ هل باعوا قضية فلسطين؟ وهل هذه من بوادر تنفيذ صفقة القرن؟ وهل ستشهد الأيام المقبلة زيارات لزعماء الخليج إلى فلسطين المحتلة؟  ألم يكن الأجدر بالدول الخليجية التي تتسابق على التطبيع مع من احتلّ فلسطين أن تبحث جهود السلام مع بعضها البعض للتوصل إلى حلّ ينهي معاناة شعوبها التي أنتجتها سياساتهم "الساذجة"، وأن توقف عدوانها "البائس" على اليمن؟

وإذا كانت اتفاقية "كامب ديفيد" الموقعة قبل 40 عاماً والتي كانت بمثابة أول خرق للموقف العربي الرافض للتعامل مع كيان اغتصب أرض فلسطين وشرَّد شعبها واستبدله بشعب آخر لم تحقق أيّ سلام يذكر في الشرق الأوسط، فإن الإتفاقيات والمؤتمرات واللقاءات والزيارات التي تقودها دول الخليج لن تحصد سوى الخيبات للشعوب العربية وستضيّع كما بات معلوماً حقوق الشعب الفلسطيني الذي شنّ عليه جيش الإحتلال الإسرائيلي غاراته على قطاع غزة في نفس الْيَوْمَ الذي دخلوا فيه إلى الخليج بسلام آمنين، وفِي الوقت الذي يواصل فيه الفلسطينيون (أطفالاً وشباباً ورجالاً ونساء ومسنين) نضالاً ترفع له القبعات فيسجنون على إثره وينكّل بهم ويستشهدون في سبيل وطنهم وموطن آبائهم وأجدادهم، ويبقى التعويل على الشعوب هو القائم لأنّ القادة الخليجيين ومعهم بعض العرب على ما يبدو يفرّقهم كل شيء وتجمعهم "إسرائيل".

 

*إعلامية لبنانية