حكيم العريبي يشرح كيف تستخدم البحرين الرياضة لتبييض انتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان

خالد بن حمد آل خليفة أثناء رعايته المؤتمر الترويجي لبريف Brave (أرشيف)
خالد بن حمد آل خليفة أثناء رعايته المؤتمر الترويجي لبريف Brave (أرشيف)

كريم زيدان - موقع bloodyelbow الرياضي - 2019-12-10 - 1:11 ص

ترجمة مرآة البحرين 

عندما سافر لاعب كرة القدم البحريني، اللاجئ حكيم العريبي إلى تايلاند لقضاء شهر عسل مع زوجته في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لم يكن يعلم أنه سيتورط في قضية تسليم [مجرمين]، ستصبح في النهاية فضيحة دولية.

اعتُقِل العريبي، الذي فر من البحرين في العام 2014 قبل أن يُمنَح الإقامة الدائمة في أستراليا، فور وصوله إلى بانكوك، بعد حصول البحرين على مذكرة من الإنتربول بموجب إشعار أحمر. كان العريبي قد سُجِن في البحرين خلال حملة على الرياضيين المؤيدين للديمقراطية في أعقاب انتفاضة العام 2011. وفرّ من وطنه قبل أن يُحكم عليه بعشرة أعوام في السجن بسبب عمل تخريبي، ينفي حصوله إذ كان يلعب في مباراة كرة قدم، تم بثّها مباشرة على التلفاز في ذلك الوقت.

على الرغم من سياسة الإنتربول التي تنص على أنه لا يمكن إصدار إشعار أحمر ضد اللاجئين نيابة عن البلدان التي فروا منها، أمضى العريبي أكثر من 70 يومًا في السجن التايلاندي قبل أن تسحب تايلاند قضية التسليم ضده بسبب "معلومات جديدة". كان هناك أيضًا ضغوط من المنظمات الدولية والناشطين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين طالبوا بالإفراج عن الرّياضي. ثم استقل طائرة إلى ملبورن، حيث عاش مع زوجته ولعب مع فريق كرة القدم المحلي [في أستراليا] باسكو فالي.

شكّل الإفراج عن العريبي وإعادته لاحقًا إلى ملبورن انتصارًا  مهمًا لحقوق الإنسان، وتذكيرًا بالدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام الاجتماعي في النشاط.  وكمواطن أسترالي لا يزال العريبي الآن صريحًا بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في وطنه الأم، ويستخدم العمل الشائن الذي حصل بحقه مؤخرًا لجذب الانتباه إلى محنة السجناء الآخرين في البحرين.

في الآونة الأخيرة، ركّز لاعب كرة القدم، البالغ من العمر 26 عامًا، أنظاره على الاتحاد الدولي للفنون القتالية المختلطة IMMAF، وعلى اتفاقه الطويل مع مملكة البحرين ، وكيف يتم استخدام بطولة الاتحاد الدولي للفنون القتالية العالمية لهواة الفنون القتالية، التي تمت استضافتها في البحرين خلال السنوات الثلاث الماضية، لصرف الانتباه عن انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في المملكة الجزيرة.

دبلوماسية الفنون القتالية المختلطة

في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 - خلال منتصف العام 2019 من بطولة الاتحاد الدولي للفنون القتالية المختلطة العالمية لهواة الفنون القتالية- سلّم العريبي خطابًا نيابة عن البحريني المسجون، البطل في جيو جيتسيو وفي الفنون القتالية، محمد ميرزا ​، يحثّ فيه الاتحاد على "إعادة النظر" في "شراكته المستقبلية مع البحرين".

احتجت الرسالة، التي كتبها ميرزا ​​وقُدِّمَت إلى معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، على موافقة الاتحاد على اتحاد القتال الشجاع (Brave Combat Federation)، وهو عرض ترويجي للفنون القتالية، أسّسه نجل ملك البحرين ، الشيخ خالد بن حمد آل خليفة.

في العام 2015، اتخذ الشيخ خالد قرارًا بالاستثمار في فنون القتال المختلطة. قام بتمويل تطوير أول صالة رياضية للفنون القتالية، وأسس أول حملة ترويجية للفنون القتالية في البحرين، وهي اتحاد القتال الشجاع Brave Combat Federation) في العام التالي ، والتي شهدت منذ ذلك الحين نموًا كبيرًا.

خارج البحرين، تم الترويج لفعاليات في البرازيل والهند والأردن وكازاخستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمغرب وإندونيسيا وكولومبيا وباكستان وجنوب أفريقيا والمكسيك. ونتيجة لتوسعها الدولي، عرض اتحاد القتال الشجاع مقاتلين موهوبين من مجموعة متنوعة من الدول التي  تحصل نادرًا على منصة دولية. كما كانت بمثابة منصة أساسية للمقاتلين العرب من جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

على الرغم من هذه التطورات الإيجابية،  أبلغتُ سابقًا عن الطريقة التي تعمل بها المنظمة أيضًا كامتداد لأجندة الحكومة، وكأداة للدبلوماسية وتحسين العلاقات الثنائية بين البحرين والبلدان الأخرى، وصرف الانتباه عن المخاوف المستمرة لحقوق الإنسان.

في السنوات الثمانية التي تلت احتجاجات الربيع العربي في العام 2011، والتي شهدت ثورة السكان من الغالبية الشيعية  في البحرين ضد النظام الملكي السني، الذي استمر لقرون. واصلت حكومة البحرين قمع الغالبية العظمى من سكانها في محاولة للحفاظ على السلطة. أصبحت الأساليب مثل حل الأحزاب السياسية ومصادرة جوازات السفر والتعذيب ممارسات شائعة. وفي محاولة لاكتساب الشرعية في أعقاب استنادها على الحكم الاستبدادي، حوّلت البحرين انتباهها لاستخدام استضافة الأحداث الرياضية كشكل من أشكال القوة الناعمة.

حتى الآن، استخدمت البحرين سباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1، والألعاب الأولمبية، وركوب الدراجات، والفنون القتالية المختلطة في خططها لدعم الشرعية وتعزيز صورتها في الخارج. تُرَكّز شكوى العريبي وميرزا ​​على الأخيرة.

وقال ميرزا ​​في خطاب مكتوب في سجن جو المركزي الشهير إنه " عبر محاولة إظهار البحرين كعاصمة رياضية للشرق الأوسط، تستغل السلطات البحرينية دعمكم وتخفي الحقيقة بشأن انتهاكاتها المستمرة ضد الرياضيين المحتجزين"، مضيفًا أنّه سيمتنع عن التحدث إلى سلطات السجن طوال فترة بطولة الهواة (من 10 إلى 16 نوفمبر/تشرين الثاني)  كـ "رسالة احتجاج سلمي".

منصة رياضية لتبييض الانتهاكات 

على مدار السنوات الثلاثة الماضية، أقام الاتحاد الدولي للفنون القتالية المختلطة بطولته الرائدة، البطولة العالمية لهواة الفنون القتالية المختلطة، في البحرين كجزء من أسبوع القتال الدولي بريف BRAVE. تضمّنت نسخة 2019 من البطولة 452 رياضيًا يتنافسون من 51 دولة، واستضافه اتحاد البحرين لفنون القتال المختلطة تحت إشراف اللجنة الأولمبية البحرينية. كان هذا الحدث الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط.

وقال كيرميث براون، رئيس الاتحاد الدولي للفنون القتالية المختلطة: "أود أن أشكر صاحب السمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة، الذي كان، كوزير للشباب والرياضة ورئيس للّجنة الأولمبية الوطنية في البحرين، القوة الدافعة وراء تطوير الفنون القتالية المختلطة في المنطقة" وأضاف أنه "نتطلع إلى العمل مجددًا مع اتحاد الفنون القتالية المختلطة وبريف BRAVE  في البحرين لتقديم حدث آخر لا مثيل له لبطولة العالم للرياضيين. لقد تجاوزت البحرين التوقعات لمدة عامين على التوالي، وأحثّ هواة الفنون القتالية على التقدم للحصول على فرصة المشاركة في هذه التجربة الرياضية غير العادية ذات المستوى العالمي".

وقد تمّ تنظيم هذا الحدث تحت رعاية الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، الأخ الأكبر للشيخ خالد ورئيس الاتحاد الأولمبي البحريني. والشيخ ناصر، الذي ألقى كلمة خلال حفل الافتتاح، شخصية أكثر إثارة للجدل من شقيقه، إذ اتُّهِم بالتعذيب من بين انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان خلال انتفاضة 2011 في البحرين.

خلال انتفاضة 2011، ادُّعِيَ أنّ الشيخ ناصر استغل منصبه كرئيس لمختلف الاتحادات الرياضية لتهديد الرياضيين الذين حاولوا المشاركة في الحراك، بما في ذلك ميرزا ​​والعريبي. وأعلن على شاشة التلفزيون الحكومي أنه  كل من دعا لسقوط النظام، تسقط طوفة [جدار] على رأسه ... سواء كان رياضيًا أو اجتماعيًا أو سياسيًا، أيًا كان، سوف يُحاسب في هذا الوقت. اليوم هو يوم الحساب.

على الرغم من الأرقام المثيرة للجدل المرتبطة بالحدث، واصل الاتحاد الدولي للفنون القتالية تأييد حملة  اتحاد القتال الشجاع BRِAVE CF. وعند سؤاله عن عن تعاونهم مع الحكومة البحرينية في العام 2017، أصدر متحدث باسم الاتحاد الدولي للفنون القتالية بيانًا مطولًا لـموقع  BloodyElbow للدفاع عن قرارهم:

(يعارض الاتحاد الدولي للفنون القتالية بشدة جميع أشكال التمييز وإساءة الاستخدام، لكن، كمنظمة رياضية، ليس من اختصاصنا إملاء القوانين الأوسع لأي دولة ذات سيادة. في إطار دورنا، نعمل باستمرار لضمان عدم وجود تمييز في بطولاتنا أو داخل اتحاداتنا الوطنية وفقًا لمبادئ الحكم الرشيد.

ولتحقيق هذه الغاية، تطالب المادة 9 من النظام الأساسي لأعضاء  الاتحاد الدولي للفنون القتالية المنظمات الأعضاء فيه، أثناء أدائها لواجباتها، "برفض جميع أشكال ووسائل التمييز ضد الأفراد أو مجموعات الأشخاص أو المنظمات أو البلدان على أساس الأصل العرقي أو الجنس أو الميل الجنسي، أو اللغة أو الدين أو السياسة ". البحرين لا تخضع لأي عقوبات أو حظر، ويعمل عدد من الاتحادات الرياضية الدولية مع الدولة).

وفي حين لا تخضع البحرين في الواقع لأي عقوبات أو حظر، فإنّ تاريخها من العنف والتمييز ضد الغالبية الشيعية من السكان موثق جيدًا. أفادت هيومن رايتس ووتش منذ فترة طويلة عن تدهور حرية التعبير في البحرين، وتعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم، وإلغاء الجنسية، وحظر سفر المعارضين. وعلى الرغم من انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة جيدًا، تواصل الكيانات الرياضية مثل الفورمولا 1 والاتحاد الرياضي للفنون القتالية العمل مع المملكة، ما يسمح للعائلة المالكة في البلاد باستخدام الرياضة لتشتيت الانتباه عن انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة وإبراز  واجهة من الاستقرار لأولئك الذين يشاهدون من الخارج.

في رسالته، شرح ميرزا ​​بالتفصيل الاعتقال والتعذيب والمحاكمة الزّائفة  التي أدّت إلى الحكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة من قبل محكمة عسكرية، وحذّر من أن النظام البحريني "يستغل" دعم الهيئات الرياضية الدولية مثل الاتحاد الدولي للفنون القتالية و"يخفي الحقيقة بشأن الانتهاكات المستمرة ضد الرياضيين المعتقلين ".

وقال ميرزا ​​في رسالته الموجهة إلى براون: "أنا واحد من عدد من المعتقلين السياسيين الذين تحتجزهم السلطات البحرينية في السجن منذ العام 2011. أنا مصارع ومدرب فنون قتالية  وقد فزت بمراكز في عدد من البطولات. بدلًا من تكريمي ودعمي كموهبة وطنية، اختطفتني القوات العسكرية عند نقطة تفتيش في 16 مارس/آذار 2011 ، خلال فترة السلامة الوطنية".

وأضاف ميرزا أنه "تم استجوابي وتعذيبي نفسيًا وبدنيًا على مدار ثلاثة أشهر. ثم حوكمت أمام محكمة عسكرية تجاوزت معايير العدالة والنزاهة. لمدة 8 سنوات و 7 أشهر حرمت من حريتي. عندما أكمل عقوبتي، سأكون قد أمضيت 10 سنوات خارج الحلبة بسبب فشل السلطات في إيجاد حل سياسي للأزمة الحالية".

تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي انقضى منذ أن وجّه ميرزا ​​نداءه لبراون، بعث أربعة خبراء من الأمم المتحدة رسالة إلى حكومة البحرين يعربون فيها عن قلقهم بشأن ادعاءات  التعذيب وحرمانهم من الرعاية الطبية الكافية للمحتجزين في سجن جو، بمن في ذلك ميرزا .

"في الوقت الحالي، يعاني السيد محمد ميرزا موسى من مرض الديسك، وتآكل في مفصل الركبة الأيمن، وتمزق في الرباط الصليبي الأمامي، أسنانه مكسورة، بالإضافة إلى إصابات في الجانب الأيمن من الفك السفلي. يدعي محمد ميرزا موسى أنّ كل هذه الإصابات كانت نتيجة للتعذيب. وفقًا لعائلته، لم يكن يعاني من أي مشاكل صحية قبل إلقاء القبض عليه لأنه كان رياضيًا اعتنى بصحته ".

وحث العريبي، وهو من ذات القرية التي ينحدر منها محمد ميرزا​​، رئيس  الاتحاد الدولي للفنون القتالية على التحدث بصراحة عن قضية ميرزا​​، مشيراً إلى الدور الذي لعبته الهيئات الرياضية مثل الفيفا واللجنة الأولمبية الدولية في تأمين حريته بعد محاولات البحرين استلامه [من تايلاند]: "آمل أن تستطيع فعل الشيء نفسه لمحمد ".

وتوجه إليه بالقول إنّ "محمد يناشدك، كي ترفع قضيته أمام السلطات البحرينية. أُكَرِّر دعوته لك بأن تنأى بنفسك عن الحكومة البحرينية من خلال إعادة النظر في أي شراكة مستقبلية قد توفر لها الفرصة لإعادة ترميم صورتها الدولية المشوهة". 

النص الأصلي