التعليق السياسي: عاشوراء ليست قماشاً أسود
2019-09-08 - 10:23 ص
مرآة البحرين (خاص): في أحد مواسم عاشوراء بالمنامة، سمع باحث غربي مهتم بدراسة العلاقة بين الاحتجاج السياسي وعاشوراء، تهويسة الرادود أبوغايب في مأتم القصاب: "إننا للموت عشاق الحسين"، راح يسأل باستفاضة عن معنى هذا الشعار، ويبدو أنه وجد فيه مفتاحًا لفهم هذا التعلق الاستثنائي للشيعة بالحسين وتحويله إلى حالة نضالية عابرة للزمان، فراح يكتب: محفورة على صدورهم هذه الكلمات: "إننا للموت عشاق الحسين"، مكتوبة براحات أيديهم، مبحوحة بها حناجرهم، لاهثة بها قلوبهم، مخروقة بها آذانهم منذ الولادة، مختومة بها حياتهم، لا يمكن لأي سلطة سياسية أن تنزع هذا الشعار قبل أن تنزع قلوبهم.
عاشوراء ليست قماشاً أسود أو مجرد قصّة أو ذكرى ودمعة، تحت هذا السَوَاد فكرة، والأفكار لا يقتلها الرصاص، ولا تنتزع في غرفة التحقيق والتعذيب والتوقيف. غبيّة أية سلطة تقاتل فكرة، وكذلك غبي من يظن أنّه وُلِدَ من أجل القضاء على عقيدة متجذّرة لدى طائفة من الشعب، وأهل البحرين توارثوا معتقدا وأفكارا تقدّس ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وتحييها كل عام.
الأفكار الإنسانية التي تقع في أعماق البشر، لا يخبو لمعانها مهما طال الدهر، ومهما تم التضييق عليها، ومهما حدثت في أوقات بعيدة عن وقتنا هذا، الإمام الحسين مات منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، لكن فكرته حيّة لا تزال دفاقة وفتية وحارقة، ولن تموت لا في هذا العهد ولا في أيّ عهد مقبل.
قيل إنهم صلبوا المسيح وها هي اليوم المسيحية لا تزال تعيش، وحكموا على سقراط بالموت لقتل أفكاره لكنّها حتى اليوم لا تزال تتردد في أروقة المدارس والجامعات، والسم الذي تجرعه صار رمزًا لموت الشخص وحياة الفكرة، فماذا إذن عن فكرة الإمام الحسين ونهضته، هل سيقضي عليها أيّ حاكم أحمق؟!، النتيجة واضحة لكن الحقد أعمى ولذلك يعاود كرّته كل عام.
كل هذه الاستدعاءات لرؤساء المآتم، وقرّاء التعزية من المشايخ والملالي، وخلع الأعلام السوداء بحماية قوات الأمن، كله مجرّد هراء ينتشي به الأحمق وشلّته المسائية.
يزيد كان يظنّ أنه انتصر وكذلك أنت، تظنّ أنك أنهيت 14 فبراير وفكرة الحرية، لكنها بالتأكيد لن تموت وسيبقى أهل البحرين يطالبون بها ويعشقونها حتى الموت.