لسنا عنصريين، لكننا نقذف الحجر من حيث أتى

2019-08-05 - 4:12 ص

مرآة البحرين (خاص): لسنا عنصريين، لكننا لسنا ملائكة كي نحتمل كل هذا الاستهداف وكأننا لا أحد، وكأن لا صوت لنا ولا كلمة، وكأننا أقلية مسحوقة لا يحق لها الدفاع عن نفسها أو الردّ على من يتطاول عليها.
من نحن؟ نحن (مرآة البحرين)، مرآة الأرض التي اكتسبت تحضرها قبل قرون من غزو 1783م، وقبلت الهجرات الوافدة عليها، وتفاعلت معها وصارت جزءاً من نسيجها، نحن هذا الكل المركب الذي يحلم بحياة كريمة وديمقراطية تحفظ لمكونات النسيج الحضاري المساواة والحرية والسيادة. نحن ضد السلطة التي تريد أن تستضعف مكونات هذا النسيج، أو تستحقره ليستبدل أسماءه وألقابه وأصوله ويستعر منها، نحن ضد أن تستفرد عائلة بالحكم وتوزع مقاسات الشرف والأصل والفخر حسب مقاسها، ضد التمييز الذي تقوم به لتحرم من لا ينصاع لأمرها ومقاسها، من حقوقه وفرصه ووجاهته في المجتمع.
لسنا عنصريين، لكنا نرد الحجر من حيث أتى، ونعرف أن الحجارة تأتي من عائلة تريد الاستئثار بكل شيء لها، وتوظف المرتشين والفاسدين ومصاصي الدماء ونهازي الفرص ليقذفوا نسيج الوطن ومكوناته. شعارنا منذ 2011 "إخوان سنة وشيعة"، بكل مثالية المتخاصمين السياسيين تحملنا من أجل هذا الشعار كل ما تعرضنا له من اضطهاد وازدراء طائفي وتحقير وتخوين وعمالة من (إخوتنا في الوطن) ومن (خصومنا)، بقينا محافظين على خطاب أخوي يدعو إلى الوحدة ونبذ الكراهية، حريصون أن لا تدفع الطوائف ولا الأعراق ثمن اختلاف سياسي فجّ، لقد حافظنا على خطاب متزن وداع للتوحد حول المشتركات الوطنية والثوابت طيلة هذه السنوات، نأينا بأنفسنا عن كل خطابات الكراهية وسيوفها التي شهرت في وجوهنا، وكل ما نالنا من مكارثية حقودة، وعيننا على الوطن وحده.
لسنا عنصريين، لكننا نعيش تحت وطأة نظام عنصري بغيض، ديدنه تحقيرنا وتهميشنا والتعامل معنا كمواطنين من الدرجة الأخيرة، نظام يضرب وجودنا ويمتد إلى أصولنا ويسري إلى شرفنا وعرضنا وديننا ويتطاول على وطنيتنا وولائنا لأرضنا، وقد سخّر لذلك كل ذبابه وقاذوراته وأراذل خلقه، مكّنهم من الإعلام والخطابة والمساجد وفرش لهم ساحات (الشرفاء) واستضافهم في مجالسه الخاصة وعينهم ككتاب أعمدة في صحف الفتنة، أو مراسلين إعلاميين في قنوات التحريض، أو مستشارين كراهية.
لقد بلغ سيل الازدراء بالطائفة الشيعية في هذه البلد أن حتى الغريب لم يعد أديباً، وصار يعرف سلوك البلد وسلك النافقين فيها، فيسير في سيرهم، حتى تطاول مستشار مصري أرعن بالتجرؤ على الطائفة الشيعية مهدداً أحد المختلفين معه في محفل اقتصادي: أنا أعرف أنك شيعي عميل لإيران.. أنا حعلمكو مين أبوكو يا ولاد (.......)، وأراد القضاء أن يؤكد له أن ذلك هو سلك البلد، فبرأه من تهمة التعدي علانية على الطائفة الشيعية، برعاية سيده وصاحب نعمته رئيس غرفة التجارة والصناعة "سمير ناس".
ليس هذا بدعاً، فقد تم قبله تبرئة الكاتب في صحيفة البلاد المجنّس طارق العامر، الذي سخر من الشيعة ونال من الإمام الثاني عشر ومعتقد من يمثلون الغالبية في البحرين، وقبله المتحدث باسم الجيش البحريني خالد البوعينين الذي كتب في حسابه على تويتر واصفاً المواطنين الشيعة: "ربهم بشر ومعصومهم إله وعمائمهم تزني وأطفالهم بلا نسب وطقوسهم شرك"، والكاتب حافظ الشيخ الذي وصف المواطنين الشيعة بـ"الجالية الشيعية في البحرين" أذانهم "بدعة" ومهديهم "خرافة"، ومن وظفتهم السلطة مثل عبداللطيف المحمود والسعيدي ومحمد خالد وفليفل وغيرهم، ليجعلوا من خطاب "الرافضة" و"أولاد المتعة رائجاً"، وليحيلوا التكفير إلى عقيدة والتخوين إلى وطنية، واليوم تأتي تلك الشمطاء القبيحة القلب والقالب، المسحوبة الأنوثة والإنسانية والأخلاق، لتطالب بتهجيرنا وتسفيرنا عن أرضنا وأرض أجدادنا.
كل هذا وأكثر مما تسود به صفحات المجلدات من العار، ونحن طوال هذه السنين نلتقم الحجر ونبلعه، كي نحفظ هذه البلد من فتن لا تنقصها، ولكي لا نهبط بأنفسنا إلى حضيض ما وصلوا إليه، لكن ناقصو الشرف وعديمو الأخلاق، ظنّوا أن عدم ردنا لا لسمو في أخلاقنا، بل لضعف في قدرتنا على الرد عليهم، حتى صار كل من هبّ ودب من النكرات والساقطين والفاشلين، يرتجي لفت نظر السلطة إليه، بالضرب فينا والنيل منا والتطاول علينا، وهو يعرف أن هذا أسهل طريق للوصول إلى قلب السلطة ورضاها وهباتها وعطاياها السخية وتكريمها ومناصبها. اليوم صار لا بد من إلقام كل من يتطاول علينا حجراً.
لسنا عنصريين، لكننا لسنا ملائكة لكي نحتمل كل هذا الاستهداف دون أن نحرك ساكن رد. الملائكة ليس مكانها الأرض، ولا تستطيع العيش مع كل هذا القبح المدوي الذي نواجهه ونتعامل معه بشكل يومي، لهذا اتخذت السماء لها بيتاً، أما نحن، فلنا الأرض، ولنا حق الرد على كل من يتطاول علينا، لا أقل ممن ينال منا بذلك الشكل السافل والقبيح، مع ذلك فنحن لا نرد عليهم بالمثل، إنما نذكرهم بأصلنا الذي يريدون طمسه، وأصلهم الذي ينكرونه ويخجلون من الاعتراف به. لم يصدر منا طوال هذه السنين خطاب واحد، ولا كلمة، تتطاول على أبناء طائفة أو جنس أو عرق، كذلك اليوم، فذلك ليس من أدبياتنا ولا من شيمنا، إنما نرد على أولئك السفهاء الناقصين المنحطين بأسمائهم وأفعالهم، ونرد عليهم بما يستحقون، بل أقل كثيراً مما يستحقون، لأننا نتعامل معهم برقي لا يستحقونه، حتى ونحن نرديهم أرضاً ونفضح وصوليتهم وانتهازيتهم ونعرّي سوآتهم وقبحهم.