يعقوب آل ناصر: سلطان البهرة في البحرين والشيخ عيسى قاسم في لندن

ملك البحرين مستقبلا سلطان البهرة في أحد قصوره جنوب العاصمة المنامة (بنا)
ملك البحرين مستقبلا سلطان البهرة في أحد قصوره جنوب العاصمة المنامة (بنا)

يعقوب آل ناصر - 2018-11-08 - 8:40 ص

كان سلطان البهرة مفضل سيف الدين في ضيافة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بينما كان يُحيي مرجع الشيعة في البحرين الشيخ عيسى قاسم حفلا دينيا في العاصمة البريطانية لندن بعيدا عن وطنه، وتساؤلات كبيرة تدور حول حقه في العودة منذ خروجه.

عندما ترسم تلك الصورة، لا تريد أن تخيّر البحرينيين بين أن يكونوا مع سلطان البهرة أو زعيم الشيعة. لقد تمكّنوا منذ أمد بعيد أن يرسموا صورة تجمعهم معا بأعراقهم ودياناتهم وطوائفهم لولا وصول الملك لسدة الحكم.

الصورة تلك؛ للتذكير بأن حمد بن عيسى ليس برجل تعايش كما يريد أن يصوّر نفسه. التعايش هو أن تمتلك القدرة على تعزيز المشترك مع جميع المكونات حتى وإن اختلفت معها، لا أن تطرد الغالبية الشيعية من النافذة وتتظاهر أمام البوابة أنك في استقبال الأقليات.

إنه من غير الممكن لحمد بن عيسى أن يدشّن كرسيا للحوار بين الأديان في روما بينما يكسّر منابر للشيعة في المنامة ويزجّ برجال دين منهم إلى السجون. إنه أمر في غاية التعقيد أن يحتفل ببناء كنيسة أو معبد يهودي بينما يقوم بهدم مساجد لغالبية السكان ويمنعهم من البكاء في عاشوراء. كيف يمكن تفسير كل ذلك؟

إنه سلوك عصي على الفهم، خصوصا وإن الملك يمارسه بشكل مفضوح. إنه لا يتظاهر حتى بقبول المجتمع الشيعي. إنه في كل يوم يقوم بإقصاء هذا المجتمع وعزله عن أحد جوانب الحياة. أخيرا قام بعزل حزبهم الرئيسي من العملية السياسية بأكملها، بينما يقبع قادتهم في السجن مدى الحياة!

لقد كان قانون العزل السياسي الذي صادق عليه الملك يونيو الماضي أشبه بقانون اجتثاث البعث في العراق (مع الاحتفاظ بالفوارق الكاملة بين المعارضة البحرينية والبعث الدموي). وعلى الرغم من أن حلفاء الزعيم العراقي الراحل أحمد الچلبي البريطانيين هم نفسهم حلفاء الملك حمد إلا أنهم لم يتخذوا مواقف متساوية.

عارض البريطانيون قانون اجتثاث البعث، وخلص رئيس لجنة التحقيق البريطانية في الحرب على العراق السير جون تشيلكوت إلى القول إن تلك السياسة «كان لها تأثير سلبي كبير ومستمر على العراق (...) ومهدت لصراع طائفي دموي يعصف بالبلاد اليوم (يوليو 2016)».

الحليفة الأولى للبحرين تجاهلت بالكامل التأثيرات المستقبلية العميقة لـ «اجتثاث» الوفاق وجمهورها من العملية السياسية، بل ذهبت أبعد من ذلك حين عبّر وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إليستير بيرت عن تأييده استبعاد «من لا تنطبق عليهم الشروط من المترشحين وذلك حسب القوانين». هل حقا يغفل الوزير أن القوانين في البحرين يتم تطويعها لتتوافق مع مصالح ونزعات الملك القمعية أيا تكن تأثيراتها المستقبلية؟!.

لقد دفع، حليف بريطانيا، المجتمع بأسره نحو التشظي من أجل الإبقاء على حكمه ووحدة عائلته. ولعلّ هذا أدق ما لفت الانتباه له القاضي الراحل محمود شريف بسيوني (رئيس اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق) عندما كشف عن قوله للملك إن «عليك أن تختار بين أن تحفظ وحدة الشعب أو وحدة العائلة الحاكمة».

فماذا اختار الملك؟ لقد اختار وحدة عائلته، وترك الشعب مقسّما إلى حد خطير. إن الآثار العميقة التي تتركها سياسات الملك تتسبب في تآكل فرص التعايش وتشجّع التطرف عند شرائح واسعة. كان أحد تلك الآثار هو ما يظهره بحرينيون من انشغال بمسار الصراعات الطائفية والحروب بالوكالة التي تشهدها المنطقة، أو استعداد شباب متحمّسين للموت مع داعش في سوريا والعراق عطفا على التخطيط إلى نقل الصراع لداخل البحرين.

* بحريني مقيم في فنلندا