باقر درويش: كيف يدير القضاء لعبة الانتقام في البحرين؟
باقر درويش - 2019-05-14 - 6:19 م
لم يكن عاديا أن يتعرض 1045 مواطنا بحرينيا للاتهام وتحرك القضايا السياسية ضدهم خلال عام 2018، سواء في النيابة العامة أو المحاكم البحرينية بمختلف أنواعها؛ وذلك لأنَّ المنظومة القضائية تحوَّلت -في السنوات الماضية- إلى أداة رئيسية للتنكيل بالمعارضين، حتى بات من الممكن قياس مستوى التوتر الداخلي وفق إيقاع الأحكام القضائية التي تصدر.
إنَّ هذا الاستعمال السياسي للقضاء يستند إلى الرافعة التشريعية التي أتاحت للسلطة الإخلال بضمانات المحاكمة العادلة، من خلال بعض المواد الدستورية الموجودة في دستور المنحة الصادر بإرادة منفردة عام 2002؛ حيث مكَّنت هذه المواد القانونية من توسعة نفوذ السلطة التنفيذية في القضاء، خصوصا أن الملك يمتلك صلاحيات واسعة تتنافى مع ما يقتضيه الدستور من الفصل بين السلطات وأن يكون الشعب مصدرا للسلطات.
إذ تحتل عائلة آل خليفة المرتبة الأولى في التعيينات القضائية منذ أكثر من مئة عام، والملك لديه السلطة العليا في تعيين القضاة بخلاف المعايير الدولية فضلا عن ترقيتهم أو عزلهم من مناصبهم.
- الألغام التشريعية: لقد وضعت السلطة في الدستور والقوانين المحليّة حزمة من القوانين التي تقيّد الحقوق والحريات، وأتاحت لها تقويض المجتمع المدني والجمعيات السياسية بالتدريج قبل 2011، والاستفادة من بقيَّة القوانين في تجريم الحريات وملاحقة الناشطين، والعمل على تنفيذ مشروع إلغاء المعارضة السياسية لاحقا بالاستفادة من منظومة قوانين محلية مخالفة للقانون الدولي، وبناء سلطة قضائية غير مستقلة.
وعندما واجهت السلطة انتقادات عديدة بسبب انتهاكات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري لجأت إلى إدخال تعديلات على قانون الإرهاب، من خلال المرسوم بقانون رقم 68 لسنة 2014؛ ساهمت في تهيئة الظروف القانونية للاحتجاز السري الذي يستخدم لتيسير ممارسة التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة، فضلا عن التفسير الفضفاض لتهمة الإرهاب؛ حيث تصنف السلطات الأمنية بشكل مستمر الاحتجاجات السلمية منذ 2011 نشاطا إرهابيا.
وأبرز المواد المستخدمة لتقييد حرية التعبير عن الرأي في قانون العقوبات البحريني على سبيل المثال هي المواد التالية: (160) الترويج لتغيير نظام الدولة بالقوة، (165) التحريض على كراهية النظام، (173) التحريض على عدم الانقياد للقوانين، (214) إهانة الملك أو علم الدولة أو شعارها الوطني، (215) إهانة دولة أجنبية أو منظمة دولية، (216) إهانة الهيئات النظامية؛ حيث يتم تكييف هذه المواد في التفسير التعسفي للتهم لغرض استخدامها قضائيا.
- إنشاء المحكمة الجنائية الرابعة: ونتيجة لازدياد قضايا السياسيين في المحاكم؛ لجأت السلطة إلى إنشاء المحكمة الجنائية الرابعة في 2013 برئاسة القاضي علي الظهراني (نجل الرئيس السابق لمجلس النواب البحريني خليفة الظهراني)، وهو أحد القضاة المشهورين بإصدار الأحكام القاسية بحق المعارضين السياسيين، وعندما أصدر أحكامه عام 2011 في "قضية الرموز الـ21" -بمحكمة السلامة الوطنية (الطوارئ)- كان يتلو الأحكام القاسية والكيدية أمام قيادات المعارضة وهو يضحك!
وفي مايو 2017 أصدر ملك البحرين قانون رقم (12) لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام قانون القضاء العسكري الصادر بالمرسوم بقانون رقم (34) لسنة 2002، وهو القانون الذي يجيز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري بخلاف القانون الدولي، ويجيز استصدار عقوبة الإعدام من 61 مادة وبند بالاستناد إلى ما ورد في قانون العقوبات العسكري وقانون الإرهاب وقانون العقوبات.
وقد تعرض الضحايا الذين تمت محاكمتهم بالقضاء العسكري في القضية رقم (1 إرهاب 2017) إلى 11 شكلا من أشكال الانتهاك، أبرزها الاختفاء القسري لمدد طويلة كما حدث للسيد علوي حسين علوي (363 يوما)، والتعذيب بالصعق الكهربائي وإيهام الضحية بأنَّه سيفارق الحياة. وقد قال أحد المعتقلين لعائلته إنه لم يكن يملك غير الاعتراف تحت وطأة التعذيب، لأن الموت بعد الصعقات الكهربائية المتتالية هو المصير الذي ينتظره إذا لم يُقدم على ذلك.
- الشهود الأشباح: يعتمد القضاء البحريني -في الكثير من القضايا السياسية- على الشهود السريين، وهم الشهود "الأشباح" الذين لا يعرفهم أحد، وقد يكونون من نسج خيال ضابط التحريات، وأقصى ما يمكن معرفته عن بعضهم أنَّهم يتقاضون الأموال مقابل عملهم كمخبرين لأمن الدولة.
ويرفض القضاء استجواب هؤلاء الشهود ومساءلتهم دون مبررات قانونية أو أسباب منطقية، ويتم رفض هذا الطلب الجوهري حتى وإن تضاربت شهاداتهم، كما حدث في القضية الأخيرة لزعيم المعارضة البحرينية الشيخ علي سلمان، وفي القضية الأخيرة التي تعرض فيها 171 مواطنا بحرينيا لمحاكمة غير عادلة بسبب التجمع السلمي في قرية الدراز أمام منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم.
فقد بدا واضحا أن التحريات لم يجرها ضابط التحريات إلا بعد إلقاء القبض على الضحايا، فضلا عن رفض المحكمة الإفصاح عمَّا أدلت به تلك المصادر السرية من أقوال لضابط التحريات في مخالفة صريحة لقانون الإجراءات الجنائية. وهو ما يؤكد عدم جدية التحريات وأن ما لحقها من إجراءات هي إجراءات باطلة، وهو ما يشكل مخالفة لأحد أهم مبادئ أصول المحاكمات الجزائية وهو مبدأ الوجاهية.
حيث يتم حرمان المدعى عليه من طرح الأسئلة على الشهود؛ إذ لا يجوز للمحكمة أن تبني حكمها على أي دليل (ومنها إفادات الشهود) لم يُطرح في جلسة المحاكمة، أو طُرِح ولم يطّلع عليه الخصوم أو لم يناقشوه أو لم يقبلوه بعد تلاوته، فذلك مخالف لمبدأ وجاهيّة المحاكمات ويعرّض المحاكمة برمّتها للإبطال.
ويقودنا كل ذلك للنتيجة التالية: بعد التحقيق مع عشرات الضحايا تحت وطأة التعذيب أخِذت أقوالهم تحت التعذيب والإكراه، وتم وضعها في محضر التحريات، وهو ما يعني أنه لم تكن هنالك تحريات قبل القبض عليهم، وأن اعتقالهم كان تعسفيا وبقرار سياسي.
- الإعلام التحريضي: كما بات واضحًا أن الإعلام الأمني يلعب دورا بارزا في توجيه الإعلام الحكومي، سواء من خلال تلفزيون البحرين أو الصحف الرسمية الأربع التابعة للسلطة في التحريض على المعتقلين السياسيين ووصفهم بالإرهابيين، وتوجيه القضاء نحو استصدار الأحكام المشددة عليهم؛ خصوصا مع الدور الذي تمارسه النيابة العامة في التشهير بالضحايا ونشر صورهم وأسمائهم.
هذا إضافة إلى نشر تلفزيون البحرين لاعترافات مصورة تحت الإكراه والتعذيب، واللجوء إلى توظيف قانون الإرهاب بكثافة بحق السجناء السياسيين، لدرجة أنَّ القضايا التي من المفترض أن تكون تحت قانون التجمهر والشغب أصبحت قضايا إرهابية، بسبب مزاج النائب العام والقضاة.
وفي النتيجة النهائية لتعدد الأشكال والأساليب التي تلجأ إليها السلطة لإدارة لعبة الانتقام في القضاء؛ نستطيع القول إن كل الدعوات الدولية التي تدعو للتالي: المطالبة بالإفراج الفوري عن معتقلي الرأي، أو الدعوة لإلغاء الأحكام التعسفية الصادرة بما فيها أحكام الإعدام وإسقاط الجنسية والسجن المؤبد، والمطالبة بالسماح للمقرر الأممي الخاص بالتعذيب بزيارة البحرين؛ تعبِّر تلقائيا عن قناعة دوليَّة تكررها -وإن بنحو غير مباشر- أطراف كثيرة (بما فيها حلفاء السلطة) بعدم استقلالية القضاء في البحرين.